إنَّ صفوةَ الخَلْقِ ولُبابَ بني آدم، هم أولو البصائر النافذة، الذين عرفوا الحقَّ بدلائله، فأبصَرُوه على حقيقته، وهؤلاء هم الذين يَثبتون إذا تواردت الشُّبُهاتُ أو لَاحَتْ، وعرَضَتْ لهم الشَّهواتُ أو شَاعَتْ؛ لِمَا عندهم من اليقين الثابت الكامل الذي لا يتزعزعون معه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-؛ فتقوى الله نور وهدى، ونجاة وفوز وفَلَاح، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الْأَنْفَالِ: 29].
أيها المسلمون: من المعلوم لدى كل مؤمن ذي بصيرة، أن هناك فَرْقًا بين البصر والبصيرة، فالبصر يُرِي ظاهرَ الأشياء، والبصيرة تُرِي حقائقَ الأشياء؛ ذلكم -عبادَ اللهِ- أن البصر هو الرؤية والمشاهَدة من خلال حاسَّة العين التي يُبصر بها الإنسانُ، لكن البصيرة نور يقذفه اللهُ في القلب، يُهتدى به، فيعرف الإنسانُ به ربَّه معرفةً صحيحةً، ويفرِّق به بين الحق والباطل، ويعرف به طريق الحق وسبيل الرشاد، والدار التي يصير الناسُ إليها، وهذا هو الفارق الحقيقي بينَهما، فالبصيرة لا يمتلكها إلا المؤمنُ، أمَّا غيرُّه فهو فاقدٌ لها؛ إذ تشتبه عليه الأمورُ، فلا يمتلك القدرةَ على أن يميِّز بين حقائق الأشياء، أو يدرك كنهَها، ويعرف جوهرها.
أيها المسلمون: حاسَّةُ البصرِ نعمةٌ يجب على العبد حفظُها وصيانتُها عن الشر، وقد جاءت الأوامر الشرعية حاثَّةً على غضِّ الأبصارِ عما حرَّم البصيرُ الخبيرُ، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)[النُّورِ: 30-31]، وقد أوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيًّا -رضي الله عنه- بقوله: "يا عليُّ، لا تُتبِعِ النظرةَ النظرةَ؛ فإن لكَ الأولى وليست لكَ الآخرةُ" (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي).
وحفظُ البصرِ وغضُّه عمَّا حرَّم اللهُ يُورِثُ القلبَ البصيرةَ والفراسةَ الصادقةَ، قال أحد السلف: "مَنْ غضَّ بصرَه عن المحارم، وأمسَكَ نفسَه عن الشهوات، وعَمَرَ باطنَه بدوام المراقبة، وظاهِرَه باتباعِ السُّنَّةِ، وعوَّد نفسَه أكلَ الحلالِ لم تُخطِئْ له فِرَاسَةٌ"؛ ولذلك يقولون: "إن الإنسان إذا فُتِنَ بالنظر عَمِيَتْ بصيرةُ القلبِ"، وقد ذكَر اللهُ -سبحانه- قصةَ قوم لوط وما ابتُلُوا به، ثم قال بعد ذلك: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[الْحِجْرِ: 75]، وهم المتفرِّسون الذين سَلِمُوا من النظر المحرَّم والفاحشة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "واللهُ -تعالى- يجزِي العبدَ على عمله بما هو من جنس عمله، فغضُّ بصرِه عمَّا حرَّم يعوِّضُه اللهُ عليه من جنسه، بما هو خيرٌ منه؛ فيُطلق نورَ بصيرته، ويفتح عليه بابَ العمل والمعرفة.
معاشرَ المسلمينَ: كم من ذي عينين باصرتين لكنه ذو قلب مظلِم أعمى، لم يُفده بصره؛ إذ لا بصيرة له، وكم من كفيف سُلِبَ نورَ عينيه لكنه صاحبُ بصيرةٍ نافذةٍ، فلم يضرَّه فقدُ بصرِه؛ إذ عوَّضَه اللهُ عن ذلك ومنَّ عليه بنورِ قلبِه، فابنُ عباس -رضي الله عنهما- بعدما ذهَب بصرُه كان يقول: "إِنْ يأخذِ اللهُ من عينيَّ نورَهما، ففي لسانِي وقلبِي منهما نورٌ".
إنَّ فقدَ البصرِ ابتلاءٌ من الله للعبد ولا شكَّ، لكنه موعود بوَعْد حَسَنٍ، متى صبَر على هذا الابتلاء، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله -عز وجل-: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه ثم صَبَرَ عوضتُه منهما الجنةَ" يريد عينيه. (رواه البخاري).
وليست المصيبةُ فقدَ البصرِ، ولكن المصيبة فقد البصيرة، قال تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الْحَجِّ: 46]، فالعمى الحقيقي عمى البصيرة، وأعمى البصيرة تراه مُعرِضًا عن ذكرِ اللهِ وعن طاعته، فما أشدَّ جزاءه، كما قال سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124]، ومن دونِ البصيرةِ لا يكون للمرء قدرٌ ولا قيمةٌ، قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا)[الْأَعْرَافِ: 179]، بل الإنسان من غير بصيرة يعيش في هذه الدنيا مُتَخَبِّطًا، كالأعمى الذي يسير في طريق لا يهتدي فيها ولا يعرف كيف يتجه، قال تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الْمُلْكِ: 22].
معاشرَ المسلمينَ: وللبصيرة ثلاث درجات، مَنِ استكملها فقد استكمل البصيرةَ؛ بصيرة في الأسماء والصفات، وبصيرة في الأمر والنهي، وبصيرة في الوعد والوعيد.
أمَّا البصيرةُ في الأسماء والصفات فهي أن يعرف العبدُ ربَّه معرفةً صحيحةً بأسمائه وصفاته، وهذا يجعله يبقى على منهج الله المستقيم؛ فربُّه الذي تمت كلماتُه صِدْقًا وَعَدْلًا، وجلَّت صفاتُه أن تقاس بصفات خلقه شَبَهًا وَمِثْلًا، وتعالت ذاتُه أن تُشبه شيئًا من الذوات أصلًا، ووسعت الخليقةَ أفعالُه عدلًا وحكمةً ورحمةً وإحسانًا وفضلًا، له الخلقُ والأمرُ، وله النعمةُ والفضلُ، وله الملكُ والحمدُ، وله الثناءُ والمجدُ، أَوَّلٌ ليس قبلَه شيءٌ، آخِرٌ ليس بعدَه شيءٌ، ظاهرٌ ليس فوقَه شيءٌ، باطنٌ ليس دونَه شيءٌ، أسماؤُه كلُّها أسماءُ مدحٍ وحمدٍ وثناءٍ وتمجيدٍ، وصفاتُه كلُّها صفاتُ كمالٍ، ونعوتُه كلُّها نعوتُ جلالٍ، أفعاله كلها حكمة ورحمة، ومصلحةٍ وعدلٍ، كلُّ شيء من مخلوقاته دالٌّ عليه، مرشِدٌ لمن رآه بعينِ البصيرةِ إليه، فإذا عرَف العابدُ ربَّه خافَه ورَجَاه، وعبَدَه وعظَّمَه، ولم يتعاظم المخلوق فيصير في حال يراقبه أعظم من مراقبته لله -تبارك وتعالى-، أو يخاف منه أعظمَ من خوفه من ربه -عز وجل-، وكثيرٌ من العِلَل والأدواء والآفات التي تعتور السالكينَ إلى الله -عز وجل- إنما يكون ذلك بسبب أنهم ما عَرَفُوا اللهَ المعرفةَ اللائقةَ بعظمته وجلاله، فاجترؤوا عليه، وصاروا يتعاملون معه تعامُلًا قَاصِرًا.
وأمَّا البصيرةُ في الأمر والنهي فبها يَعرف مرادَ الله -عز وجل-، ويَعرف حدودَه ويلزمها، وهذا الذي يُورثه لزومَ الصراطِ المستقيمِ والتقوى، ويكون العبدُ بهذا محقِّقًا للعبودية لله، ولا يكون في قلبه أدنى معارَضة لأمرِ اللهِ وشرعِه ونهيِه، وهكذا في أقضيته وأقداره، فيكون العبد في حالٍ مِنَ التسليمِ للأمر الشرعي، وللأمر القدريِّ الكونيِّ القضائيِّ.
وأمَّا البصيرة في الوعد والوعيد: فهي أن يشهد العبدُ قيامَ الله على كل نفس بما كسبت في الخير والشر عاجِلًا وآجِلًا، في دار العمل ودار الجزاء، وأن ذلك هو موجِب إلاهيته وربوبيته، فهو يتصوَّر الدارَ الآخرةَ بتفاصيلها التي أخبرنا اللهُ -تعالى- عنها، كأنه يشاهدها ويراها، فيعمل بمقتضى هذا العلم وهذه البصيرة التي صارت في قلبه فأضاءت له الطريقَ وعرف ما هو مُقدِم عليه، فصار يعمل لذلك اليوم ويستعدُّ للقاء ربه عز وجل.
عبادَ اللهِ: إن البصيرة الإيمانية تغيِّر كيانَ العبدِ وحياتَه، يقول الله -سبحانه-: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)[الزُّمَرِ: 22]، ويقول سبحانه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا)[الْأَنْعَامِ: 122].
إنَّ مَنْ رُزِقَ البصيرةَ الإيمانيةَ -إخوةَ الإيمانِ- عاش حياةً سعيدةً، واثِقًا بالله، واثقا بنصره، واثقا برحمته، واثقا بتوفيقه، واثقا بعدالته، همُّه أن يكون على منهج الله المستقيم، وصراطه القويم، وقد أشاد اللهُ ببعض عبادِه من صفوة خلقه، ممن أُوتوا البصيرةَ وعاشوا حياتَهم عليها، فقال عز من قائل: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)[ص: 45]، أي البصائر في دين الله -عز وجل-، فبها يُدْرَكُ الحقُّ ويُعْرَفُ.
أقول هذا القولَ، وأستغفر اللهَ الجليلَ لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أنار بالإيمان قلوبَ أوليائه، وكشَف بالتقوى بصائرَ أصفيائه، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا أيها المسلمون: إن صفوة الخَلْق ولُباب بني آدم، هم أولو البصائر النافذة، الذين عرفوا الحقَّ بدلائله، فأبصَرُوه على حقيقته، وهؤلاء هم الذين يَثبتون إذا تواردت الشُّبُهاتُ أو لَاحَتْ، وعرَضَتْ لهم الشَّهواتُ أو شَاعَتْ؛ لِمَا عندهم من اليقين الثابت الكامل الذي لا يتزعزعون معه، حينما تَرِدُ مثلُ هذه الأمور التي تعصف بكثير من الناس، وأمَّا مَنْ فَقَدَ البصيرةَ فإنه يجد الحقَّ أمامَه فلا يتبعه، ولا يعمل به، بل يُسارِع في اتباع الباطل، ويتفانى في القيام به، والدعوة إليه ليلًا ونهارًا، ولا عَجَبَ في ذلك، فقد انفرط عليه أمره، واختلطت عليه الأحوال، فأصبح لا يُدرك المصالحَ من المفاسد، ولا يُمَيِّزُ بين الطَّيِّب والخبيثِ، وهو لا يحتكم إلى شرع الله، بل تتحكم فيه عواطفُه وشهواتُه، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)[الْجَاثِيَةِ: 23].
عبادَ اللهِ: إنَّ التذكيرَ بأهمية البصيرة في الدين من الأمور التي تمسُّ إليها الحاجةُ، خاصة عند كثرة الفتن وشدة المحن، فكم زَلَّتْ أقدامُ قومٍ بعد أن كانوا على الجادَّة؛ ففقدوا الثباتَ وكم تقلَّب أقوامٌ في ألوان الشُّبُهات والشهوات ولم يستبصروا سبيلَ الخروجِ من تلك الآفات؛ لذا كان لزامًا على كل مَنْ أراد الخيرَ لنفسه والنجاةَ أن يسعى في تحصيل أسبابِ البصيرةِ والابتعاد عما يؤدِّي إلى فَقْدِها، وأعظمُ أسبابِ تحصيلِ البصيرةِ:
تقوى الله -تعالى- في السر والعلانية، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)[الْأَنْفَالِ: 29]، فإنَّ مَنِ اتقى اللهَ وُفِّقَ لمعرفةِ الحقِّ من الباطل، فكان ذلك سببَ نصرِه ونجاتِه، ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه.
وضد التقوى ارتكاب الذنوب، والجرأة على الله -تعالى-، ومبارزته بالمعصية، وعدم الحياء منه -جَلَّ وَعَزّ-، فهذا من أعظم أسباب طمس البصيرة.
ومن أسباب اكتساب البصيرة: المداوَمة على ذِكْرِ اللهِ -عز وجل-؛ فالذكر يُورِثُ حياةَ القلبِ، وأشرفُ الذِّكْرِ تلاوةُ القرآنِ، وفهمه وتدبره، وبحسب نصيبِ المرءِ من القرآن يكون نصيبُه من نور البصيرة.
ومن أسباب انطماس البصيرة: الغفلة عن ذِكْرِ اللهِ؛ فإنها مؤدِّية إلى انفراطِ الأمرِ، كما قال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الْكَهْفِ: 28].
ومن أسباب استجلاب البصيرة: الغيرة على محارم الله أن تُنتهك، وعلى دينه وشرعه أن تُتعدى حدوده، وعدم الغضب والغيرة على حقوق الله إذا ضُيِّعَتْ، ومحارمه إذا انتُهكت يُعمي عينَ البصيرةِ، وفوقَ كل تلك الأسباب السالفة توفيق الله للعبد، وإلهامه إيَّاه رُشْدَهُ، وهدايته، وقذف نور الحق في قلبه، فذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاء؛ وَمِنْ ثَمَّ كان سؤالُ اللهِ البصيرةَ والهدى والتُّقَى ودعاؤه بالتثبيت واللَّهَج بذلك من أعظم أسباب تحصيل البصيرة والهداية للحق.
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على النبي المصطفي، والرسول المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم -جل وعلا-، فقال تعالى قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على آل محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين يا رب العالمين، وانصر عبادك الموحدين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم احفظ بلاد الحرمين، ومقدسات المسلمين، من شر الأشرار وكيد الفجار، ومن عبث العابثين، وكيد الكائدين، وعدوان المعتدين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّورِ، وأصلح الأئمةَ وولاةَ الأمورِ، واجعل ولايتَنا فيمن خافَكَ واتَّقَاكَ، واتبع رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وَفِّقْ وليَّ أمرنا لِمَا تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن لإخواننا المستضعفين والمجاهدين في سبيلك والمرابطين على الثغور، وحماة الحدود، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم ارزقنا البصيرة في الدين واجعلنا من عبادك المتقين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي