إذا يسر الله للمسلم الوصول إلى تلك المشاعر المقدسة لأداء العمرة، فيلزمه خمس خطوات لإتمام عمرته، وهي: أولاً: الإحرام من الميقات: وهو نية الدخول في العمرة، وسمي بذلك لأن المسلم يحرم على نفسه بنيته ما...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن العمرة من شعائر الإسلام العظيمة، حيث رغب المولى -سبحانه- عباده إليها فقال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البقرة:196]، والعمرة لغة: قصد المكان وزيارته، وعند الفقهاء: زيارة البيت الحرام؛ لأداء مناسك مخصوصة، وتسمى الحج الأصغر؛ لمشاركتها الحج في بعض المناسك، وقد أجمع العلماء على مشروعيتها، ولكنهم اختلفوا في حكمها، منهم من قال بوجوبها مرة وأحدة في العمر، وقال آخرون باستحبابها.
ولمريد العمرة أن يقوم بهذه العبادة في أي وقت شاء ما عدا أيام الحج، وأفضل أوقاتها في رمضان؛ لقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "عُمْرَةٌ فِي رَمضَان تَعْدِلُ حَجَّةً معي"(متفق عليه)، فإن لم يتيسر للمسلم ذلك فليحاول القيام بها في أشهر الحج؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر أربع مرات جميعها في أشهر الحج.
عباد الله: وترغيباً للمؤمنين في أدائها، فقد أثبت الشرع لها فضائل كثيرة، فمنها:
تكفير الذنوب والسيئات: قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا"(متفق عليه).
ومنها: أن المتابعة بين الحَجّ والعمرة ينفيان الفقر والذنوب؛ ولذا رغب النبي -عليه الصلاة والسلام- من الإكثار منهما، فقال: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ؛ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ"(الترمذي والنسائي). والمتابعة يعني: الموالاة؛ فإذا انتهيت من عمرة فأت بعدها بحجة في تلك السنة، أو في غيرها.
ومنها: أنها تعدل الجهاد في سبيل الله، خصوصاً للنساء والضعفة، لقوله -عليه الصلاة و والسلام-: "جهاد الكبير والصغير والمرأة الحج والعمرة "(صحيح النسائي)
ومن تلك الفضائل: ما ورد للطواف من فضل عظيم، وهو من أركانها، قال رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا -أي سبعة أشواط- فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً"(صحيح الترمذي).
معاشر المؤمنين: من عزم على أداء هذه العبادة العظيمة فعليه أن يُخلص في عبادته لله -تعالى-؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، قال -سبحانه-: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزمر:3].
وعليه وأن يتعلم هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- في أداء العمرة حتى يؤديها بطريقة صحيحة؛ ولأن الله لا يقبل العمل إذا خالف هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ"(مسلم).
كما أن عليه يعتمر بمال حلال طيب؛ فإن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، وأن يتزود لعمرته ما يكفيه في رحلته حتى يعود لبلده؛ لئلا يذل نفسه بسؤال الناس.
عباد الله: العمرة لها أركانها التي لا تصح إلا بها، وهي ثلاثة: الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة.
ولها واجبات هي: الإحرام من الميقات، والتجرد من المخيط بالنسبة للرجل، والحلق أو التقصير؛ ومن ترك شيئاً من الواجبات وجب عليه دم.
فإن أدى المسلم أركان العمرة والتزم بواجباتها فقد تمت له عمرته، وأما الجانب التطبيقي العملي في صفة العمرة، وكيفية أدائها؛ فسيكون حديثنا في الخطبة الثانية بمشيئة الله -تعالى-.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
أيها الأحبة: إذا يسر الله للمسلم الوصول إلى تلك المشاعر المقدسة لأداء العمرة، فيلزمه خمس خطوات لإتمام عمرته:
أولاً: الإحرام من الميقات: وهو نية الدخول في العمرة، وسمي بذلك لأن المسلم يحرم على نفسه بنيته ما كان مباحا له قبل الإحرام؛ كلبس المخيط وغيره، ويستحب له قبل الإحرام التنظيف والغسل والتطيب، ثم يلبس الإزار والرداء ويقول: "لبيك اللهم عمرة"، وعندها يلتزم بمحظورات الإحرام التي لا يجوز للمحرم أن يفعلها وهي: عدم أخذ شيء من شعره أو أظافره، ويمنع عليه الطيب، وتغطية الرأس، وأن يجامع أو أن يباشر أي يفعل مقدمات الجماع، وأن يقتل صيداً برياً كالغزال والأرنب ونحو ذلك، ويمنع على الرجل أن يلبس مخيطاً، كالثوب أو السروال ونحوه.
ثم يشرع المعتمر في التلبية قائلاً: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، يجهر بها في الطرقات، "ويكثر من هذه التلبية ومن ذكر الله -سبحانه- ودعائه حتى يصل إلى البيت الحرام".
ثانياً: الطواف حول الكعبة سبعة أشواط: ويبدأ الطواف بمجرد دخوله للمسجد الحرام، والبداية والنهاية تكون عند الحجر الأسود، فإن استطاع أن يستلمه استلمه وقبله وكبَّر وبدأ طوافه، وإلا استلمه بعصىً ونحوها وقبَّل ما استلم به، وإن لم يتيسر له شيء من ذلك أشار إليه ولا يقبل يده.
ويسن له الرَّمَل: وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ويكون في الأشواط الثلاثة الأولى، ويسن الاضطباع، وهو أن يجعل طرفي رداءه على كتفه الأيسر ويُبدي الكتف الأيمن، ويكون هكذا في الطواف كلِّه، فإذا فرغ من طوافه أعاد ثيابه فوق كتفه، ويسن لمن يطوف أن يستلم الركن اليماني بيده ولا يقبله، فإن لم يستطع استلامه بسبب الزحام لم يشر إليه، ويستحب لمن يطوف أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
ولا تشترط الطهارة للطواف ولكن يستحب ذلك لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز للمرأة الحائض أن تطوف حتى تطهر من حيضها؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- للحائض دخول المسجد، وإذا أقيمت صلاة الفريضة وهو يطوف فإنه يصليها مع المسلمين ثم يكمل ما بقي من طوافه.
ثالثاً: الصلاة خلف مقام إبراهيم والشرب من ماء زمزم: فإذا فرغ من الطواف انطلق إلى مقام إبراهيم وقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)[البقرة:125]، وصلى خلفه ركعتين إن تيسر له ذلك، وإلا ففي أي مكان من المسجد، ويقرأ في الأولى بسورة الكافرون، وفي الثانية بالإخلاص.
ثم يستحب له أن يشرب من ماء زمزم، ويصب على رأسه؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم-، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- عن زمزم: "إنه طعام طُعْم"(رواه مسلم) وزاد أبو داود: "وشفاء سقم".
رابعاً: السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط: يبدأ سعيه من الصفا وينتهي بالمروة، ويسن عند قربه من الصفا في بداية الشوط الأول أن يقرأ قوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)[البقرة:158] ويقول بعدها: "أبدأ بما بدأ الله به"، ولا يقول هذا إلا في بداية الشوط الأول من السعي.
ثم يرقى الصفا حتى يعاين الكعبة إن استطاع؛ فيرفع يديه ويقول: "الله أكبر (ثلاثاً) لا إله إلا وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم يدعو بما تيسر رافعاً يديه ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات.
ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول الأخضر فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني، من غير أن يؤذي أحداً، فإن لم يتمكن من ذلك إلا بأذية بعض المسلمين فلا يركض؛ لأن ترك الأذية واجب والركض مستحب، والواجب مقدم على المستحب أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع، ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها والرقي أفضل إن تيسر ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا، يفعل ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط.
ولا تشترط الطهارة للسعي ، فلو سعى وهو غير متوضئ جاز ذلك، ولكن الأفضل أن يكون على وضوء، ولا يوجد ذكر أو دعاء خاص بالسعي، فلو قرأ القرآن أو ذكر الله أودعاه بما يتيسر فهو جائز، وإذا أقيمت الصلاة وهو يسعى فإنه يصلي مع الجماعة في المسعى ثم يكمل سعيه.
خامساً: حلق الشعر أو تقصيره: فإذا فرغ المعتمر من السعي حلق أو قصر، والحلق أفضل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة، ففي الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ" قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ". وفي رواية: "اللهم اغفر لهم"(أحمد). وليس على المرأة حلق، وإنما تأخذ من شعرها قدر أنملة من كل ضفيرة فيه.
ويمكننا إجمال صفة العمرة في الآتي: من أراد العمرة فإنه يحرم من الميقات، ثم يشرع في التلبية حتى إذا رأى البيت يقطعها، ويبدأ بالطواف بالبيت ويشترط أن يكون على طهارة، فإذا فرغ من الطواف، صلى خلف المقام ركعتين، ثم يسعى بين الصفا والمروة، ثم يحلق أو يقصر، وبذلك يكون قد قضى نسكه، وحل له ما كان محظوراً عليه.
أسأل الله أن يبلغني وإياكم زيارة تلك البقاع المقدسة لأداء العمرة والحج والصلاة في المسجد الحرام فإن فضلها عظيم، فقد ثبت أن "صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ "، فالمحروم من قدر على هذا كسب هذه الحسنات، ثم تكاسل وفرط فيها.
ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي