جاءَ نجاحُ حجِّ هذا العامِ 1440هـ على مستوىً أذهلَ المتابعينَ؛ حيثُ أدَّى الحجاجُ حجَّهم بكلِّ يسرٍ وسهولةٍ, وقد لمسنا التنافسَ الكبيرَ من جميعِ الجهاتِ المشاركةِ في الحجِّ لخدمةِ الحجيجِ، وتيسير أدائهمِ لمناسكهِم في كلِّ المشاعرِ؛ في المسجدِ الحرامِ, وعرفاتِ, ومزدلفةِ ومنى، ولا نبالغُ إذا قلنا: "إنَّ موسمَ هذا الحجِّ لم يُعرفْ لهُ مثيلٌ في يُسرِ الحجِّ وسهولتِه"...
الحمدُ للهِ ربّ العالمين، الرّحمنِ الرّحيمِ، مالكِ يومِ الدّينِ, والعاقبةُ للمتقينَ ولا عُدوانَ إِلّا على الظالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُالله وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ-, ففي التقوى نجاتكم وفلاحكم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)[الحشر:18].
عبادَ اللهِ: إنَّ بلادنَا -المملكةَ العربيةَ السعوديةَ- لها مكانتُها المتميزةُ بين سائرِ الدولِ، ودورُها لا يخفَى على أحدٍ، ويكفيها شرفًا وفخرًا قيامُها على الحرمينِ الشريفينِ، قبلةِ المسلمينَ والزائرينَ، ومهوى أفئدةِ المتقين؛ أنفقتْ وتنفقُ وستنفقُ على الحرمينِ والمشاعرِ المقدسةِ الملياراتِ توسعةً وتطويرًا، وما نراهُ من توسعاتٍ عظيمةٍ وجسورٍ كبيرةٍ، وقطاراتٍ سريعةٍ، وأنفاقٍ واسعةٍ يؤكَّدُ هذه الحقيقةَ التي يلمسُها حجَّاجُ بيتِ اللهِ الحرامِ، وزوَّارُ مسجدِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-.
أيها المؤمنون: ومن ثمراتِ هذهِ التوسعاتِ وتلك الجهودِ المباركةِ جاءَ نجاحُ حجِّ هذا العامِ 1440هـ على مستوىً أذهلَ المتابعينَ؛ حيثُ أدَّى الحجاجُ حجَّهم بكلِّ يسرٍ وسهولةٍ, وقد لمسنا التنافسَ الكبيرَ من جميعِ الجهاتِ المشاركةِ في الحجِّ لخدمةِ الحجيجِ، وتيسير أدائهمِ لمناسكهِم في كلِّ المشاعرِ؛ في المسجدِ الحرامِ, وعرفاتِ, ومزدلفةِ ومنى، ولا نبالغُ إذا قلنا: "إنَّ موسمَ هذا الحجِّ لم يُعرفْ لهُ مثيلٌ في يُسرِ الحجِّ وسهولتِه".
لقد عملتْ جهاتٌ حكوميةٌ كثيرةٌ؛ فكوَّنتْ منظومةً متكاملةً من المشروعاتِ العملاقةِ, والتقنياتِ الدقيقةِ, والخدماتِ الكثيرةِ, والمواردِ البشريةِ والماليةِ الضخمةِ، كلُّها بُذلتْ تيسيرًا على الحجيجِ؛ ليؤدُّوا مناسكَهم على أتمِّ وجهٍ وأكملِه, والجميعُ يستشعرُ ويعملُ بقولِ ربِّنا -جلَّ وعلا-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود)[البقرة:125].
عبادَ اللهِ: شاهدنَا في حجِّ هذا العامِ الترتيبَ والتنظيمَ بدايةً من دخولِ الحُجَّاجِ إلى منافذِ المملكةِ برًّا وجوًا وبحرًا.
وشاهدنا الصورَ الجميلةَ الرائعةَ لرجالِ الأمنِ وما يؤدُّونه من خدماتٍ كثيرةٍ علاوةً على عملِهم الأساسيِ, وهو تحقيقُ الأمنِ وسلامةِ الحجيجِ؛ فهذا يساعدُ المحتاجَ، وهذا يُرشدُ التَّائهَ، وهذا يعينُ كبيرَ السنِّ، وذاكَ يعتني بالمرضَى، وآخرُ يَسقي العَطْشَى، وآخرُ يُعينُ أصحابَ الحاجَاتِ والمعاقينَ، وآخرُ يدفعُ مُسنًا عاجزًا ليرميَ الجمرةَ، وآخرُ يرفعُ ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ ليقبلَ الحجرَ الأسودَ، في مناظرَ تسرُّ الخاطرَ، وتريحُ النفسَ، وتدلُ على حُسنِ التوجيهِ وكريمِ الرعايةِ.
وشاهدنا سهولةَ الحركةَ وسرعةَ الوصولِ للمشاعرِ، ولا سيَّما في خدماتِ القطارِ السريعِ الذي يحملُ مئاتَ الآلافِ في تنقلاتِهم لمشاعرِ عرفاتَ ومزدلفةَ ومنَى.
وشاهدنا جهودَ الدعاةِ والمرشدينَ في مواقعَ كثيرةٍ لدلالتِهم الحجَّاجَ على الخيرِ، وتوجيههمِ ليؤدُّوا مناسكهم على الوجهِ الأكملَ، وهم يتأسَّون برسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ"(رواه مسلم).
ولمسنا ثمرات الحجِّ تتحققَ للحجاجِّ في مجالاتٍ كثيرةً, ومنها:
تحقيقُ التوحيدِ, فقد افتتحَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- حجَّتهُ بالتوحيدِ؛ كما جاء في حديثِ جابرٍ -رضي اللهُ عنهمَا-: "فأهلَّ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- بالتوحيدِ: لبيَّك اللهُم لبيَّك، لبيَّك لا شريكَ لكَ لبيَّك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ، لا شريكَ لك"(رواه مسلم).
ومن ثمراتِ الحجِّ: أنَّه يُرسِّخُ مفهومَ العبوديةِ الحقَّةِ، وذلك بالطاعةِ والاستسلامِ، فهو يقبِّلُ حَجرًا ويَطوفُ حولَ حجرٍ، ويَرمي حَجرًا بحجرٍ، ويترددُ بينَ جبلينِ، ويُسرعُ أحيانًا ويقفُ أحيانًا، كُلُّ ذلكَ امتثالاً واستسلامًا ومتابعةً، وهذا هو مقتضى العبوديةِ لله، والاتباعِ لرسولهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وصدق الله العظيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب)[البقرة:197].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم, ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ, أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه, صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه, ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين.
أما بعد: فاتقوا اللهّ -عبادَ اللهِ- واحرصوا على عبادةِ ربِّكم، واغتنمُوا أعمارَكم واستعدُّوا لما أمامكُمْ.
واعلموا أنَّ من ثمراتِ الحجِّ -أيُّها المؤمنونَ- أنَّ فيهِ تربيةً أخلاقيةً؛ فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحجِّ، فالكلُّ يتحفَّظُ عنِ الكلامِ السَّيءِ والفعلِ السَّيءِ.
ومن ثمراتِ الحجِّ: أنَّ فيهِ توحيدًا للأمةِ على الإسلامِ مهمَا اختلفتْ الألوانُ والأجناسُ، يدعون ربًّا واحدًا، ويؤدُّونَ عبادةً واحدةً دون أدنى فوارقَ بينهم.
ومنْ ثمراتِ الحجِّ: الإكثارُ من ذكرِ اللهِ في عرفاتَ ومزدلفةَ وعندَ الطوافِ ورميِ الجمراتِ، بل الحجُّ كلُّه ذكرٌ ودعاءٌ, فالصلةُ بالخالقِ قويةٌ، ومراغمةُ الشيطانِ في كلِّ منسكٍ من مناسكِه، وفي كلِّ يومٍ من أيامِه، قالَ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ للهِ"(رواه مسلم).
ومن ثمراتِ الحجِّ: أنَّ فيهِ تذكيرًا بيومِ المحشرِ؛ فهذه الوفودُ الكثيرةُ والحُشودُ العظيمةُ, بين ماشينَ وراكبينَ يقفونَ جميعًا, ويمشونَ جميعًا, ويُلبونَ جميعًا، كُلُّ ذلكَ يُذكِّرُ بيومِ الحشرِ؛ فتلينُ القلوبُ, وتستسلمُ لعلامِ الغيوبِ.
عبادَ اللهِ: جاءَ هذا النجاحُ الكبيرُ لحجِّ هذا العامِ؛ ليُسقطَ جميعَ الأقنعةِ المزيفةِ، ويُخرسَ أبواقَ الكذبةِ والمرتزقةِ، ويَدحرَ الحاقدينَ، ويُنهي أحلامهُم وأمنياتِهم الخبيثةَ حولَ هذا البلدِ الآمنِ، هذا البلدِ المعطاءِ.
لقد شَرِقَ الإعلامُ الكاذبُ وأبواقهُ المأجورةُ, ومرتزقتُه الحاقدونَ على بلادِ التوحيدِ الذين, راهنوا كثيرًا على فشلِ حجِّ هذا العامِ، ولكنَّهم باؤوا بالفشلِ الذَّريعِ، وخابوا وخسِروا، وفضحَ اللهُ كيدهُم في مشهدٍ حيٍّ واقعيٍّ رأيناهُ بأمِّ أعينِنَا، فنحمدُ اللهَ ونشكرُه، ونسألُه المزيدَ من فضلِه، فشكرًا لكلِّ مَنْ سَاهمَ في قيادةِ الحجِّ وأعطَى من وقتِه وجهدِه ومالِه، وزادَ اللهُ بلادنَا عزًّا وتمكينًا، وحفِظَ عليهَا قيادتَها وأمنَها واجتماعَ كلمتَها ووحدةَ صفِّها.
وهنيئًا لخادمِ الحرمينِ الشريفينِ وسُموِّ وليِّ عهدهِ, وسائرِ قياداتِ الحجِّ والعاملينَ لخدمةِ الحجاجِ، فلهم أجرُ كلِّ حاجٍ وزائرٍ أدُّوا حجَّهم وعُمرتَهم وزيارتهم لمسجدِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- بكلِ يُسرٍ وسهولةٍ، وألسنتُهم تلهجُ بالدعاءِ لهذا البلدِ المعطاءِ.
هذا وصلُّوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي