أنذرتكم النار

صلاح بن محمد البدير
عناصر الخطبة
  1. الحكمة من خلق الخلق والعقاب الأخروي .
  2. التخويف النبوي من النار .
  3. وصف أنواع عذاب أهل النار .
  4. عِظَم خلق النار .
  5. بكاء أهل النار .
  6. تخاصم أهل النار وأصدقاء السوء .
  7. مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم في إنقاذهم من النار .

اقتباس

خَلَق الله الخَلْق ليعبدوه، ونصب لهم الأدلة على عظمته ليخافوه، ووصف لهم شدَّة عذابه ودار عقابه؛ ليكون ذلك قامعًا للنفوس عن غيِّها وفسادها، وباعثًا لها إلى فلاحها ورشادها؛ فاحذروا ما حذَّركم، وارهبوا ما رهَّبكم من النار التي ذكر في كتابه وصفها، وجاء على لسان نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم– نعتها، دارٌ اشتدَّ غيظها وزفيرها، وتفاقمت فظاعتها وحمي سعيرها، سوداء مظلمة، شعثاء موحشة، دهماء محرقة...

 

 

 

 

الحمد لله ذي العزِّ المجيد والبطش الشديد، المنتقم ممَّن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، المُكرِم مَنْ خافه واتَّقاه بدارٍ فيها من كل خيرٍ مزيد: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46]

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أهلُ الحمد والثَّناء والتَّمجيد، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى التوحيد، المحذر لمن عصا بنار تلظى بدوام الوقيد، المبشر من أطاع بدار لا ينفد نعيمها ولا يبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا لا يزالان على كدِّ الجديدين في تجديد.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حقَّ تقاته، وبادروا بالسَّعي إلى مرضاته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 –71].

أيها المسلمون: خَلَق الله الخَلْق ليعبدوه، ونصب لهم الأدلة على عظمته ليخافوه، ووصف لهم شدَّة عذابه ودار عقابه؛ ليكون ذلك قامعًا للنفوس عن غيِّها وفسادها، وباعثًا لها إلى فلاحها ورشادها؛ فاحذروا ما حذَّركم، وارهبوا ما رهَّبكم من النار التي ذكر في كتابه وصفها، وجاء على لسان نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم– نعتها، دارٌ اشتدَّ غيظها وزفيرها، وتفاقمت فظاعتها وحمي سعيرها، سوداء مظلمة، شعثاء موحشة، دهماء محرقة: (لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر: 28 –30]، لا يطفأ لهبها، ولا يخمد جمرها. دارٌ خُصَّ أهلها بالبعاد، وحُرموا لذَّة المُنى والإسعاد: (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ) [ص: 56].

قَطع ذكرها -بطبقاتها ودركاتها وأبوابها وسرادقها- قلوبَ الخائفين؛ فتوكَّفت العبرات، وترادفت الزَّفرات، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لو رأيتُم ما رأيتُ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"، قالوا: وما رأيتَ يا رسول الله؟! قال: "رأيتُ الجنة والنار". رواه مسلم.

ويقول النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ويقول: "أنذرتكم النار، أنذرتكم النار"، حتى وقعت خميصةٌ كانت على عاتقه عند رِجْلَيْه. رواه أحمد. وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار"، ثم قال -وهو يبكي، ودموعه قد بلَّت جانبي لحيته-: "والذي نفس محمدٍ بيده لو تعلمون ما أعلم من أمر الآخرة، لمشيتم إلى الصعيد، ولحَثَيْتم على رؤوسكم التراب". أخرجه أبو يعلى.

أيها المسلمون: الجنة أقرب إلى أحدكم من شِراك نعله، والنار مثل ذلك، وناركم هذه التي توقدون جزءٌ واحدٍ من سبعين جزءًا من نار جهنم، فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلها مثل حرِّها، وإنَّ ما تجدون من حرِّ الصيف وهجير القيظ نَفَسٌ من أنفاسها، يذكِّركم بها؛ ففي البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اشتكتِ النارُ إلى ربِّها، فقالت: يا ربِّ: أكل بعضي بعضًا، فأذِن لها بنَفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف، فأشدُّ ما تجدون من الحرِّ، وأشد ما تجدون من الزَّمهرير، وإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيْح جهنم".

يؤتَى بجهنَّم يوم القيامة تُقاد، لها سبعون ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف مَلَك يجرُّونها، يؤتَى بها تُفصح عن شدِّة الغيظ والغضب، ويوقن المجرمون حين رؤيتها بالعَطَب، وتجثو الأمم حينئذٍ على الرُّكَب، ويتذكَّر الإنسان سعيه وأنى له الذكرى: (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر 24 -26]. قعرها وعمقها سبعون خريفًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سمع وجبة: "هذا حجرٌ رُمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها". أخرجه مسلم.

ويُنصب الصراط على متن جهنم بفظاظتها وفظاعتها، وقصف أمواجها وجلبة فورانها، دَحْضٌ مَذَلَّةٌ، فيه خطاطيف وكلاليب وحَسَك، فيمر المؤمنون على قدر أعمالهم كطرف العين، وكالبرق، وكالرِّيح، وكالطَّيْر، وكأجاويد الخيل والرِّكاب، فناجٍ مسلَّم، ومخدوشٌ مرسَل، ومكدوسٌ في نار جهنم، منهم مَنْ تأخذه النار إلى كعبَيْه، ومنهم مَنْ تأخذه إلى ركبتَيْه، ومنهم مَنْ تأخذه إلى حُجْزته، ومنهم مَنْ تأخذه النار إلى تَرْقُوَتِه.

يُساق أهلها إليها نَصِبون وَجِلُون، يُدَعُّون إليها دَعًّا، ويُدفعون إليها دفعًا: (يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) [غافر: 71 -72]، النار تغلي بهم كغلي القُدور: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ) [الملك: 7]، يستغيثون من الجوع فيغاثون بأخبث طعامٍ أُعدَّ لأهل المعاصي والآثام: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدخان: 43 – 46]. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن قطرةً من الزَّقُّوم قُطِرَتْ في الأرض لأمرَّت على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمَنْ هو طعامه وليس له طعامٌ غيره؟!". رواه أحمد.

ويُغاثون بطعامٍ من ضريعٍ، لا يُسمن ولا يُغني من جوع، شوكٍ يأخذ بهم، لا يدخل في أجوافهم ولا يخرج من حلوقهم، ويغاثون من غِسْلِين أهل النار، وهو صديدهم ودمهم الذي يسيل من لحومهم، فإذا انقطعت أعناقهم عطشًا وظمأ سُقُوا من عينٍ آنية، قد آن حرُّها واشتدَّ لَفْحها، وأُغيثوا بحميمٍ يقطِّع منهم أمعاءً طالما ولعت بأكل الحرام، ويضعضع منهم أعضاءً طالما أسرعت إلى اكتساب الآثام، ويشوي منهم وجوهًا طالما توجَّهت إلى معصية الملك العلاَّم: (بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 29].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الحميم ليصبُّ على رؤوسهم، فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، ثم يُعاد كما كان". رواه أحمد والتِّرمذي. وإن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المِرْجَل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا.

يعانون في جهنم ما بين مقطعات النيران وسرابيل القطران ما يقطِّع الأكباد، ولا تطيقه الجبال الصُّمُّ الصِّلاب الشِّداد، يتجلجلون في مضائقها، ويتحطَّمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها، مُقرَّنين في الأصفاد، أثقلتهم السلاسل والأغلال والقيود، قد شُدَّت أقدامهم إلى النواصي، واسودَّت وجوههم من ذلِّ المعاصي، لهم فيها بالويل ضجيج، وبالخلاص عجيج، أمانيهم الهلاك، وما لهم من أسر جهنم فكاك: (وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج: 21 –22]، وتُؤصد عليهم الأبواب، ويعظم هناك الخطب والمصاب: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر: 44].

ويُلقى عليهم البكاء والحزن، فيصيحون بُكِيًّا من شدَّة العذاب، وهم في فجاجها وشعوبها وأوديتها يهيمون: (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) [الزخرف: 77]، فحزنهم دائمٌ فما يفرحون، ومقامهم محتومٌ فما يبرحون.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل النار ليبكون، حتى لو أجريت السُّفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم". يعني مكان الدمع. أخرجه الحاكم.

يبكون على ضياع الحياة بلا زاد، يبكون على ضياع الحياة بلا زاد، وكلما جاءهم البكاء زاد، فيا حسرتهم لغضب الخالق، ويا فضيحتهم بين الخلائق، وينادون ويصطرخون: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر: 37]، (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) [إبراهيم: 44]، (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) [السجدة: 12]، (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون: 106- 107].

ينادون إلهًا طالما خالفوا أمره وانتهكوا حدوده وعادَوْا أولياءه، ينادون إلهًا حقَّ عليهم في الآجلة حكمه، ونزل بهم سخطه وعذابه: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: 108]، لا يرحم باكيهم، ولا يُجاب داعيهم، قد فاتهم مرادهم، وأحاطت بهم ذنوبهم، ولا يزالون في رجاء الفرج والمخرج حتى ينادي منادٍ: "يا أهل الجنة: خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار: خلودٌ فلا موت".

نارٌ لا تُطفأ، ونَفْسٌ لا تموت: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) [فاطر: 36]، (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى) [طه: 74]، ويتلاومون ويتلاعنون ويتقابلون ويتكاذبون: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) [الأعراف: 38]، يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضًا، ويشتدُّ حنقهم على مَنْ أوقعهم في الضَّلال والرَّدى، ومد لهم في الغيِّ مدًّا، يقولون: (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت: 29].

ويقول مَنْ عشي عن ذكر الرحمن لقرينه الذي صدَّه عن القرآن وزيَّن له العصيان: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف: 38]، ولن ينفعهم ذلك؛ لأنهم في العذاب مشتركون، ولكلٍّ ضعفٌ ولكن لا يعلمون. جعلني الله وإياكم من عتقائه من النار.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

  

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته: (اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

أيها المسلمون: تلك بعض أوصاف النار وأحوال أهلها؛ فاستعيذوا بالله من النار، استعيذوا بالله من النار، استعيذوا بالله من النار، ومن قولٍ أو فعلٍ يقرِّب إلى النار؛ فإنكم اليوم في عصر فتنٍ تَتْرى وشرورٍ تتوالى، فتن شبهاتٍ وشهوات، يرقِّق بعضها بعضًا، قد ثار نقعها وآلم وقعها في حياة صاخبة، تأخذ كل مَنِ استشرف إليها إلى الوراء في عقيدته وأخلاقه، وترجعه القهقرى في فكره وسلوكه، والنبي -صلى الله عليه وسلم– يقول: "إن مما أخشى عليكم شهوات الغيِّ في بطونكم وفروجكم، ومُضلاَّت الهوى". رواه أحمد.

فاقطعوا مفاوز المكاره، وأقلقوا القلوب عن مراقد غفلاتها، واعدلوا بالنفوس عن موارد شهواتها، واحكموا بكتاب الله وسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، واعلموا أنكم في أيام مهلٍ، من ورائها أجلٌ يحثُّه عَجَلٌ، مَنْ لم ينفعه حاضره فعازبه عنه أَعْوَز، وغائبه عنه أَعْجَز، وإنه لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رِقَّ أَمْلَك من الشَّهوة، ولا مصيبة كموت القلب، ولا نذير أبلغ من الشَّيْب، ولا مصير أسوأ من النار: (وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 31 –37]، فأنقذوا أنفسكم من النار، واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، واقتفوا آثار التوابين واسلكوا مسالك الأوابين؛ فهذا أوان الرجوع والاستغفار، والإقلاع عن الذنوب والأوزار.

يا عبد الله، يا من تعدى الحدود، وغاب عن الصواب: بادر بالمتاب واغسل دنس الذنوب، وأنقذ نفسك من النار؛ عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة". أخرجه البخاري.

أيها المسلمون: أنقذوا أنفسكم وأزواجكم وأولادكم ومن تحت ولايتكم من النار، واعلموا أن إضاعة الصلوات والتشبه بالكافرين والكافرات، والفاجرين والفاجرات، والنظر إلى المحرمات، والتبرج والسفور، وشرب الخمور، كلها من عمل أهل النار، وكل معصية لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهي من عمل أهل النار، فاتقوا النار: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء: 14].

ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبِّحة بقُدُسه، وأيَّه بكم -أيها المؤمنون- من جِنِّه وإنْسِه، فقال قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم على خير البرية، وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المتبعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، ودمر الطغاة والمعتدين، وانشر الأمن والرخاء والاستقرار في جميع بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود.

اللهم أدم على بلاد الحرمين الشريفين أمنها ورخاءها وعزها واستقرارها، ووفق قادتها لما فيه عز الإسلام والمسلمين، وخدمة الحجاج والزوار والمعتمرين.

اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح له بطانته يا رب العالمين.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، والتبرج والسفور والاختلاط يا رب العالمين.

اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وفكَّ أسرانا، وعافِ مُبتلانا، وانصرنا على مَنْ عادانا.

اللهم تُبْ على مَنْ تاب، اللهم تُبْ على مَنْ تاب، واقبل مَنْ رجع وأناب، ووفِّقنا لتوبةٍ صادقةٍ قبل يوم الحساب.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكم، ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

  

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي