علامات الساعة الصغرى هي إرهاصاتٌ ومقدمات للعلامات الكبرى، وعلامات الساعة الكبرى هي عشر علامات، ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- قال: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوة الإسلام: علامات الساعة الصغرى هي إرهاصاتٌ ومقدمات للعلامات الكبرى، وهي عشر علامات، ذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- قال: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟" قلنا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، فَذَكَرَ: "الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب؛ وآخِر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"(رواه مسلم).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال ستًّا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة"(رواه مسلم).
عباد الله: وليس هناك نص صريح يبين ترتيب هذه العلامات العشر، فيما أعلم، والأحاديث جاءت متفرقة ومجتمعة، والرد إليها أسلم.
وإذا ظهر أول علامات الساعة الكبرى فالأخرى على إثرها تترى، فهي آيات تتابع كتتابع الخرز في النظام، يتبع بعضها بعضًا في انتظام؛ في مسلم: "وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبة".
وعند الإمام أحمد -مرفوعًا-: "الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضًا".
وعند الطبراني: "خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعن كما يتتابع الخرز في النظام".
وقبل ذكر هذه العلامات باختصار، والتعليق عليها بإيجاز وادكار، نتحدث عن المهدي؛ لأن ظهوره يسبق هذه العلامات، فيجتمع عليه المؤمنون لقتال الدجال، ثم ينزل عيسى، ويصلي خلفه.
فهو رجل يخرج من قبل المشرق آخر الزمان، من آل البيت، اسمه واسم أبيه كاسم النبي، واسم أبيه خليل ربه، يملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا، ينعم الناس في عهده، فتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويفيض المال في ساحاتها، ويؤم هذه الدنيا، ويصلى عيسى خلفه.
أول أشراط الساعة -عباد الله-: ظهور الدجال؛ والدجال رجل من بني آدم، عظيم الجسم عظيم الرأس، ومن أوصافه أنه شاب أبيض البشرة، قصير أفحج، شعره متجعد كثيف، ممسوح العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، واليسرى عليها صفرة، وهو عقيم لا يولد له.
وهو مسيح الضلالة، وسمي مسيحاً؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا. نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال.
له صفات كثيرة بيِّنة واضحة، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون فسلِموا من فتنته، مكتوب بين عينيه: "كافر"، يقرؤها كل إنسان، يخرج من جهة المشرق من خراسان من يهودية أصبهان ومعه سبعون ألفاً من اليهود.
ثم يسيرون في الأرض فلا يترك بلدًا إلا دخله إلا مكة والمدينة؛ فإنهما محرمتان عليه تحرسهم الملائكة، وأكثر أتباعه من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء.
لما يُجري الله على يديه من الخوارق والآيات التي تبهر العقول وتحير الفهوم، يمكث في الأرض أربعين يومًا؛ يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، ثم يكون هلاكه على يد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-.
ومن فتنته أن معه جنة ونارًا، وجنته نارٌ، وناره جنةٌ، يأمر السماء أن تُمطر فتمطر، والأرض أن تُنبت فتنبت، ويقطع الأرض كسرعة الغيث استدبرته الريح، يدعي الربوبية، وإذا خرج لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل.
ثاني أشراط الساعة -أيها المسلمون-: نزول عيسى -عليه السلام-؛ وعيسى ابن مريم خُلق من أنثى بلا ذكر، وصفته أنه مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أحمر جعد عريض الصدر، سبط الشعر، كأنما خرج من ديماس (أي حمام)، له لمة (أي شعر قد رجَّلها) تملأ ما بين منكبيه.
والله يبعثه إلى الأرض على الطائفة المنصورة من المؤمنين بعد خروج الدجال وإفساده في الأرض، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، "فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ"، ومعنى ذلك أنه يقتل أناسا كثيرين من الكفار؛ لأن هذا النفس يطير في الهواء.
فيقتل الدجال، ويقاتل اليهود، ويكسر الصليب، ويحكم بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فيمكث في الأرض سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. ثم يرسل الله الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين.
وعيسى -عليه السلام- حين ينزل يكون من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا ينزل بشرع جديد؛ لأن دين الإسلام خاتم الأديان، وباقٍ إلى قيام الساعة، فيكون عيسى حاكمًا من حُكام هذه الأمة، ومجددًا لأمر الإسلام.
وزمن عيسى زمن أمن وسلام ورخاء، يرسل الله فيه المطر الغزير، وتخرج الأرض ثمرتها وبركتها، ويفيض المال، وتذهب الشحناء والبغضاء والتحاسد.
وثالث أشراطها -عباد الله-: خروج يأجوج ومأجوج؛ وهم قومٌ من البشر؛ كثيرو العدد لا يفصحون الكلام، صغار العيون، صهب الشعور، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة، على أشكال الترك وألوانهم، يخرجون بعد نزول عيسى فيفسدون في الأرض، فيدعو الله عليهم فيهلكهم الله، ثم يرسل مطرًا يلقي بهم في البحر ويغسل الأرض من نتنهم، ويريح العباد والبلاد من شرهم.
رابع وخامس وسادس أشراط الساعة: حدوث ثلاثة خسوفات؛ فالأول في المشرق، والثاني في المغرب، والثالث في جزيرة العرب؛ ولما قالت أم سلمة: يا رسول الله، أيخسف بالأرض وفيها الصالحون؟! قال لها: "إذا أكثر أهلها الخبث".
وهذه الخسوفات عظيمة وعامة لأماكن كثيرة من الأرض في مشارقها ومغاربها وفي جزيرة العرب؛ والخسوف هو انشقاق الأرض وغياب ما فوقها في داخلها، وقد ذكر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وقوع خسوفات كبرى، يفزع الناس لها، ويكون لها تأثير عظيم.
سابع أشراط الساعة: ظهور الدخان، وهذا الدخان يظهر في السماء بيّنًا واضحًا يراه كل أحد، قال -تعالى-: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِينٍ)[الدخان:10]. فهو يغشى الناس ويعمهم، وعند ذلك يقال لهم: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) تقريعًا وتوبيخًا.
وعند الطبراني وابن جرير، عنه -عليه الصلاة والسلام-: "إن ربكم أنذركم ثلاثًا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه".
نسأل الله -تعالى- أن يعافينا وإياكم من ذلك.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها المسلمون: ثامن أشراط الساعة: خروج الدابة، وهي دابة تخرج من مكة المكرمة عند فساد الزمان وظهور المعصية، عند تبديل الدين وترك أوامر رب العالمين، فيُخرج الله لهم دابة تكلمهم، تخرج إذا اختلط الحابل بالنابل، والمؤمن بالكافر، والمسلم بالمنافق: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)[النمل:82].
قال العلماء في معنى (وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ)، أي: وجب الوعيد عليهم؛ لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان، وإعراضهم عن أهل القرآن، يخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم، تعقل وتنطق، مع أن الدواب في العادة لا كلام لها، ولا عقل؛ ليعلم الناس أن ذلك آية من عند الله.
وتخرج هذه الدابة على الناس ضُحًى تنطق وتخاطب الناس بكلام يسمعونه ويفهمونه ويعقلونه، والله على كل شيء قدير.
فيجب أن نؤمن أنها دابة حقيقية، وأنها تكلم الناس، وأنها تخرج من الأرض؛ ولم يثبت من صفة هذه الدابة حديث صحيح، لا مكانًا، ولا صفة، ولا وسمًا، ولا وقتًا.
تاسع أشراط الساعة: طلوع الشمس من مغربها؛ كما في قول الله -جل وعلا-: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)[الأنعام:158]؛ فالناس بينما ينتظرون إشراق الشمس وطلوعها من مكانها المعتاد؛ فإذا بها تطلع من الغروب، فإذا رآها الناس كذلك آمنوا أجمعين، حين ذلك (لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، وعندها لا يُقبل إيمان مؤمن، ولا توبة عاصٍ.
فما أعظمها من آية يراها الخلق، فتنكشف الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يجعلهم يُقِرُّون ويصدقون بالله وآياته.
وأما عاشر أشراط الساعة الكبرى، وهي الخاتمة وآخر الأمارات: فهي نار تخرج من اليمن، وتسوق الناس إلى أرض المحشر، وتجمعهم فيها؛ ففي البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب"، وروى الإمام أحمد مرفوعًا: "ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت، أو من حضرموت، تحشر الناس"، قالوا: فبم تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "عليكم بالشام". وجاء في وصفها أنها تطردهم إلى المحشر.
وعند ظهور هذه النار العظيمة ينقسم الناس إلى ثلاثة أفواج: فوج راغبون طاعمون كاسون راكبون؛ وفوج يمشون تارة ويركبون أخرى يعتقبون على البعير الواحد، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، بل وعشرة على بعير، من قلة الظهر يومئذ؛ والفوج الثالث تحشرهم النار وتحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف أكلته النار.
روى البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يحشر الناس على ثلاثة طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير؛ ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".
عباد الله: يجب التصديق الجازم بهذه العلامات واليقين بوقوعها، والإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن ذلك واقعٌ لا محالة، ولا يكمل إيمان عبد حتى يؤمن بذلك؛ إذ الإيمان بها ركن من أركان الإيمان.
أيها المسلمون: وخير ما يعمله المسلم المؤمن بهذه العلامات أن يحسن الاستعداد والمنافسة في ميادين الأعمال الصالحة، مع التوبة الخالصة، والعزيمة الصادقة؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبر بها ابتدأ بقوله قبل ذكرها: "بادروا بالأعمال ستًّا"، فاعملوا صالحًا؛ لتنجوا في هذا اليوم العظيم؛ يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقينا شر الفتن ويختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله ..
المصدر: الذكرى بأشراط الساعة الكبرى للشيخ خالد بن علي أبا الخيل
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي