من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخَّره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصيةً كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج...
الحمد لله، أمر عباده بالحج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوه في جميع أموركم، وافعلوا ما أمركم به، وانتهوا عمَّا نهاكم عنه، وإنَّ مما أمركم به حج بيت الله الحرام، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97]؛ قالت اللجنة الدائمة للفتوى: "أما الاستطاعة بالنسبة للحج: فأنْ يكونَ صحيحَ البدن، وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك حسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً، على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حَجِّه، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها في سفرها للحج أو العمرة" (فتاوى اللجنة الدائمة 11/ 30).
وقال الإمام الطبري -رحمه الله-: "من جَحد ما ألزمه الله من فرض حَجّ بيته، فأنكره وكفر به، فإنَّ الله غنيّ عنه وعن حجه وعمله، وعن سائر خَلقه من الجن والإنس" (تفسير الطبري 6/ 47).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس قد فرض الله عليكم الحَج، فحُجوا"(أخرجه مسلم 1337)؛ فاحرص أيها المسلم المستطيع على أداء الحج، ولا تكن ممن يُسوِّف ويؤخِّر، ويتهاون ويكسل، قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخَّره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصيةً كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج" (مجموع فتاوى ابن باز 16/ 353-354).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"(أخرجه الشيخان). وقال الله -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197]. قال السعدي -رحمه الله-: "أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج.. وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية.. والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام. والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة، والمقصود من الحج، الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنَّه بذلك يكون مبروراً، والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنَّها يتغلظ المنع عنها في الحج"(ينظر تفسير السعدي ص: 91).
عبد الله: إذا كنت تستطيع الحج ولم تحج الفريضة فأدِّ الحج هذا العام، فإنَّه واجب على الفور، ولا يجوز تأخيره، وامتثل أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "تعجَّلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإنَّ أحدكم لا يدري ما يعرِض له) (أخرجه الإمام أحمد برقم 2867).
يا من تؤخر فريضة الحج بلا عذر راجع نفسك وبادر إلى أدائها قبل الموت، فتموت وما أديت الركن الخامس من أركان الإسلام فتندم حين لا ينفع الندم.
عباد الله: من فضل الله وإحسانه على عباده أن يسَّر وسهَّل عليهم الحج، وأنتم ترون ما شرَّف الله به بلادنا -حرسها الله– من خدمات كبرى متكاملة أمنية وطبية وغيرها؛ خدمة لحجاج بيت الله الحرام، ليؤدوا مناسك حَجِّهم براحةٍ وطمأنينة، فالحمد لله على جزيل نعمه وعظيم منِّه وعطائه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج: 27].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي