حادثة الزلفي

يحيى جبران جباري
عناصر الخطبة
  1. معالم منهج الإسلام في حفظ المجتمعات .
  2. أهمية تطبيق الحدود الشرعية في المجتمع .
  3. تعليق على حادثة الزلفي .
  4. الأمن والاستقرار أهم أسس المجتمعات .
  5. واجبنا تجاه مثل تلك الأحداث. .

اقتباس

إن الأمن والاستقرار في كل دولة أمر مهم، وضياعه ضياع لكل شيء، أرواح وأموال، وممتلكات، وفي المملكة العربية السعودية يزداد الأمر سوءًا؛ لوجود المقدسات، ولذلك كان لزامًا على ولاة الأمر فيها تطبيق أمر الله...

الخطبة الأولى:

الحمد لله جعل من الضرورات حفظ النفس، أحمده سبحانه وأشكره بعدد من تنفس، وأستعينه وأستهديه وأستغفره، يزيد في العون ولا يبخس، ويخرج من في سجن الضلالة يحبس، ويغفر لمن تاب إليه من الذنب قبل أن يتعس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب عظيم عليم بكل شيء محيط، لا يغفل ولا ينعس، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، حمل الرسالة وأدَّى الأمانة وللأمة النهج أسس، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه مادامت الأفواه تهمس.

ثم أما بعد: فأوصيكم -أيها المسلمون ونفسي المقصرة- بتقوى الله الحي القيوم، فمن اتقاه كفاه الهموم، وأذهب عنه الغموم، وجعل الراحة والطمأنينة في نفسه تدوم؛ فاتقوا الله عباد الله، فابن آدم مجرد أيام، ثم قيامته تقوم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج:1-2].

 أيها المسلمون، أيها الآمنون: يقول ربكم: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة:33]، ويقول -عز من قائل كريمًا-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً)[النساء:92]، وقال -سبحانه-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:93].

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لن يزال المؤمن في فسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً"(رواه البخاري). وقال -بأبي هو وأمي عليه صلاة وسلام ربي-: "كل المؤمن على المؤمن حرام؛ دمه وماله وعِرْضه"، وقال أيضا -عليه الصلاة والسلام-: "أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول؛ فإن هم أطاعوني لذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"؛ فالحمد لله الذي جعل حساب الخلق عليه، ولم يوكله لأحد من المخلوقين.

ففِيمَ يقتل أحدكم أخاه، والحمد لله الذي أمر بالحدود، وجعلها حافظة للأرواح والأموال والعقول، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)[النور:2]، (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)[المائدة:38]، و"من شرب الخمر فاجلدوه"؛ كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وله الصحابة طبقوا: وكفى دليلاً بأن في قَتل القتلة والمفسدين والمحاربين لله ولرسوله حياة، قوله -تعالى-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:179]؛ فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله على ما كتبه وقدَّره وأمَر به وقضاه.

 أيها الأحبة: كلكم سمع بالحكم الشرعي، الذي طُبِّق في مجموعة ممن حادوا عن الطريق الحق، فقتلوا رجال الأمن، وسعوا لزعزعة الأمان، وأرعبوا وأرهبوا المواطنين والمقيمين، نساءً ورجالاً وشبابًا وصبيانًا، وشكَّلوا جماعات إرهابية، لها فِكر ضالّ خبيث، يسعون من ورائه لتدمير وتفكيك هذه الدولة المباركة، وشقّ عصى الطاعة، وتأليب الرعية على الرعاة، وتشكيك الشعب في ولاة الأمر، وتصوير الظلم والقهر، وإشعال الفتنة ونشر التكفير.

وقل ما شئت من كل فعل وإثم حقير، وإلا من أباح لهم قتل الأنفس المعصومة، وقد حرمها الله إلا بحق، فبأي ذنب تُزْهَق، فذاك رجل الأمن يخرج من بيته، متوجهًا إلى عمله، إما في مركز، أو نقطة، أو شارع، أو دورية، إما راكبة أو راجلة، واجبه حفظ الأمن، وحماية المواطنين والمقيمين، والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، ومنع الفوضى، وردع المعتدي، ونجدة المستغيث، ومساعدة المحتاج في كل المواقع، سواءً كانت في المدن، أو القرى، أو الهجر، وفي الشوارع، وحتى الجوامع.

ثم تأتي تلك الشرذمة الطاغية الباغية، فيعتدون عليهم ويهاجموهم، فيؤذوهم أو يقتلوهم، فبأي ذنب يُقتلون؟! إلا لأنهم للأمن يحفظون، وعلى الأرواح والممتلكات يحافظون، فأي نهج ينتهجه أولئك الضالون؟! وفوق ذلك لبيوت الله يستهدفون، ولجموع المصلين يُرهبون، وللأدلة الحق يحرفون، وللحرام يحلون؛ وللحلال يحرمون، ولأنفسهم يقتلون، هل هؤلاء مسلمون؟، لا والله ما هكذا أهل هذا الدين يفعلون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء:29-30].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والعظات والحكمة.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله أمر بالحدود والقصاص، أحمده سبحانه وأشكره على كل فضل عام وخاص، وأشهد أن لا إله إلا الله بيده الفرج والخلاص، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وذي الخواص، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على نهجه بلا انتقاص.

وبعد: يا مَن يعلم بأن الموت ليس منه مناص، اتق الله؛ فمن اتق الله في زمن الفتن نال درجة المغيرة وابن رباح وأبا العاص؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

عباد الله: إن الأمن والاستقرار في كل دولة أمر مهم، وضياعه ضياع لكل شيء، أرواح وأموال، وممتلكات، وفي المملكة العربية السعودية يزداد الأمر سوءًا؛ لوجود المقدسات، ولذلك كان لزامًا على ولاة الأمر فيها تطبيق أمر الله والحكم بالقصاص تعزيرًا في حق تلك الثلة المارقة، بعد أن استنفذت كل الطرق والمحاولات في مناصحتهم واستتابتهم، وعودتهم؛ فأبوا إلا الإصرار على الغي والضلال، فكان السيف عقابَ مَن أرهب المسلمين، وقتلهم وسعى في إفساد الأرض، وأراد بالأمن إخلالاً.

 ولا زالت أفعالهم المشينة تدل على نواياهم السيئة، وتثبت رغباتهم المتوحشة الدفينة، فبالأمس القريب هجموا في منطقة الزلفي على مركز للأمن، وأطلقوا النار على رجال الأمن، ولكن لطف الله كان أعظم، وانقلب الظلم على الظالم، فقُتِلُوا، بل قتلوا أنفسهم، فخسروا الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من سوء الخاتمة.

فاحذروا -أيها المسلمون- هذه الفئة ومن على شاكلتهم، وحافظوا على دينكم ومقدساتكم ووطنكم وأرواحكم، وكونوا عونًا لرجال الأمن بينكم، وأعينوهم، فهم أحق من يُعان منكم، فهم في الحدود يذودون عنكم وعن أرضكم وأهليكم، وفي الداخل يحفظون الأمن لكم ولممتلكاتكم، وفَّقهم الله وأعانهم وكتب أجرهم وحفظهم، وأطيعوا ولاة أمركم ولا تشقوا عصا من طاعة، فـ"من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية"؛ نعوذ بالله من كل فتنة وبلية، ومن كل شرذمة طاغية بغية.

ثم الصلاة والسلام مِنَّة، على الذي آتاه ربي السُّنَّة حتى نلاقيه بباب الجنة..

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ….


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي