من أصول أهل السنة: اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
عناصر الخطبة
  1. أهمية اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
  2. لوازم متابعته -صلى الله عليه وسلم- ومقتضياتها وثمارها .
  3. عقوبة المخالفين لأمره -صلى الله عليه وسلم- .
  4. أمثلة على حرص الصحابة على اتباع النبي-صلى الله عليه وسلم- .
  5. لماذا تتحتم علينا المتابعة؟ .

اقتباس

فإن الله تعالى لم يأمرنا بمتابعة نبيه -صلوات ربي وسلامه عليه- ويحتم علينا ذلك؛ إلا لأنه لا طريق إلى الوصول إلى مرضاته -سبحانه-؛ إلا طريق نبيه - -صلى الله عليه وسلم- -، وهي السبيل التي أتمها الله وارتضاها لعباده؛ حيث قال في كتابه العزيز: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3]...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

أيها المسلمون: إن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة الذين أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم بأنهم يسيرون على طريقته وأصحابه الكرام دون انحراف؛ فهم أهل الإسلام المتبعون للكتاب والسنة، المجانبون لطرق أهل الضلال، وسموا أهل السنة لكونهم تمسكوا بسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- واتبعوا طريقه؛ فأصبح هذا الاتباع هو أبرز خصائصهم وما يميزهم عن غيرهم.

عباد الله: وتتبين مدى أهمية اتباع الرسل من إيقاننا أن الغاية من خلق الله للخليقة أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأنه لم يكن لهم سبيل لتحقيق ذلك إلا بأن يبين الله لهم كيف يحققون ما خُلقوا لأجله؛ لذلك أرسل إليهم رسلا ليدلوهم عليه عز وجل، ويرشدوهم للطريق الموصلة إلى تحقيق مراد الله منهم، ويبينوا لهم سبيل الهدى ليسلكوه، ويوضحوا سبلَ الضلالة ليجتنبوها.

وهكذا توالت رسل الله عبر الأزمنة المتلاحقة، والقرون المتتابعة؛ يبينون لقومهم الذين أُرسلوا إليهم مرادَ الله، ويعلمونهم كيف يعبدونه وحده، فمنهم من يتبع الرسل، ومنهم من ينكص على عقبيه.

واستمرت الأيام تجري، وسنة الله لا تتبدل، حتى حان موعد خروج خاتم الأنبياء، وخير رسل الله على الإطلاق، فامتن الله تعالى على هذه الأمة أن بعثه إليهم هاديا ومبشرا ونذيرا، قال الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آل عمران: 164].

معاشر المؤمنين: وتتجلى مكانة اتباع سنته -صلى الله عليه وسلم- عند أهل السنة والجماعة من جعلهم الاتباع ركناً من أركان قبول العمل الصالح؛ فلا يقبل عمل من أعمال العباد ما لم يكن قائما على ركنين: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد دلت على أن المتابعة شرط لقبول العمل أدلةٌ كثيرة منها حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أمرُنا هذا فهو رَدٌّ"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة".

وقد تواردت الأدلة التي توجب طاعته واتباعه والانقياد لأمره -صلى الله عليه وسلم- ومن ذلك: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[النساء: 80]، وقوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 32]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء: 59].

أيها المؤمنون: ما كل من ادعى الاتباع صدق، ولا كل من زعم السير على خطى الحبيب صلوات الله عليه وسلم قُبل قوله في ذلك، بل لا بد لمن ادعى أن يكون له على دعواه دليل، فالمتابعة لرسول الهدى لا تكون صحيحة إلا بعد أن تتحقق لوازمها، وتظهر مقتضايتها، والتي منها:

الإيمان بنبوته وبعثته -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات: 15].

ومن لوازم اتباعه -صلى الله عليه وسلم-: تصديقه فيما أخبر به تصديقا لا يخالطه شك؛ إذ أنه لا معنى للإيمان إلا بتصديق ما جاء به، ولا شك أن كل ما أخبر به -صلوات ربي وسلامه عليه- حق لا كذب فيه فهو الصادق المصدوق وأمين الله على وحيه، قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 3، 4].

ومن لوازم اتباعه -صلى الله عليه وسلم-: طاعته فيما أمر، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)[الحشر: 7]، أي: "مَهْمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ، وَمَهْمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ، وإنما ينهى عن شر"، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".

كذلك من لوازم متابعته -صلى الله عليه وسلم-: اجتناب ما نهى عنه وزجر، قال تعالى: (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7]، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه".

كما أن من لوازم اتباعه -صلى الله عليه وسلم-: ألّا يعبد الله إلا بما شرع؛ حيث أن كل عمل لم يشرعه مردود على صاحبه، عن أم المؤمنين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

إخوة الإيمان: إن لمتابعة الرسول الله عليه وسلم، والسير في طريقه التي سنها، واقتفاء أثره ثمارًا عظيمة، وهبات جسيمة، منها:

محبة الله تعالى للمتبع لرسوله ومغفرته لذنوبه، قال تعالى: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آل عمران: 31].

كذلك مما يناله المتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الفوز بالجنة، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى؟".

أيها المسلمون: ما ذكرناه هو ثمار المتبعين، وما الذي يجنونه من الخير والفلاح حين يجعلون المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قدوتهم وإمامهم، أما المخالفون له، والتاركون لسنته فقد توعدهم الله تعالى فقال -عز من قائل-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

عباد الله: بعد أن تبين لنا وجوب متابعته -صلى الله عليه وسلم- وما الذي يلزم منها، وما الثمار التي يجنيها المتابع لسنته -صلى الله عليه وسلم- وما للمخالف من العقاب يجدر بنا أن نسعى جاهدين للتمسك بما جاء به، والتزام شرعه، وأن لا نعبد الله تعالى إلا بما أتى به، وما علمنا إياه، وأن نجتنب كل فعل أو قول ليس لنا من رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة فيه، فقد وصانا ربنا بالاقتداء به والتأسي بشمائله؛ فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21].

أيها المؤمنون: لقد ضرب أصحاب رسول الله أروع الأمثلة في حسن اتباعهم للنبي –عليه الصلاة والسلام- وكذلك من بعدهم، ومما ورد عنهم من تلك المواقف التي تؤكد عظيم متابعتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يطوف بالبيت الحرام عند الكعبة المشرفة ويقبل الحجر قائلا له: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ"، فأراد عمر أن يُعلم الناس أن استلامه الحجر ليس سوى متابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان".

عباد الله: ولقد كانت كل حياة الرعيل الأول من الصحابة سيرا على خطى الحبيب المصطفى، وتمسكا بسنته وشرعه، لذلك لو تتبعنا ما ورد عنهم من ذلك فنحتاج لأعمار طويلة حتى نلم ببعضها، لكنا سنختم بما رواه بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه و طرحه وقال: أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"؟! فقيل للرجل بعدما ذهب -صلى الله عليه وسلم-: "خذ خاتمك فانتفع به" قال: لا و الله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". ولا غرابة أن نجدهم أشد الناس اتباعاً لهديه واقتفاءً لأثره وانتهاجاً لسنته.

عباد الله: فإن الله تعالى لم يأمرنا بمتابعة نبيه -صلوات ربي وسلامه عليه- ويحتم علينا ذلك؛ إلا لأنه لا طريق إلى الوصول إلى مرضاته -سبحانه-؛ إلا طريق نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، وهي السبيل التي أتمها الله وارتضاها لعباده؛ حيث قال في كتابه العزيز: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].

وعلى هذا فإن كل من أتى بجديد في هذا الدين، فقد اتهم الدين بالنقص، واتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخيانة في أداء الرسالة، ونحن نشهد بأن الدين كَمُل، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، فقد وقف على عرفات في حجة الوداع فقال للصحابة: "ألا هل بلغت" فقال الصحابة جميعاً: نعم فقال: "اللهم فاشهد".

لذا فالواجب علينا أن نتمسك بسنته، ونتبع طريقته، ونمشي على خطاه، لنصل إلى رضوان الله ونسعد يوم لقاه.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي