لكنْ بقيَ أمرٌ لابد أن نتعلمَه ونتدربَ عليه، ألا وهو أساليبُ التعامل في الحياة الزوجية، لنبنيَ بيوتًا يملؤها الحبُ والود، ويقوِّيها التآلفُ والتفاهم. متزوجون منذ عشرِ سنينَ بل عشرينَ وأربعينَ، لكنَّ بينَهم جفافٌ عاطفي، إن جلسوا فصامتون، وإن مرتْ مناسباتٌ فبارِدُون، لا مزحَ، ولا شكوى هموم.
الحمد لله الذي عمَّت رحمته كلَّ شيء ووسعت، وتمت نعمته على العباد وعظمُت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، شهادةً تنجي قائلَها يوم تذهل كلُّ مرضعة عما أرضعت، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، جاهَد في الله حقَّ جهاده حتى علَت كلمةُ التوحيد وارتفعتْ، صلى الله وسلم عليه وآله وصحبه خيرِ أمةٍ سَلَفَتْ.
أما بعد: فلنتقِ اللهَ ولنشكر نعمَه الكثيرةَ علينا، وإن من نعم الله في الإجازات كثرةَ الإقبالِ على الزواجات، وهذا يدل على أمور منها: حرصُ الشباب والفتياتِ وأوليائِهم على العفةِ والعفاف. تيسيرُ تكاليفِ ومهورِ الزواج، ونبذُ تقاليدَ ممقوتةٍ مُرهقةٍ، وإراحةُ النساء من تكلفِ شراءِ غالي اللباسِ لحضورِ حفلاتِ الزواج. نسأل اللهَ أن يهديَ المقلدينَ والجشعينَ والمبذرين.
لكنْ بقيَ أمرٌ لابد أن نتعلمَه ونتدربَ عليه، ألا وهو أساليبُ التعامل في الحياة الزوجية، لنبنيَ بيوتًا يملؤها الحبُ والود، ويقوِّيها التآلفُ والتفاهم.
متزوجون منذ عشرِ سنينَ بل عشرينَ وأربعينَ، لكنَّ بينَهم جفافٌ عاطفي، إن جلسوا فصامتون، وإن مرتْ مناسباتٌ فبارِدُون، لا مزحَ، ولا شكوى هموم. ألم يَقُل النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"(سنن الترمذي 3895).
فلماذا لا نصِل لمستوى الخيريةِ التي بلغَها بيتُ النبوة الذي قال الله عنه وعن أهله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب:33]، وإليكم الآن مواقفَ نبويةً لطيفةً رقيقةً تراعي المشاعرَ والأحاسيسَ، ليستفيدَ منها حديثُ العهدِ وقديمُ العهدِ بالزواجِ، حتى ولو صارَ له أحفاد وأسباط. وهذه المواقف تُخاطَبُ بها المرأة كما يخاطَب بها الرجل، وهي ليست مستوحاةً بما يسمونه بالرومانسية، بل سبَقَهم بالرومانسية الزوجية الذي قال الله عنه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب:21]. فإلى تلك المواقف النبوية الزوجية واحدًا واحدًا، وكلها في صحيحَي البخاري ومسلم أو أحدِهما:
أتساعدُها على أعباء المنزل؟ سُئلتْ عائشةُ -رضي الله عنها-: ما كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يصنع في بيته؟ قالت: "كان في مَهنة أهله"(صحيح البخاري 676).
أتمكث ببيتك كثيرًا؟ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ -التِّسع- فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ (صحيح البخاري 284، وصحيح مسلم 734).
هل تشرب وتأكل من موضع فم زوجتك؟ قالت عائشة: كنتُ أشرب فأناوِله النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فِيَّ، وأتعرق العَرْقَ –أي: العظم- فيضع فاه على موضع فِيَّ(صحيح مسلم 718).
هل تتكئُ عليها، وتنام بُرهة بحِجرها؟ قالت عائشة: كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يتكئ في حِجري وأنا حائض(صحيح البخاري 297) وصحيح مسلم 719).
أتنام معها أثناءَ الحيض؟ قالت ميمونةُ -رضي الله عنها-: كان-صلى الله عليه وسلم-يُباشر نساءَه فوقَ الإزار وهنَّ حُيّضٌ (صحيح البخاري 303، وصحيح مسلم 707).
أتمدَحُها عند أهلك وأهلها؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن فضلَ عائشةَ على النساء، كفضلِ الثريد على سائر الطعام"(صحيح البخاري 3411، وصحيح مسلم 6425).
وقال مُعلنًا للملأ عن حبِّه لخديجةَ: "إني رُزقت حُبَّها"(صحيح مسلم 6431).
أتُقبِّلها؟ كما كان -صلى الله عليه وسلم- يقبِّل حتى وهو صائم.(صحيح البخاري 1927، وصحيح مسلم 2628).
أتَرْقيها حالَ مرضِها؟ قالت عائشة: كان -صلى الله عليه وسلم- إذا مرِضَ أحدٌ من أهل بيته نفثَ عليه بالمعوذات(صحيح مسلم 5843).
أتتنزهان وتمشيان لوحدِكما؟ كان -صلى الله عليه وسلم- إذا كان بالليل سارَ مع عائشة يتحدث. (صحيح البخاري 5211، وصحيح مسلم 6451).
بل هل سابقتَها في البرية أو باستراحة؟ فقد سابَقَ -صلى الله عليه وسلم- عائشة فَسَبَقَتُهُ، ثم سَابَقَتْهُ، فَسَبَقَها، وجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ". (رواه أبو داود).
فإن بعضَ الرجال فيهم جَلافة وجَفوة، فيَظن أن تَحبُّبَه لامرأتهِ يُهينُ كرامتَه، أو يُنْزِلُ مَهابتَه. أمَّا خيرُ الناس لأهله -صلى الله عليه وسلم- فكلُّ مواقفه مع زوجاته رقةٌ وتغاضٍ وممازحةٌ، فلنختبرْ أنفسَنا هل نقتدي به -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجنا وأولادِنا؟ فسَلْ نفسَك:
أتحتملُ صدودَ زوجك، وتتغاضى عن بعض تجاوزاتها؟ قال حفصة: واللهِ إن أزواجَ النبي-صلى الله عليه وسلم- لَيُراجعْنه، وإن أحداهن لَتهجرُه اليومَ حتى الليل. (صحيح البخاري 2468) وصحيح مسلم 3768).
أتواسيها عند بكائها؟ كانت صفية مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في سفر، فأبطأت في المسير، فاستقبلَها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وهي تبكي، وتقول: حملتَني على بعير بطيء، فجعلَ يمسح بيديه عينيَها، ويُسكِّتها.(سنن النسائي الكبرى 9162).
أترفِّهها الترفيه المباح؟ قالت عائشة: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.(صحيح البخاري 5236، صحيح مسلم 2100).
أما الموقف الأخير فهو ألطفُها وأظرَفها: قالت عائشة: صَنَعْتُ طعامًا فَجِئْتُ بِه رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وجلس بيني وبين سودة، إحدى رجليه في حِجري، والأخرى في حِجرها، فَقُلْتُ لَسودة: كُلِي، قَالَتْ: مَا أَنَا بِذَائِقَتِهَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَتَأْكُلِنَّ، أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ بِهَا وَجْهَكِ، فَجَعَلَ -صلى الله عليه وسلم- يَضْحَكُ، فَأَخَذْتُ مِنَ الصَّحْفَةِ شَيْئًا فَمَسَحْتُ بِوَجْهِها، فَجَعَلَ -صلى الله عليه وسلم- يَضْحَكُ. (رواه النسائي وحسنه الألباني).
اللهم اجعلنا من الذين إذا أعطيتهم شكروا، وإذا ابتليتهم صبروا، وإذا ذكَّرتهم ذَكروا، واجعل لنا قلوبًا توابة، لا فاجرة ولا مرتابة.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا ودورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وافرج لهم في المضائق، واكشف لهم وجوه الحقائق، وأعنهم ببطانة صالحة ناصحة.
اللهم أنت صاحب كل حاجة وولي كل نعمة، اللهم فاجعل جنودنا في حرزك، وحفظك، وجوارك. اللهم ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين.
اللهم يسِّر على من أراد الحج حجه. وسدد جهود الجهات المنظمة للحج، وبارك في مسعاهم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي