إن أحوج الناس إلى رحمة الإنسان وشفقته وإحسانه وبرّه: الوالدان؛ لأنهما أقرب الناس إليه، وسبب وجوده؛ فتذكّر أيها الابن أفعالهما الجميلة، وسيرتهما الفاضلة، والليالي والأيام التي أمضياها في الإحسان إليك وتربيتك وتهذيبك والإنفاق عليك؛ ثم...
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
إخوة الإسلام: لقد سمى الله -تعالى- نفسه بخير الأسماء، ووصف ذاته بأكمل الصفات؛ فله الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ومن صفاته الكاملة: الرحمة، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الأعراف:156] وقال: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)[الأنعام:133].
ورحمة الله بعباده تأتي على أوجه متعددة، وصور مختلفة، لا يمكن حصرها، ولا يستطاع عدها، ولكن سنكتفي بذكر شيء منها:
فمن صور رحمته -تبارك وتعالى- بعباده: أن بعث فيهم رسلًا مبشّرين ومنذرين، يُعَرّفونهم ربَّهم، ويدعونهم إلى عبادته وإخلاص الدين له، ويعلمونهم الحق، ويحذّرونهم من سبيل الباطل والضلال، قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا)[الأنعام:48].
ومن صور رحمته بنا: أن بعث فينا سيدَ الأولين والآخرين، وجعل رسالته رحمة للخلق أجمعين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107]، وقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128].
ومن صور تلك الرحمة: إنزال الشريعة الكاملة في مبادئها ونُظُمِها وقِيَمها وأخلاقها، وجعلها شريعة شاملة صالحة لكل زمان وإنسان، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3].
ومن مظاهر هذه الرحمة: أنها شريعة ميسرة سهلة لا مشقة فيها: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة:185]، وفي الحديث: "ادعوا الناس وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا"(رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"(رواه البخاري).
ومن مظاهر رحمته -جل جلاله- بعباده: قبول التوبة والعفو عن العصاة، ومغفرته لذنوبهم، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر:53]؛ فالله: "يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"(رواه مسلم)، وينزل في الثلث الأخير من الليل فينادي: "هل من سائل فيُعطَى سُؤلَه؟ هل من مستغفر فيُغفَر له؟ هل من تائب فيُتاب عليه"(رواه مسلم)، وكل ذلك رحمة منه بعباده -تعالى-.
ومن الصور الدالة على رحمته: أنه تكفّل برزق عباده جميعًا، ولم يَكِل أحدًا إلى أحد؛ فلا الأولاد وُكِلُوا لآبائهم، ولا الآباء لأولادهم؛ بل الجميع تحت فضله وكرمه وإحسانه، قال -سبحانه-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ)[العنكبوت:61]، وقال: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود:6].
ومن رحمته كذلك: أن سَخّر لعباده ما في السماء والأرض جميعًا منه؛ وذلك لقيام مصالح الحياة وانتظام المعيشة، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحج:65].
تلكم -عباد الله- بعض صور ومظاهر رحمة الخالق بالمخلوق، وهي رحمة ضرورية لا يستغني عنها الغني بغناه، ولا الفقير بفقره، وهناك الكثير والكثير من أشكال رحمة الله بخلقه وعباده؛ التي يتجلى من خلالها سعة رحمته، وأنه -سبحانه- هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
معشر المسلمين: أما صور وأشكال ومظاهر الرحمة بين الخلق فهي أيضًا كثيرة، ولكن نكتفي ببعضها؛ فمن تلك الصور:
رحمة العبد بنفسه؛ وتكون بإنقاذها من كل ما يؤذيها ويسبب هلاكها، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء:29].
ويدخل في هذه الصورة: السعي في فكاكها من عذاب الله؛ وذلك بطاعته، والقيام بما أوجب، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس:10-11]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو مُوبِقُها"(رواه مسلم).
واعلموا -عباد الله- أن أحوج الناس إلى رحمة الإنسان وشفقته وإحسانه وبرّه: الوالدان -الأم والأب-؛ لأنهما أقرب الناس إليه، وسبب وجوده؛ فتذكّر -أيها الابن- أفعالهما الجميلة، وسيرتهما الفاضلة، والليالي والأيام التي أمضياها في الإحسان إليك وتربيتك وتهذيبك والإنفاق عليك، ثم ارحمهما ولا تعذبهما، وسامحهما ولا تؤاخذهما، وأكرمهما ولا تُهنهما، وتواضع لهما ولا تتكبر عليهما؛ فتلك وصية الله إليك؛ قال -تعالى-: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسرا:24].
إن أبويك -أيها الابن- يحتاجان إليك عند المشيب والكبر، وضعف القوة وقلّة النشاط والعجز عن الحركة، وإذا خارت قواهما، وصار البياض في شعورهما، والتهبت بالأحاسيس مشاعرهما؛ فهما أحوج ما يكونان إلى عطفك ورحمتك وحلمك، قال -سبحانه-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)[الإسراء:23].
يحتاج الوالدان إلى رحمة الأولاد وهما في قبورهما ينتظران البعث والنشور، يحتاجان إلى دعوة صالحة أن يفسح الله لهما؛ فقد صارا غرباء سفر لا يُنتظرون، ورهناء ذنوب لا يُفكون ولا يطلقون؛ فادع -أيها الابن- لهما، ولا تبخل عليهما؛ فقد روى مسلم أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
وروى الإمام أحمد وابن ماجه أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟! فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".
ارحم أبويك بالتصدق عليهما بعد مماتهما؛ ففي الصحيحين: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ".
ارحمهما بقضاء دينهما ونذرهما؛ ففي الصحيحين: "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ".
وفي الصحيحين أيضًا أنه: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".
ومن أهم مظاهر الرحمة: رحمة الآباء بالأبناء؛ فيرحم الأب -أو الأم- أبناءه رحمة مشتملة على الخير كله، تتمثّل في الإنفاق عليهم، والإحسان إليهم، وتربيتهم وتوجيههم، والعقد على أيديهم، والعطف عليهم، ومعاملتهم بالحسنى، وتبصيرهم بطرق الصلاح والهداية، وتحذيرهم سُبُلَ الرَّدَى والفساد والغواية؛ فتلك -والله- هي الرحمة الحقيقية، والتربية النافعة، وليست الرحمة بمجرد إعطائهم مَلذّاتهم، وتمكينهم من شهواتهم؛ بل إن هذه رحمة ضعف وخَوَر.
والرحمة بالصغار منهم على وجه الخصوص؛ فقد "قَبَّل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الحسنَ بن علي ابن ابنته، فقال له رجل من الأعراب: أتقبّلون أبناءكم؟! فنظر إليه وقال: من لا يَرْحَم لا يُرْحَم"(رواه الشيخان)، وفي الصحيحين أنه قال لآخر: "ما أملك أن نزع اللهُ الرحمةَ من قلبك".
وكانت رحمتُه -صلى الله عليه وسلم- بالأطفال تتجاوز حدود أولاده وأحفاده، إلى بقية الأطفال والموالي؛ فقد روى البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا".
وفي الصحيحين عَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ -وَهيَ ابْنَة زَيْنَبَ ابِنْتِه- عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا".
فاللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، واجعلنا من عبادك الرحماء، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما.
قلت قولي هذا وأستغفر الله..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
أيها المسلمون: ومن صور الرحمة: الرحمة بين الأزواج؛ وذلك بأن ترحم الزوجة زوجها فلا تؤذيه، ولا تحمّله ما لا يطيق؛ بل تساعده وتقف إلى جانبه، وتسعى في خدمته وطاعته وإرضائه. ويرحم الزوج زوجته؛ فيحسن إليها، ويشفق عليها، ويحسن عشرتها؛ فلا يظلمها ولا يؤذيها؛ بل يأمرها بالمعروف، ويحثّها على الخير، ويوجهها للحق؛ بلا جَفَاء ولا غِلْظة، ولا قُبْح قول، ولا سوء معاملة، ولكن بحكمة ورفق وأمر بخير وتحذير من شر.
هذه الرحمة تفضلًا من الله ونعمة؛ وبها تستقيم الحياة الزوجية وتهنأ، وبدونها تضطرب الحياة الزوجية وتشقى، قال -سبحانه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
وقد امتثل -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فكان نِعمِ الزوجُ الرحيم، وأرشد المؤمنين للأخذ بها؛ فقال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"(رواه الترمذي).
ومن صور الرحمة -يا عباد الله-: الرحمة بالأرحام؛ وذلك بأن تصلهم بما تستطيع؛ فهناك فقير تواسيه، وغنيّ تزوره، وآخر تحسن إليه؛ لأن "الرحم معلقة بالعرش تقول: يا رب! أنت الرحمن وأنا الرحم، يقول: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ فتقول: نعم، فيقول: ذلك لك"(رواه مسلم).
ومن تلك الصور: الرحمة بالضعفاء؛ فترحم اليتيم رحمة تحملك على العطف عليه، والإحسان إليه، وتفقّد أحواله، والسعي فيما يصلح دينه ودنياه، وترحم المريض والعاجز بمساعدته وإعانته وتيسير مهمّته.
ومن صور الرحمة: الرحمة بالمحتاج الذي أثقلته الديون، ولازمته الهموم والغموم، فتُضَمّد جراحه، وتعينه على نوائبه، وتسعى في فكاك دَينه، وتُيسّر له عُسره، وتُنظِرَه إن كنت صاحب الحق، وتعين على إنظاره إن لم تكن صاحب الحق؛ ففي الحديث أنه: "أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ فقال: ما عملت من شيء يا رب إلا أنك آتيتني مالاً فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي أن أُيَسِّر على الْمُوسر وأَنْظِر الْمُعْسِر، قال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدى"(رواه مسلم).
ومن أهم صور الرحمة: الرحمة بالعاصي المخالف للشريعة؛ رحمة تقتضي دعوتهم إلى الخير، وتحذيرهم من الشر، والأخذ على أيديهم، وإقامة حدود الله عليهم؛ حتى يخف إجرامهم، ويقلل من ذنوبهم وأوزارهم.
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، وألهمنا رشدنا، ووفقنا في أعمالنا، يا رب العالمين.
هذا وصلوا وسلموا على الرسول الأكرم، والنبي الأعظم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي