أيها الشباب: أخصُّكم بالحديث فقد منحكم اللهُ قوةً ونشاطاً وفتوةً وصحةً وفراغاً، فاستغلُّوا القوةَ والنشاطَ والصحةَ والفراغَ بكثرةِ النوافلِ والطاعات، واعلموا أنَّه من شبَّ على الطاعة شَابَ عليها، فجاهدوا أنفسكم بطاعة مولاكم، وكثرةِ التوبةِ والاستغفار، وفي ذلك من...
الحمد لله يُتابع على عباده مواسمَ الخيرات ليتزودوا من الطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ نحمدُه حمداً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أنَّ سيِّدنا وقدوتنا وحبيبَنا محمداً رسولُ ربِّ العالمين، وقدوةِ الناسِ أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، واحمدوا اللهَ أنْ مَنَّ عليكم بمواسمَ للخيرات، وأياماً لمضاعفةِ الحسنات، فما أنِ انقضى شهرُ رمضان جاء بعدَه فضيلةُ صيام ستٍّ من شوال، ونحنُ الآن نستقبلُ عشرَ ذي الحِجة التي فضَّلها اللهُ على سائر أيَّام العام، وقد أقسمَ الله بها في كتابه لعظمِ فضلها، قال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[الفجر: 1-3]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عَشْرُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْوِتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ"(أخرجه الإمام أحمد والحاكم).
وقال الإمام السعدي -رحمه الله-: "في أيَّام عشر ذي الحِجَّة الوقوفُ بعرفة الذي يغفرُ اللهُ فيه لعباده مغفرةً يحزنُ لها الشيطان، فما رُئي الشيطانُ أحقرَ ولا أدحرَ منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزُّل الأملاكِ والرحمةِ من الله لعباده، ويقعُ فيها كثيرٌ من أفعال الحج والعمرة، وهذه أشياء معظَّمَة، مستحِقَّةٌ لأن يُقسم الله بها".
أيها المسلمون: اغتنموا أيام عشر ذي الحجة بكثرة الطاعات، وتقربوا فيها إلى الله بنوافل العبادات، من صلاة وصيام تسعة أيام ابتداءً من اليوم الأول وإلى يوم عرفة لغير الحاج، وبكِّروا في الحضور للمساجد من حين النداء، ولا تتكاسلوا عن الحضور إليها مع الإقامة أو بعدها، فإنَّ في التبكير من الأجور والفضل الشيء العظيم، فالملائكة تستغفر لمن ينتظرُ الصلاة، والدعاءُ بين الأذان والإقامة مستجابٌ، فمِن قارئ للقرآنِ ومن سائلٍ للهِ يسألُه من خيري الدنيا والآخرة، ومن مُستغفرٍ مُسبِّحٍ مُهلِّلٍ ذاكرٍ لله، فلا تحرموا أنفسكم فضلَ التبكير إلى الصلاة.
عباد الله: إنَّ العملَ الصالحَ مندوبٌ إليه في كلِّ الأوقات وهو في أيَّام عشرِ ذي الحجة آكدُ وأفضل، فهي أفضل أيام الدنيا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَل أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ"(أخرجه البزار وصححه الألباني)، وفي صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ" يعني عشر ذي الحجة، قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: "وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ".
قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "استيعابُ عشرِ ذي الحِجة بالعبادةِ ليلاً ونهاراً أفضلُ من جهادٍ لم يَذهبْ فيه نفسُه وماله".
وقال الحافظ ابن حجرٍ -رحمه الله-: "الذي يظهر أنَّ السببَ في امتياز عشرِ ذي الحجة لمكان اجتماع أمهاتِ العبادة فيه، وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحجُ ولا يتأتى ذلك في غيره".
أيها الشباب: أخصُّكم بالحديث فقد منحكم اللهُ قوةً ونشاطاً وفتوةً وصحةً وفراغاً، فاستغلُّوا القوةَ والنشاطَ والصحةَ والفراغَ بكثرةِ النوافلِ والطاعات، واعلموا أنَّه من شبَّ على الطاعة شَابَ عليها، فجاهدوا أنفسكم بطاعة مولاكم، وكثرةِ التوبةِ والاستغفار، وفي ذلك من الفوائد والثمرات ما يعودُ عليكم بالنفع، فتوفيقُ الله وتيسيرُ الأمور، وسعةُ الرزق؛ والبركةُ في العمر والمال، مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بطاعة الله وبالتقوى، وقد أقبلت عليكم عشرُ ذي الحِجة فأروا اللهَ من أنفسكم خيراً، تسابقوا إلى ختم القرآن كلَّ ثلاث ليالٍ، وإلى التبكير لحضورِ صلاةِ الجمعة والصلواتِ المكتوبات، وطاعةِ الوالدينِ والبرِّ بهما، فكثيرٌ هم المقصِّرون في حقِّ والديهم، فطاعة الوالدين عبادةٌ من أعظم العبادات، اقضوا حوائجهما، وبادروهما بالخدمة، وأكرموهما بالمال قدرَ استطاعتكم، واطلبوا رضاهما صُبحاً ومساءً، فهنيئاً لمن رضي عنه والديه، وبُعداً وخساراً لمن أسخطَ والديه أو عصاهما، واحرصوا -أيها الشباب- على صلة الرحم، والكلمةِ الطيبة، وفضائلِ الأخلاقِ والأعمال، أصلحكم الله ومكَّنكم مما ينفعكم.
أيها الشباب: لا تُلهينَّكم الدنيا ولا تغفلوا عن الآخرة، ولا تجعلوا للملذاتِ المحرَّمةِ عليكم طريقاً، سُدُّوا طُرقَ الحرام جميعَها، لئلا يستهوينَّكم الشيطان فتقترفوا محرَّماً نهاكم اللهُ عنه، ولا تظنُّوا أنَّ السعادة واللذةَ والهناءةَ تُنالُ بلذَّةٍ محرَّمة، فإنَّ لذة الحرامِ وقتيَّةٌ يعقبُها حسرةٌ وندامةٌ وظلمةٌ في الوجه وتعسيرٌ للأمور وقفلٌ لأبواب الرزق، فاجتنوا المحرَّماتِ وافعلوا الطاعات تُفلحوا وتفوزوا، واعلموا أنَّ المعاصي يعظُمُ عقابُها بقدرِ فضل الزمان والمكان، قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "المعاصي في الأيَّام المفضَّلة والأمكنةِ المفضَّلةِ تغلُظ وعقابُها بقدرِ فضيلة الزمان والمكان".
فإيَّاكم والمعاصي احذروها وتوبوا إلى الله منها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي