يجب أن تكون محبة الله ورسوله مقدمه على كل أمور الدنيا, فإذا تقدم شيء من الدنيا في القلب, إذا تزاحمت المحبة مع أمر من أمور الدين كالصلاة مثلا, فيخشى على المسلم من القدح في توحيده بشرك أكبر أو أصغر, فلا...
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، ومَنْ سارَ على نَهْجِه واقْتَفَى أثَرَهُ إلى يوم الدين.
أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[التوبة: 4], وحديثي اليوم عن الحب, لكنه ليس حب الأفلام والمسلسلات والقنوات, إنما حب فاطر الأرض والسماوات, حيث أن المؤمن يتميز عن غيره بحب الله -عز وجل-؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[البقرة: 165].
وحب الله من لوازم التوحيد ومن واجباته, أما الكفار فإنهم يحبون ما يعبدون من آلهة, ولذلك فإنه يجب على المسلم أن يكون حب الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من نفسه وأولاده والناس أجمعين, حتى إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي, فَقَالَ النَّبِيُّ: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ", فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي, فَقَالَ النَّبِيُّ -عليه الصلاة والسلام-: "الْآنَ يَا عُمَرُ"؛ يعني: اكتمل إيمانك يا عمر؛ ولذا فإن محبة الله هي الأصل, ومحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرع لها.
وحتى يزيد المسلم من محبة الله -عز وجل- فعليه تذكر نعم الله -عز وجل- عليه؛ فمن الذي أعطاك السمع والبصر, وأعطاك الأيدي والأرجل, وأعطاك العقل والقلب, وخلقك في أحسن صورة, ثم جعلك من أهل الإسلام من أبوين مسلمين ولم يجعلك كافراً, أليست هذه أفضال من الله -عز وجل- عليك, تستوجب منك أن تحب الإله وتقدر الإله العظيم؟! قال -تعالى-: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ)[الأعراف: 69], وقال -تعالى-: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)[الرحمن: 13]، لا تكذب وتجحد آلاء الله ونعمه, بل تشكره وتحمده عليها, بل ونحبه -سبحانه وتعالى- على ذلك, فالنفس مجبولة على حب من أحسن إليها؛ فالله -عز وجل- محسن لنا جميعاً, فلنفكر في نعم الله علينا؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[النحل: 18].
وحتى نصل إلى حب الله -عز وجل- علينا أن نعمل ما يحب الله -عز وجل- من أعمال, وأول هذه الأعمال الفرائض, ثم النوافل, وقد ثبت في الحديث القدسي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله -تعالى-: "إنَّ الله -تَعَالَى- قَالَ: مَنْ عادى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ, فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا, وَإنْ سَأَلَني أعْطَيْتُهُ, وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ"(رواه البخاري).
لذلك إذا كنت مهتماً بفرائض الدين من صلاة وزكاة وصيام وحج وترك المحرمات فهذا ما يحب الله, وحتى يزيد حب الله لك عليك أن تهتم أيضاً بالنوافل التي قبل الصلوات وبعدها, ونوافل الصدقات غير الزكاة المفروضة, وكذلك صيام التطوع غير صوم رمضان, وكذلك الحج والعمرة.
ثم تهتم بمن أحبهم الله في القرآن الكريم؛ فالله -تعالى- ذكر أصنافاً من المؤمنين يحبهم, فحاول أن تكون منهم؛ فالله -تعالى- يحب المتوكلين, ويحب المقسطين العادلين, ويحب المتطهرين والصابرين, ويحب التوابين, ويحب المحسنين, وابتعد عن الأمور التي لا يحبها الله -عز وجل-؛ فالله لا يحب الكافرين والمنافقين, ولا يحب المعتدين, ولا يحب المتكبرين, ولا يحب الخائنين, ولا يحب الظالمين, فابتعد عن هذه الصفات.
أقول ما سمعتم, واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
ثم اعلموا أنه يجب محبة الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-, ومحبة عباده المؤمنين الصالحين, ومحبة ما يحبه الله رسوله, وبغض وكره ما يبغضه الله ورسوله من الكفار والفاسقين والمنافقين, والمعاصي والآثام.
كما يجب تقديم محبة الله ورسوله على محبة الأولاد والأموال والنفوس والقبيلة والتجارة؛ قال -تعالى-: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 24]؛ قال ابن كثير: "أي: انتظروا ما يحل بكم من عقاب إذا قدمتم محبة هذه الأمور على محبة الله ورسوله وما يحب الله -عز وجل-".
لذلك يجب أن تكون محبة الله ورسوله مقدمه على كل أمور الدنيا, فإذا تقدم شيء من الدنيا في القلب, إذا تزاحمت المحبة مع أمر من أمور الدين كالصلاة مثلا, فيخشى على المسلم من القدح في توحيده بشرك أكبر أو أصغر, فلا تقدم حب نفسك أو أولادك أو قبيلتك أو جماعتك أو مالك أو ناديك الذي تشجع أو غير ذلك من محبوبات الدنيا, لا تقدمها على ما يحب الله ورسوله, خاصة عند تعارضها, فقدم في قلبك وعملك محبة الله ورسوله على كل شيء.
ألا صلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي