ومن أبرز الفوائد الطبية للعطاس: دعم صحة الجهاز المناعي، وتنشيط الدورة الدموية، وتعزيز القدرة على التنفس، وحماية الجسم من الميكروبات، وحماية باطن الأنف من البكتيريا، أو الجراثيم، أو الغبار، أو أيِّ أجسامٍ غريبة محبوسة في الأنف....
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده:
وبعد: فإن من محاسن ديننا الحنيف تشميت العاطس؛ فبسببه يتراحم المسلمون، ويحمدون اللهَ -تعالى-، ويسألونه الهدايةَ وصلاحَ البال. والعطاسُ نِعمةٌ من الله -تعالى-، وهو يُفيد الجسم، ويطرد الداء، بخلاف التثاؤب الذي هو دليل على امتلاء البدن والكسل؛ لذا فإنَّ الله -تعالى- يُحب العُطاس؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ.. وَأَمَّا التَّثَاوُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا؛ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ"(رواه البخاري).
وسبب ذلك: أن العطاس يكون مع النشاط، وخفة البدن، وذلك ناتج عن تخفيفِ الغذاء، والإقلالِ من الطعام، بخلاف التثاؤب الذي ينتج عن ثِقَل البدن وامتلائه، وعند استرخائه للنوم، ومَيلِه للكسل، فصار العطاسُ محموداً؛ لأنه يُعين على الطاعات، والتثاؤبُ مذموماً؛ لأنه يُثبِّط عن الخيرات، وقضاء الواجبات.
قال ابن بطال -رحمه الله-: "إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرِّضا والإرادة - أي: أنَّ الشيطان يُحِبُّ أنْ يَرى الإنسانَ مُتثائباً؛ لأنها حالةٌ تتغيَّر فيها صورته، فيضحك منه - لا أنَّ المراد أنَّ الشيطان فَعَلَ التثاؤب".
وقال النووي -رحمه الله-: "أُضيف التثاؤبُ إلى الشيطان؛ لأنه يدعو إلى الشهوات؛ إذ يكون عن ثِقَلِ البدن واسترخائه وامتلائه".
وقد اعتاد بعض الناس على التَّعوذ من الشيطان بعد التثاؤب، ولا دليل على ذلك، وفيه مخالفةٌ لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه جاء بِذِكْرٍ لم يقله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الموطن.
إخوتي الكرام: ومن أبرز الفوائد الطبية للعطاس: دعم صحة الجهاز المناعي، وتنشيط الدورة الدموية، وتعزيز القدرة على التنفس، وحماية الجسم من الميكروبات، وحماية باطن الأنف من البكتيريا، أو الجراثيم، أو الغبار، أو أيِّ أجسامٍ غريبة محبوسة في الأنف.
ومن أهم آداب العطاس: حَمْدُ اللهِ -تعالى- عند العطاس، وتشميتُ العاطس؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ"(رواه البخاري).
وتشميت العاطس فرضٌ على الكفاية، إذا فَعَله بعض الحاضرين سقط الأمر عن الباقين. ومع ذلك لا ينبغي تركه خروجاً من استدلال مَنْ قال: بفرضية العين. واستدلوا: بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ"(رواه البخاري). ولقول البراء بن عازب -رضي الله عنه-: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ"، وذَكَر من المأمورات بهن: "تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ"(رواه البخاري).
وفي الحديث دليل على عظيم نِعَمِ اللهِ -تعالى- على العاطس؛ حيث أذهَبَ عنه الضرر بنعمة العطاس، ثم شرع له الحمد الذي يُثاب عليه، ثم الدعاء بالخير بعد الدعاء بالخير، وشَرَعَ هذه النعم المتواليات في زمنٍ يسير فضلاً منه وإحساناً.
ويسنُّ له أن ينوِّع أحياناً، فيقول: الحمد لله على كل حال؛ لحديث: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ"(رواه أبو داود والترمذي).
ولا يُشمَّتْ إلاَّ مَنْ حَمِدَ اللهَ -تعالى-: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ؛ فَشَمِّتُوهُ. فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ؛ فَلاَ تُشَمِّتُوهُ"(رواه مسلم).
ويشهد له: قول أنسٍ -رضي الله عنه-: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَمَّتَّ هَذَا، وَلَمْ تُشَمِّتْنِي؟ قَالَ: "إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ"(رواه البخاري).
ويجوز لمن عطس في الصلاة أن يحمد اللهَ -تعالى-، ولا يجوز لمن سمعه أنْ يُشمِّته؛ كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة.
ومن آداب العطاس: وضعُ اليد أو المنديل على الفم، وخفضُ الصوت قدر الإمكان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه– قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ"(رواه أبو داود). ولمَّا كان العاطس -غالباً- يُحدث صوتاً رفيعاً مُزعجاً استُحِبَّ له أن يخفض من صوته، والعاطسُ أيضاً لا يأمن -غالباً- من خروج شيء من فمه، فاستُحبَّ له أن يضع يده على فيه، وفي هذا سُنَّة.
ومن آداب العطاس: تحويلُ الوجه -قَبْل العطاس- عن وجوه الناس، أو عن الطعام؛ لئلاَّ يُصيبَه رذاذُ العطاس، والبُعدُ عن إخراج صوتٍ عند تنظيف الأنف بمحضر الناس؛ لأنَّ هذا مما يستقذره الناس، وفي الحديث: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(رواه البخاري ومسلم).
والتَّشميت ثلاثاً، فما زاد فهو زكام؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلاَثًا، فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ"(رواه ابن ماجه)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا عَطَسَ أحدُكم؛ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُه. فإِنْ زَادَ على ثَلاَثٍ؛ فهو مَزْكُومٌ، ولا يُشَمَّتْ بعدَ ثَلاَثٍ"(رواه أبو داود).
وفي رواية: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فَقَالَ لَهُ: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ"، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ"(رواه مسلم). وفي وراية: قَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: "أَنْتَ مَزْكُومٌ"(رواه الترمذي). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "شَمِّتْ أخَاكَ ثَلاثاً، فما زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ"(رواه أبو داود). وعنه -رضي الله عنه- قال: "شَمِّتْهُ واحدةً واثنتين وثلاثاً، فما كان بعدَ هذا فهو زُكام"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
قال النووي -رحمه الله-: "واختلفَ العلماءُ فيه: فقال ابن العربي المالكي: قيل: يقال له في الثانية: إنك مزكوم، وقيل: يقال له في الثالثة، وقيل: في الرابعة، والأصح: أنه في الثالثة. قال: والمعنى: أنَّكَ لستَ مِمَّنْ يُشَمَّتْ بعدَ هذا؛ لأنَّ هذا الذي بِكَ زُكام ومَرض، لا خِفَّة العطاس".
وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" تنبيه على الدعاء له بالعافية؛ لأنَّ الزُّكْمة عِلَّة، وفيه اعتذارٌ مِنْ تَرْكِ تشميتِه بعد الثلاث، وفيه تنبيهٌ له على هذه العِلَّة لِيَتَداركَها ولا يُهملها، فيصعُبَ أمرُهَا، فكلامه -صلى الله عليه وسلم- كلُّه حِكمةٌ ورحمة، وعِلمٌ وهُدى.
الحمد لله...
أيها المسلمون: وتشميت العاطس ليس مقتصراً على المسلمين؛ إذ يُشْرَعُ تشميتُ أهلِ الذمة: وفيه حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَعَاطَسُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهَا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ: "يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ"(رواه أبو داود).
وتشميت أهل الذمة مشروط بحمدهم لله -تعالى- أولاً؛ كما هو الأصل، ولا يُدعى لهم بالرحمة والمغفرة؛ لأنهم ليسوا أهلاً لذلك، ولكن يُدعى لهم بالهداية والتوفيق للإيمان، قال ابن حجر -رحمه الله- مُعلِّقا على حديث أبي موسى: "وأمَّا من حيث الشرع فحديث أبي موسى فدالٌّ على أنهم يدخلون في مُطلق الأمر بالتَّشميت، لكن لهم تشميت مخصوص، وهو الدعاء لهم بالهداية، وإصلاح البال، وهو الشأن، ولا مانع من ذلك، بخلاف تشميت المسلمين؛ فإنهم أهل الدعاء بالرحمة، بخلاف الكفار".
وهل يجوز للرجل أن يُشمِّت المرأةَ الأجنبية؟ جاء في الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: "لا يُشمِّتُ الرجلُ الشابةَ، ولا تُشمِّته". وفي قصةٍ للإمام أحمد -رحمه الله- أنه كان عنده رجل من العُبَّاد، فعطستْ امرأةُ أحمد؛ فقال لها العابدُ: يرحمك الله، فقال أحمد: عابدٌ جاهل. وقال حرب: قلتُ لأحمد: الرجل يُشمِّت المرأةَ إذا عطست؟ فقال: إنْ أراد أنْ يسْمَعَ كلامَها فلا؛ لأن الكلام فتنةٌ، وإنْ لم يُرد ذلك؛ فلا بأس.
وأما بالنسبة لتشميت الأطفال الصغار: فإنْ كان طفلاً لا يُدرك التعليم، ولا يُحسن التفهيم، فلا بأسَ أن يَحمدَ اللهَ عنه، وإنْ كان بعضُ أهل العلم توقَّف؛ لأنَّ الحمد إنشاءُ عِبادةٍ عن النَّفس، والقاعدة: "العبادة البدَنيَّة المستقِلَّة لا تقبل النِّيابةَ في حال الحياة".
قال ابن مفلح -رحمه الله-: "لا يُحْمَدُ عن الطِّفل والمجنون؛ لأنَّهما لم يُخاطَبا، فَفِعْلُ الغير عنه فرعُ ثبوتِ الخطاب، ولم يَثبت، فلا فِعْل".
ولا بأسَ أن يدعو الكبيرُ للصغير -عند العطاس- بالبركة، أو بأيِّ دعاء استئناساً، بما ورد عن بعض السَّلَف، ولا يَقصد به التخصيص، ولا أنَّ هذا سُنَّة.
قال ابن مفلح: "روى عبد الله بن أحمد عن الحسن: أنَّه سُئل عن الصبي الصغير يَعْطِسُ؟ قال: يُقال له: بُورك فيك".
وإنْ سكتَ عنه، فلم يقل عنه شيئًا، فلا حرج؛ لأنَّ القلم مرفوعٌ عنه، وغير مطالب بشيء.
إخوتي الكرام: هذه الأمور، ومثيلاتها؛ كأذكار الصَّباح والمساء، وأذكار النوم، ونحوها - هي رُقًى وتعاويذ، تَحفَظُ الطِّفلَ من الشيطان؛ لذلك لو قُلْتَ هذه الأدعيةَ والأذكار، ونَوَيتَ بها عن نفسك وعن ولدك، حصل المقصود -بإذن الله- وهو الحِفظُ والعَوذُ من الشيطان الرَّجيم.
وصلوا وسلموا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي