السحر وخطره

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
عناصر الخطبة
  1. حقيقة السحر وخطره على العقيدة .
  2. تحريم السحر وأدلته .
  3. علامات يعرف بها الساحر .
  4. الوقاية من السحر وعلاجه. .

اقتباس

لقد حرم الإسلام السحر وتعلمه وتعاطيه وإتيان السحرة، وجعله ناقضا من نواقض التوحيد، لما ينتج عنه من ضياع لحق الله، وصرف العبادة لغير الله، والمساواة بين الخالق والمخلوق، بما يعتقده الشخص في الساحر، من القدرة...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: فــإن أعظم ما ينفع العباد من العلوم، ما يتعلق بتوحيد الله -تعالى-، والإيمان به، قال الله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)[محمد:19]؛ وذلك أن توحيد الله -تعالى- والإيمان به -سبحانه- حصن حصين للإنسان من الوقوع في شباك الزيغ، ومضلات الهوى، ومعين على السير على طريق الخير حتى مغادرة الدنيا؛ فإن الإنسان إذا عاش محاسبا لنفسه، ومدركا للمخاطر من حوله؛ ليجنبها الوقوع في تلك المهلكات، وما أكثرها.

أيها الأحبة: إن من أعظم المهلكات العقدية التي قد يتعرض لها الإنسان ويقع فيها؛ السحر، والذي يمثِّل إحدى الموبقات السبع التي ذكرها وبين خطرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اجتنبوا السبع الموبقات", قالوا: يا رسول الله وما هن؟, قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا, وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"(متفق عليه).

والسحر: عزائم ورقى وكلام يُتكلم به، وأدوية وغير ذلك، تسبب مرضا في الأبدان والقلوب، وقد تقتل وتسبب فرقة بين المرء وزوجه، قال -تعالى-: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة:102].

وهو كفر وشرك مناف للتوحيد بنص القرآن والسنة، قال -تعالى-: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)[البقرة: 102], قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم"(أحمد).

وإتيان الساحر وتصديقه اعتراف له بأن له القدرة على فعل شيء مما لا يجوز أن ينسب إلى بشر؛ لأن ذلك مما لا يقدر عليه إلا الخالق -سبحانه-، وفيه ركون عليه في الأمور التي يطلبها منه وغيرها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلق شيئا وكل إليه"(أحمد)، كما أن في إتيانه  تصديقًا له في ادعاء أمور هي من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وقد قال -تعالى-: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النمل:65].

أيها الناس: لقد كثرت الشركيات وانتشرت عندما ضعف الإيمان، وهُجر التوحيد, إضافة إلى التوسع في أمور الحياة إعلامًا وسفرًا؛ فارتكب الناس كثيرا من الأمور المخلة بالعقيدة، واستشرت وانتشرت حتى عمَّت وطمَّت، ومن أبرزها وأوضحها إتيان السحرة, خاصةً في زماننا حيث ساعدت الفضائيات على إظهار السحرة للناس, وسهولة تواصلهم واتصالهم بهم, فما أكثر من يتصل بهم ويتواصل معهم, ويستعين بهم وبضلالهم على ما يرجوه, فلا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الأحبة: لقد وقف الإسلام من السحر موقفا حاسما؛ فسدّ كل طريق يؤدي إليه، وحرّم تعلمه وتعليمه وممارسته، وإتيان السحرة، منعا لضرره، وحسما لمادة الخرافة أن تتسلل إلى عقول المسلمين فتعطلها عن التفكير الصحيح، والتخطيط القائم على قانون الأسباب والمسببات الذي قام عليه نظام الكون, بل جعل الإسلام السحر ناقضا من نواقض التوحيد؛ لما ينتج عنه من ضياع لحق الله، وصرف العبادة لغير الله، والمساواة بين الخالق والمخلوق، بما يعتقده الشخص في الساحر، من القدرة على كشف المغيبات، والنفع والضر، ولما يفسده السحر في حقوق الآدميين فكم قتل السحر من أناس، وأمرض آخرين، وأذهب بعقولهم، وفرق بين زوج وزوجته، وسبب العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة، وأفسد من أخلاق, وهذا كله فساد وظلم وعدوان، قال -تعالى-: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)[طه:69]، قال ابن قدامة --رحمه الله-: "فإن تعلُم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم"(المغني)، وقال الإمام النووي- رحمه الله-: "وأما تعلمه -أي السحر- وتعليمه فحرام"(المنهاج).

ويقول الشيخ السعدي -يرحمه الله-: "السحر يدخل في الشرك من جهتين: من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلُّق بهم، وربّما تقرّب إليهم بما يحبون؛ ليقوموا بخدمته، ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه، وسلوك الطرق المفْضية إلى ذلك، وذلك من شُعَب الشرك والكفر".

ومن الأدلة على تحريم السحر قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[البقرة:102]؛ أي: قد علم اليهود أن من رضي بالسحر عوضًا عن شرع الله ما له في الآخرة من حظ ولا نصيب؛ لأنه باع دينه بدنياه، وهذا من أبلغ الوعيد، إذ الآية الكريمة دالة على تحريمه، وفي قوله -تعالى-: (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)، قال عمر -رضي الله عنه-: "الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان, وقد ذم الله -سبحانه- في الآية اليهود الذين يصدِّقون بالجبت الذي منه السحر".

والسحر من الموبقات الكبائر كما في الحديث السابق: "اجتنبوا السبع الموبقات"، وذكر منها: "السحر", والسحر يجمع بين الاعتداء على النفس والمال والعرض، فضلاً عن اعتدائه على حق الله بإشراك غيره معه، ولسوء ما يقع فيه الساحر، ومن أتاه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ وَلا تُطُيِّرَ لَهُ، أو تَكَهَّنَ وَلا تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ"(الطبراني).

أيها الموحدون: إن للساحر علامات يعرف بها، والتعرف عليها قد يقي من الوقوع في شراكهم المنكرة؛ فمن وجدت فيه علامةٌ واحدة فهو ساحر, ومنها ما يأتي:

سؤال الساحر من يأتيه عن اسمه واسم أمه، ولربما حدثه بذلك قبل أن يخبره.

ومن العلامات: أن يتمتم الساحر بكلمات غير مفهومة، وألفاظ مجهولة، ولربما يأتي بطلاسم وعبارات غامضة.

وكذا: أن يطلب ممن يأتيه أن يأتي بملابس خاصة، أو بعض ما يتعلق بمن يريد أن يلحق به الضرر.

ومنها كذلك: إعطاء المريض أوراقاً يضعها في مكان ما، أو يحرقها ويتبخر بها.

ومن علامات الساحر: إعطاء المريض شيئا من الملبوسات والعلائق.

ومن ذلك: أن يطلب منه ذبح حيوان أو طائر، وصب دمائه في أماكن معينة، وبطريقة خاصة، كل ذلك مع عدم ذكر اسم الله.

ومنها: أن يكتب للمريض أوراقاً بها كتابات غير مرتبة وغريبة أو حروفاً مقطعة أو أعداداً وأشكالاً مختلفة.

أن يحدث المريض بأمور خاصة من تفاصيل حياته.

ومنها: أن يطلب من المريض إحضار شيء من أموره الخاصة كالأظافر والشعر، والثياب الخفيفة.

أيها المؤمنون: علينا أن نحذر من خداع هؤلاء السحرة الدجالين, فبعضهم قد يقرأ آياتٍ من القرآن, أو يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ خداعاً للجهلة, ثم يتبع ذلك بطلاسم السحر والشعوذة.

أيها المؤمنون: وبناء على ما سبق فإنه يحرم الذهاب إلى هؤلاء السحرة والدجالين وتصديقهم، فما أفعالهم ولا كلامهم إلا دجلٌ ورجمٌ بالغيب، واستعانةٌ محرمةٌ بغير الله -تعالى-، تقود إلى الكفر والضلال، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرَّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"(رواه أحمد)، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر ما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-"(مسلم).

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

عباد الله:  فإن أنفع علاجات السحر والوقاية منه، الأدوية الإِلهية؛ فهي أدويته النافعة والناجعة؛ إذ السحر من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات، التي تبطل فعلها وتأثيرها.

وقد علمنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- التحصُّن بالأوراد الشرعية والأدعية النبوية، ومنها:

قراءة المعوذات ثلاث مرات في الصباح والمساء وعند النوم، وكذلك قراءة آية الكرسي في الصباح والمساء، وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"(البخاري)؛ أي: كفتاه من كل شر، وقول: "باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاث مرات في الصباح والمساء  (أبو داود)، وقول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"(ثلاثا) في الصباح والمساء (أبوداود)، وقول: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة"(البخاري)، و"أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق، وذرأ، وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر طوارق الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان"(النسائي).

ومن سبل الوقاية من السحر: الدعاء الدائم بالحفظ والستر من سائر الشرور، وبالأخص في الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء، كثلث الليل الآخر، وفي حال السجود، ودبر الصلوات، وحال تنزل المطر، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ودعاء الوالدين، والمسافر، وكل ذلك وردت فيه نصوص شرعية تحث عليه.

ومنها: أكل سبع تمرات من تمر العجوة على الريق صباحًا، لقوله -صلى الله عليه وسلم: "من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر"(متفق عليه).

أيها المؤمنون: من أصيب بالسحر ليس له أن يتداوى بالسحر؛ فإن الشر لا يزال بالشر والكفر لا يزال بالكفر، وإنما يزال الشر بالخير، فيعالج بالقرآن الكريم والأدوية المباحة والرقية المشروعة فهذا لا بأس به, وأما بالسحر فلا يجوز كما تقدم؛ لأن السحر عبادة للشياطين؛ فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين, وبعد خدمته لهم, وتقربه إليهم بما يريدون, وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر, لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية, بالأدوية المباحة, كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء, والشفاء بيد الله منى أراد.

ويكون العلاج كما قال ابن باز -رحمه الله-: "ومن علاج السحر بعد وقوعه -وهو علاج نافع- أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصــب عليها من المـاء ما يكفيـه للغسل ويقرأ فيه آية الكرسي، و(قل يا أيها الكافرون)، و(قل هو الله أحد)، و(قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعـــوذ برب الناس) وآيات السحــــر التي في سورة الأعـــــراف وهي قوله -سبحانه-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ)[الأعراف: 117 - 119]"، وغيرها.

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي