تذكير المسلمين بلزوم السنة والكتاب المبين

محمد بن سليمان المهوس
عناصر الخطبة
  1. اتباع الوحيين من أجلّ النعم .
  2. أهمية لزوم الكتاب والسنة .
  3. ثمرات الاعتصام بالكتاب والسنة .
  4. خطورة ردّ السنة وفصلها عن القرآن الكريم. .

اقتباس

فَإِنَّ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ وَأَكْبَرَ خَيْرٍ يِنَالُهُ الْعَبْدُ هُوَ لُزُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمُعَامَلَاتِ.. فَلَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ الْعَبْدِ إِلَّا بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُوُلِهِ، وَبِلُزُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ جُزْءٌ مِنَ الْوَحْيِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ وَأَكْبَرَ خَيْرٍ يِنَالُهُ الْعَبْدُ هُوَ لُزُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمُعَامَلَاتِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال:24]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال:46].

وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران:132]؛ فَهَذِهِ الْآيَاتُ يَأْمُرُ اللهُ -تَعَالَى- بِهَا عِبَادَهُ أَنْ يُطِيعُوهُ وَيُطِيعُوا رَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالْأَمْرُ هُنَا  يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاهْتِدَاءُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَلُزُومِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[النور:54].

فَلَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ الْعَبْدِ إِلَّا بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُوُلِهِ، وَبِلُزُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ جُزْءٌ مِنَ الْوَحْيِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْ رَسُولِهِ: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4].

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَداً؛ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُمَا مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَدَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَعْدِ الصَّادِقِ بِالْحِفْظِ وَالضَّمَانِ الْأَكِيدِ، حَيْثُ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، وَكَانَ مِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ الْحِفْظِ مَا نَرَاهُ وَنَلْمَسُهُ مِنْ جُهُودِ جَهَابِذَةِ السُّنَّةِ الَّذِينَ بَذَلُوا جُهُوداً عَظِيمَةً لِحِفْظِ السُّنَّةِ، وَالذَّبِّ عَنْهَا، وَغَرْبَلَتِهَا، وَتَمْيِيزِ صَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا، وَالتَّأْلِيفِ فِي الْعُلُومِ الَّتِي تَخْدُمُهَا.

فَاتَّقُوُا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَالْزَمُوا كِتَابَ رَبِّكُمْ وَسُّنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَاعْتَصِمُوا بِهِمَا؛ فَالِاعْتِصَامُ بِهِمَا:

فَوْزٌ وَفَلاَحٌ فِيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يُثْمِرُ اطْمِئْنَانَ الْقَلْبِ، وَرَاحَةَ النَّفْسِ، وَهُوَ نَجَاةٌ لِلْعَبْدِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ، وَمِنَ الْوُقُوعِ فِي الْبِدَعِ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَسَبَبٌ فِيِ الْأُلْفَةِ وَالِاتِّفَاقِ، وِالبُعْدِ عَنِ الْاخْتِلاَفِ والْافْتِرِاقِ، وَعِصْمَةٌ لِلْعَبْدِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ.

قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء:59].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ فِي الْقُرْآنِ فَقَطُّ، فَإِذَا قُلْتَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: هَذَا فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْتَ: لَا، قَالَ: هَذَا مَا يُحَلِّلُ وَلَا يُحَرِّمُ! أَعْطِنِي آيَةً فِي الْقُرْآنِ تَذْكُرُ هَذَا؛ وَهَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَخْبَرَ أَنَّ أُنَاساً وَرِجَالاً مِنْ أُمَّتِهِ سَيَأْتُونَ بَعْدَهُ يَقُولُونَ هَذَا، وَقَدْ تَحَقَّقَ وَوُجِدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ.

نَعَمْ، يَقُولُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْقُرْآنُ، أَمَّا الْبُخَارِيُّ أَوْ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ كُتُبُ دَرَاوِيشَ حَرَّفُوهَا فَحَرَّفُوا جَمِيعَ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ!

وَعَامَّةُ مَنْ يَقُولُ هَذَا -عِبَادَ اللهِ- هُمُ الْمُبْتَدِعَةِ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَالصُّوفِيَّةِ، وَالرَّوَافِضِ، وَمِنْ أَهْلِ التَّرَفِ وَالْفُسُوقِ مِنَ الْعِلْمَانِيِّيِنَ وَغَيْرِهِمْ؛ وَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ كَمَا حَرَّمَ اللهُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

قَالَ الْخَطَّابِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: "يُحَذِّرُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مِمَّا لَيْسَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرٌ، عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ، فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَتَرَكُوا السُّنَنَ الَّتِي قَدْ ضُمِّنَتْ بَيَانَ الْكِتَابِ، فَتَحَيَّرُوا وَضَلُّوا".

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: "وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى السَّلَفِ: اعْتِصَامُهُمْ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، فَكَانَ مِنَ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ قُطُّ أَنْ يُعَارِضَ الْقُرْآنَ، لَا بِرَأْيِهِ وَلَا ذَوْقِهِ، وَلَا مَعْقُولِهِ، وَلَا قِيَاسِهِ، وَلَا وُجْدِهِ، فَإِنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّاتِ، وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ".

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا وَجَمِيِعَ الْمُسْلِمِينَ الاِعْتِصَامَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُتَمَسِّكِينَ وَالْعَامِلِينَ بِهِمَا، الذَّابِّينَ عَنْهُمَا، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

هَذَا، وَصَلُّوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي