صلاح الأبناء

محمد بن محمد المختار الشنقيطي
عناصر الخطبة
  1. الولد الصالح زينة من زينة الحياة الدنيا .
  2. الأنبياء يسألون الله صلاح ذرياتهم .
  3. دور القدوة الصالحة للأب في صلاح الأبناء .
  4. دور الموعظة والتربية في صلاح الأبناء .
  5. ثمرات صلاح الأولاد .
  6. واجبات على الأب تجاه ابنه وابنته .

اقتباس

الولد الصالح بهجة الحياة، وسرورها، وأنسها، وفرحتها، تحبه ويحبك، توده، ويودك، وتأمره فيطيعك ويبرّك، الولد الصالح يفتقر أول ما يفتقر إلى دعوة صالحةٍ تهديه إلى الله، يحتاج أول ما يحتاج إلى صالح الدعوات إلى الله فاطر الأرض والسموات، مصلح الأبناء والبنات، قال الله عن عبده الخليل -عليه من الله الصلاة والسلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)...

 

 

 

 

أما بعد: 

فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

عباد الله: صلاح الأبناء والبنات أمنية الآباء والأمهات، يا لها من نعمةٍ عظيمةٍ، يا لها من منةٍ جليلة كريمةٍ، يوم تمسي وتصبح، وقد أقرّ الله عينيك بالذرية الصالحة، ذرية تخاف الله، ذرية تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة.

الولد الصالح بهجة الحياة، وسرورها، وأنسها، وفرحتها، تحبه ويحبك، توده، ويودك، وتأمره فيطيعك ويبرّك، الولد الصالح يفتقر أول ما يفتقر إلى دعوة صالحةٍ تهديه إلى الله، يحتاج أول ما يحتاج إلى صالح الدعوات إلى الله فاطر الأرض والسموات، مصلح الأبناء والبنات، قال الله عن عبده الخليل -عليه من الله الصلاة والسلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40]، وقال الله عن نبيه زكريا: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 8]، قل كما قال الأخيار، وصفوة عباد الله الأبرار: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:74].

علم الأخيار أنه لا صلاح للأبناء والبنات إلا بالله، وأنه لا يهدي قلوبهم أحدٌ عداه، فصدعوا إلى ربهم بالدعوات، ما أحوج بناتك وأبنائك إلى دعواتك الصالحة، سلوا الله للأبناء البنات الصلاح، سلوا لهم الخير، والسداد، والفلاح.

صلاح الأبناء والبنات يكون أول ما يكون منك، يكون من حركاتك وسكناتك، يكون من أقوالك وأفعالك، يوم ينشأ الابن وتنشأ البنت في أحضان أب يخاف الله، وفي أحضان أم تخشى من الله.

صلاح الأبناء والبنات يقوم أول ما يقوم على قدوة صالحة من الآباء والأمهات، إن رآك ابنك تخاف من الله خافه، وإن رآك ابنك تخشى من الله عظمه وهابه، إن رآك ابنك مع المصلين كان من المصلين، إن رآك ابنك من الأخيار والصالحين كان من الأخيار والصالحين.

القدوة الصالح نبراس للذريات، ودليلٌ يهدي قلوب الأبناء والبنات.

صلاح الأبناء والبنات يحتاج منك إلى كلمات نافعات، وتوجيهات ومواعظ مؤثرات: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]، أخذ بمجامع ذلك القلب البريء إلى الله، وعلمه توحيد الله والعبودية لله، فخذوا بمجامع قلوبهم إلى الله، خذوهم بنصيحة مؤثرة وموعظة بليغةٍ تأخذهم إلى محبة الله ومرضاة الله، فكم من نصيحةٍ من أبٍ ناصح، وأم مشفقة ناصحة، نفعت الأبناء والبنات ما عاشوا أبدًا.

صلاح الأبناء والبنات يتوقف على أمرهم بالصلوات، الصلاة عماد الدين ومرضاة الله رب العالمين، فمروهم بها تصلح أحوالهم وتصلح شؤونهم: (أَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].

علم الخليل -عليه الصلاة والسلام- عظيم شأن الصلاة، فرفع كفّه إلى الله داعيًا سائلاً ضارعًا: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم:40]، أي رب اجعل ذريتي تقيم الصلاة.

مروا أولادكم بالصلاة إذا بلغ الابن سبع سنين، وبلغت البنت سبع سنين، فالله سائلك يوم القيامة هل أمرته بالصلاة، وليتعلقن الابن بأبيه بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، يقول: يا رب: ما أمرني بالصلاة، يا رب: تركني نائمًا، يا رب: ما أمرني بطاعتك، وتتعلق البنت بأمها في يومٍ يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه.

صلاح الأبناء والبنات يتوقف على أمرهم بالأخلاق الفاضلة، والآداب الكريمة: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:17-18].

أمر الأبناء بالأخلاق الفاضة والآداب الجليلة الكاملة، يعوّدهم على الخير والصلاح، يقودهم إلى مناهج الفلاح، علّموهم إفشاء السلام وإطعام الطعام وخصال الكرام، وعوّدوهم على هدي أهل الإسلام يكن لكم في ذلك خير الدنيا والآخرة.

عباد الله: من صلاح الأبناء والبنات: أمرهم بصلة الأرحام، وزيارة الأخوال والخالات والعمّات والأعمام، والله ما علمت ابنك صلتهم فرفع قدمه في ضياء نهار أو ظلمة ليل إلا كتب الله لك أجره، ما علّمته خصلة من خصال الخير إلا كتب الله لك أجره، ما عمل بها حياته أبدًا.

صلاح الأبناء والبنات تقر به العيون في الحياة وفي الممات، تقر به عينك في الدنيا، تراه عبدًا ناصحًا، عبدًا خيرًا صالحًا، إن أمرته أطاعك، وإن طلبته برّك، وكان لك بعد الله نعم المعين، وكان لك الناصح الأمين.

صلاح الأبناء والبنات تقر به العيون في اللحود والظلمات يوم تغشاك منه صالح الدعوات وأنت في القبور وحيدًا، وأنت في مضاجعها فريدًا، يذكرك بدعوةٍ صالحة، ينعّمك بها الرحمن، ويغشاك منه الروح والريحان.

صلاح الأبناء والبنات تقرّ به العيون في الموقف بين يدي الديان، حجابٌ من النار، قال –صلى الله عليه وسلم-: "من ابتُلي بشيءٍ من هذه البنات فأدّبهن فأحسن تأديبهن، ورباهن فأحسن تربيتهن كن له حجابًا من النار".

اللهم -يا مصلح الذريات- أصلح ذرياتنا، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين وشاباتهم يا أرحم الراحمين، اللهم خذ بنواصيهم إلى البر والتقوى، وألهمهم السداد والهدى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:


 

 

الحمد لله ذي العزة والجلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له العظمة والكمال، يصرّف الشؤون والأحوال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي أرسله بطيّب الخلال وكريم الخصال، صلى الله عليه وعلى جميع الصحب والآل، ومن سار على نهجهم إلى يومٍ تسيّر فيه الجبال.

أما بعد:

فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

أخي المسلم، أختي المسلمة: إن الله -عز وجل- إذا أنعم عليك بالذرية، ونظرت عيناك إلى ابنك وبنتك، فاعلم أن لله عليك حقًّا عظيمًا، وفضلاً جليلاً كريمًا، فليكن:

أول ما يكون منك أن تقول بلسان حالك ومقالك: الحمد لله، الحمد لله حيث لم يقطع مني نسلي، ولم يجعلني عقيمًا لا ولد لي، فهو الذي وهبك وهو الذي تفضّل عليك، فاشكره فقد تأذّن للشاكرين بالمزيد.

الأمر الثاني: أن تأخذ من نفسك أن يكون في نفسك الشعور بعظيم المسؤولية، الأبناء والبنات ما هم إلا أمانة وضعت في عنقك؛ إما أن تنتهي بك إلى جنةٍ أو إلى نار، أبناؤك وبناتك مسؤوليةٌ قبل أن يكونوا أبناءً وبنات فإنهم واجب ومسؤوليةٌ؛ قال –صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته".

ولتقفن بين يدي الله فيحاجك الابن وتحاجك البنت، فإما أن يكونوا سبيلاً لك إلى الرحمة أو إلى العذاب، فاسأل الله خيرهم واستعذ بالله من شرهم، فما هم إلا فتنة وزينة في الحياة، واضرع إلى الله -جل وعلا- أن يعينك على إسداء الخير إليهم.

الأمر الثالث: إن الله أمرك في أبنائك وبناتك أن تكون من العادلين؛ اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أبنائكم وبناتكم، لا تفضلوا الأبناء الذكور، ولا تفضلوا البنات الإناث، واتقوا الله في الجميع، فإذا عدلت بين أبنائك وبناتك حللت منابر من نور في الجنان على يمين الرحمن في يوم يغبطك فيه الأنبياء والصديقون؛ قال –صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطين على منابر من نورٍ يوم القيامة؛ يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا".

فإياك أن تفضّل بعض أبنائك بالعطية، إياك أن تكتب أرضًا، أو تعطي مالاً، أو تهدي سيارة أو عقارًا إلى ابن أو بنتٍ، بل اتق الله فيهم واعدل بينهم، إنَّ ظُلْمَ الأبناء والبنات يوجب الحقد والبغضاء، ويوجب انتشار الشحناء، فتتفرق قلوبهم، وتتقطع أواصر المحبة بينهم؛ كان السلف الصالح -رحمة الله عليهم- يعدلون بين أولادهم؛ حتى لو قبّل أحدهم ابنًا ذهب إلى البنت وقبّلها، يخاف من الله -عز وجل- أن يكون مفضلاً لواحدٍ منهم على الآخر.

الأمر الرابع: إياك أن يكون أبناؤك وبناتك سببًا في أذية المسلمين؛ احفظهم عن أذية الأقرباء وعن أذية الجيران، وعن أذية المسلمين خاصة في بيوت الله، إذا دخلت بهم إلى المساجد فاجلعهم عن يمينك ويسارك، واجعلهم تحت نظرك وملاحظتك، خذهم بالتوجيه والإرشاد قبل أن تأخذهم دعوة عبدٍ صالح فتهلكهم، حافظوا على الأبناء والنبات في بيوت الله، وامنعوهم من العبث والتشويش على المصلين الواقفين بين يدي الله.

الأمر الخامس: إياك أن يكون أبناؤك سببًا في أذية المسلمين فتنجرّ وراء العواطف لتشتري لصغير السن والحدث سيارة تزهق بها الأرواح وتسفك بها الدماء، ويكون بها الشقاء والعناء، اتقوا الله في أولادكم، وإياكم والانسياب وراء العواطف.

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله، فقد أمركم الله بذلك حيث يقول -جل في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ مرة، صلى الله عليه بها عشرًا".

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على خير خلقك وأفضل رسلك سيدنا ونبينا محمدٍ، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين..
 

  

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي