عباد الله: الحديث في هذه الخطبة عن أمر هو من أحب الأعمال إلى الله -تعالى-، بل هو أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة وهو أعظم أجرا، وأرفع قدرا، وأحب إلى الله -تعالى- من الجهاد في سبيل الله مع عظيم شأن الجهاد ومكانته في دين الله، ألا وهو: بر الوالدين، فقد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفرد بكل كمال، بيده الخير كله فله الحمد على كل حال، أمر ببر الوالدين ووعد على ذلك بجزيل النوال، وحذر من عقوق الوالدين وجعل عاقبة من عق والديه في سفال، أحمده -تعالى- وأشكره، أحمده حمدا وشكرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوا الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: الحديث في هذه الخطبة عن أمر هو من أحب الأعمال إلى الله -تعالى-، بل هو أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة، وهو أعظم أجرا، وأرفع قدرا، وأحب إلى الله -تعالى- من الجهاد في سبيل الله مع عظيم شأن الجهاد ومكانته في دين الله، ألا وهو: بر الوالدين، فقد أخرج البخاري ومسلم في صححيهما عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله -تعالى-؟ قال: "الصلاة على وقتها" وقال: قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" فبر الوالدين أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة، وهو مقدم على الجهاد في سبيل الله.
وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله؟ قال: "فهل من والديك أحد حي؟" قال: نعم، بل كلاهما، قال: "فتبتغي الأجر من الله؟" قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما".
نعم، إن من يبتغي الأجر العظيم، والثواب الجزيل من الله، فعليه أن يحسن صحبة والديه فهذا هو باب الأجر، وباب الثواب الجزيل من الرب -جل جلاله-.
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه"(أخرجه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح") فبر الوالدين من أسباب دخول الجنة.
وقد أكد الله -تعالى- حق الوالدين في عدة مواضع من كتابه الكريم، وأمر بالإحسان إليهما، والبر بهما، بل إن الله -تعالى- قرن حق الوالدين بحقه سبحانه وتعالى فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا([الإسراء: 23-24] فأمر الله -تعالى- بالإحسان إلى الوالدين، وذلك الإحسان يكون بثلاثة أمور: يكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالمال.
أما الإحسان بالقول: فبأن يخاطبهما الولد باللين واللطف مستصحبا كل لفظ طيب يدل على اللين والتكريم.
وأما الإحسان بالفعل: فبأن يخدمهما الولد ببدنه ما استطاع من قضاء الحوائج، والمساعدة على شؤونهما، وتيسير أمورهما، وطاعتهما مالم يأمرا بمعصية.
وأما الإحسان بالمال: فبأن يبذل الولد من ماله كل ما يحتاجون إليه، طيبة به نفسه، منشرح به صدره، غير متبع له بمنة ولا أذى بل يرى أن المنة لهما في قبوله والانتفاع به.
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ) أي لا تسمعهما قولا سيئا، ولا تؤذهما بأي أذى حتى بكلمة أف، بالتأفف التي هي أدنى مراتب القول السيء.
وإنما خص الله -تعالى- حالة الكبر: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ) مع أن ما أوصى الله -تعالى- به مطلوب مع الوالدين حتى في غير حالة الكبر، لكن الله -تعالى- إنما خص هذه الحالة لأن الوالدين في حال الكبر تضيق أنفسهما، وتكثر حوائجهما ومطالبهما، فربما تبرم الولد من ذلك، ولهذا خص الله -تعالى- هذه الحالة: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) أي لا يصدر منك إليهما أي فعل قبيح.
ثم لما نهى عن القول القبيح والفعل القبيح، أمر بالقول الحسن والفعل الحسن فقال: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي: لينا طيبا، حسنا، بتأدب، وتوقير، واحترام (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) أي ادعوا لهما بالرحمة في حياتهما وبعد وفاتهما فإن ذلك داخل في برهما.
ويقول ربنا -عز وجل-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لقمان: 14-15] فأمر الله -تعالى- بصحبة الوالدين بالمعروف في الدنيا، حتى وإن كان يأمران الولد بأعظم الذنوب، وبأعظم المعاصي وهو الشرك بالله -تعالى-، حتى وإن كانا كافرين، ويأمران الولد بأعظم ذنب عصي الله به وهو الشرك، ومع ذلك يقول الله -تعالى- (فَلَا تُطِعْهُمَا) أي فيما أمراك به، وفيما جاهداك عليه من الشرك ولكن مع ذلك (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) فإذا كان الله -تعالى- أمر بصحبة الوالدين الكافرين اللذين يجاهدان ولدهما على الشرك فكيف بالوالدين المسلمين؟
فانظروا -عباد الله- إلى عظيم منزلة البر في دين الله -سبحانه-، وعظيم أجره وثوابه، وإذا كان قد رتب على البر الأجر العظيم، والثواب الجزيل في الآخرة، فإن للبر جزاء معجلا في الدنيا، وهو تفريج الكربات، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في قصة الثلاثة نفر الذين أواهما المبيت إلى غار فدخلوه، فانطبقت عليهم الصخرة، فسدته عليهم، فتوسلوا إلى الله -تعالى- بصالح أعمالهم أن يفرج الله عنهم، فقال أحدهم: اللهم إنه قد كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبط قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرى عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرجنا عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت قليلا، وتوسل الآخر بعفته عن الزنا مع تهيؤ أسبابه، وتوسل الثالث بأمانته فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون. فدل هذا على أن بر الوالدين من أسباب تفريج الكربات.
وإن بر الوالدين -يا عباد الله- هو أعظم ما يكون من صلة الرحم، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه"(متفق عليه).
عباد الله: ومما يدل على عظيم حق الوالدين: أن لهما أن يأخذا من أموال أولادهما ما شاءا بشرط أن لا يضر ذلك بالولد، وأن لا يأخذه ليعطيه ولدا آخر، جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أبي قد أخذ مالي؟ فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- الأب، وكان هذا الأب فقيرا، فقال: يا رسول الله هل أنفقه إلا على عماته، أو خالاته، أو على نفسي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعنا من هذا، وأخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك" قال: يا رسول الله والله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قل وأنا أسمع" قال: قلت -أي- مخاطبا لولده:
غدوتك مولدا ومنتك يافعا*** تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت *** لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي *** طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها *** لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي *** إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلطة وفظاظة *** كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي *** فعلت كما الجار المجاور يفعل
تراه معد للخلاف كأنه *** برد على أهل الصواب موكل
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الابن: "أنت ومالك لأبيك".
عباد الله: وإذا كان بر الوالدين بالمنزلة العظيمة التي سمعتم، فإن عقوق الوالدين من أكبر كبائر الذنوب، فقد جاء في الصحيحين عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وكان متكأ فجلس، وقال: "ألا وقول الزور، وشهادة الزور".
فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- العقوق من أكبر كبائر الذنوب.
وفي الصحيحين أيضا: عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة قاطع" أي: قاطع رحم.
وعقوق الوالدين هو أعظم ما يكون من قطيعة الرحم. وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن جزاء قطيعة الرحم معجل في الدنيا قبل الآخرة في الغالب، وعقوق الوالدين هو أعظم ما يكون من قطيعة الرحم، يقول عليه الصلاة والسلام: "ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" فقطيعة الرحم شؤمه عظيم، لا تجد إنسانا سعيدا في حياته، موفقا في أموره، ميسرة أموره عليه وهو عاق لوالديه، لا تجد هذا أبدا، إنما السعادة والتيسير والتوفيق مرتبطة ببر الوالدين، وبصلة الرحم، وهذه من سنن الله -تعالى- التي نراها واقعا في المجتمع.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: إن وجود الوالدين على قيد الحياة له نعمة عظيمة من الله -تعالى- على الإنسان؛ لأن الوالدين إذا كانا موجودين بإمكانه أن يتدارك، وبإمكانه أن يبر بهما.
قد تجد في الإنسان من يظهر لك من حبه أكثر مما تظهر الأم والأب، ولكنه إنما يحبك لمصلحة، يحبك إما لمالك، أو لجاهك، أو صلاح حالك، أو غير ذلك، فإن ساءت الحال، أو قل المال، أعرض عنك.
أما الذي يحبك لذاتك، ويبقى على حبك مهما تبدلت الحال بك فهما أمك وأبوك، لا تجد لهما مثيلا في الدنيا، فمن كان له أم، أو كان له أب فقد فتح له باب من أبواب الجنة، فمن الذي يمر بباب الجنة مفتوحا فلا يدخلها، أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه" قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة".
عباد الله: وإن مما يحسن التنبيه إليه: أن بعض الوالدين لا يعينان أولادهما على برهما، بل ربما تجد الابن أو البنت يسعا جاهدا لبر والديه ولكن والده بسوء خلقه، وجفوته يعيق ولده عن أن يقوم ببره، وكلما حاول الولد أن يبر بوالده أو والدته لم يتمكن بسبب جفوة هذا الأب أو الأم، فرحم الله والدا أعان أولاده على بره.
ثم أنت أيها الولد تحمل ما قد تلقاه من والديك من سوء الخلق، ومن الجفوة، ونحو ذلك؛ لأنك بهذا البر إنما ترجو الأجر والثواب من الله -عز وجل-، وإذا سعا الولد جاهدا في بر والديه، ولم يتمكن أحيانا بسبب عوائق من الوالد، أو الوالدة، فإن الله -سبحانه وتعالى- قال بعد ما أمر ببر الوالدين قال: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)[الإسراء: 25] فإذا علم الله من الإنسان رغبته الأكيدة في البر، لكن ذلك لم يتحقق على الوجه الذي يؤمله، بسبب من الوالد أو الوالدة، فإن هذه الآية فيها سلوة للأولاد من الأبناء والبنات (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا).
عباد الله: وأما من مات والده أو والدته فإنه لم ينقطع برهما، بل بقيت أمور يستطيع أن يبر بهما والديه ومن ذلك: الدعاء لهما فإنه من أعظم البر خاصة بعد وفاتهما، فقد أمر الله -تعالى- بذلك فقال: (رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
وكذلك أيضا: الصدقة عنهما، والعمرة والحج عنهما، أخرج أبو داود في سننه، عن مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبويا شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما" أي: الدعاء لهما "والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما".
وهذا الحديث وإن كان في سنده مقال إلا أن له شواهد من نصوص الكتاب والسنة، وهنا أشار في هذا الحديث إلا أمر يغفل عنه كثير من الناس وهو: إكرام صديقي الوالد أو الوالدة، إكرام صديق الأب، أو صديق الأم بعد مماتهما، فهذا من أعظم البر بهما.
عن عبدالله بن دينار: أن عبدالله بن عمر لقي رجلا من الأعراب فسلم عليه وقال: "ألست فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه حمارا يركب عليه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال: ابن دينار، قلنا له: أصلحك الله، إنهم الأعراب يرضون باليسير، قال ابن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي" أي: بعد مماته.
فانظر كيف جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل هذا من أبر البر، ولذلك من كان له أب أو أم وقد ماتا فعليه أن يسعا لإكرام أحبابهما، وإكرام صديقهما فإن هذا من أبر البر بهما، في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما غرت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما غرت على خديجة، وما رأيتها، لكني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر ذكرها، وربما أمر بذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها إلى صديقات خديجة، قالت عائشة: فقلت: كأن لم يكن لك في الدنيا إلا خديجة؟ فيقول: "إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد".
فانظر كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يصل زوجه خديجة بعد وفاتها بإكرام أحبابها، وصديقاتها في الدنيا، فهذا من أبواب البر، ومن أبواب: الصلة، أن يكرم الإنسان أحباب وأصدقاء والده أو والدته فهذا من البر، بل جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من أبر البر.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين.
اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان والاطمئنان والرخاء ورغد العيش، واجعلها عونا لنا على طاعتك ومرضاتك، واجعلنا لنعمك وآلائك شاكرين.
اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10].
نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي