الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الانترنت

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
عناصر الخطبة
  1. الانترنت بين النعمة والنقمة .
  2. إفساد الانترنت للأطفال .
  3. خطر التحرُّشِ الجنسيِّ بالأطفالِ .
  4. صور من الاعتداء على الأطفال .
  5. أسباب وقوع الأطفال في شبكة التحرش .
  6. عوامل وقاية الأطفال من التحرش الجنسي. .

اقتباس

الْأَمْرُ جِدُّ خَطِيرٍ، وَيَحْتَاجُ لِيَقَظَةِ الْجَمِيعِ، وَالِانْتِبَاهِ لِمَا يُحَاكُ لِأَوْلَادِنَا، وَأَنْ تَتَضَافَرَ الْجُهُودُ مِنْ أَجْلِ التَّصَدِّي لِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَى أَطْفَالِنَا بِمُخْتَلَفِ الْوَسَائِلِ وَالطُّرُقِ... إِنَّ جَرِيمَةَ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ مِنَ الْقَضَايَا الَّتِي تُؤَرِّقُ الْعَالَمَ أَجْمَعَ، وَتُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ الْقَضَايَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي يَتِمُّ التَّكَتُّمُ عَلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَضِيحَةِ الْعَائِلِيَّةِ أَوِ الْعَارِ الِاجْتِمَاعِيِّ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: لَقَدِ اخْتَصَّ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَصْرَنَا الْحَالِي بِأَدَوَاتٍ وَثَقَافَاتٍ وَإِمْكَانَاتٍ لَمْ يَعْهَدْهَا آبَاؤُنَا وَلَا أُمَّهَاتُنَا، بِخِلَافِ عَصْرِنَا الْحَالِي؛ فَقَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ وَسَائِلُ التُّكْنُولُوجْيَا وَالْمُخْتَرَعَاتُ الَّتِي سَاهَمَتْ فِي نَفْعِ النَّاسِ، وَمِنْ أَهَمِّ تِلْكَ الْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي سَخَّرَهَا اللهُ لَنَا: شَبَكَةُ الْإِنْتَرْنِت الْعَنْكَبُوتِيَّةِ، وَالَّتِي يَسَّرَهَا الرَّبُّ -تَعَالَى- لَنَا مِنْ أَجْلِ تَوْظِيفِهَا فِيمَا يُلَبِّي حَاجَاتِنَا وَمُتَطَلَّبَاتِنَا الْمَشْرُوعَةِ، وَيُسَاعِدُنا عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي حَيَاتِنَا.

وَقَدْ نَفَعَ اللهُ -تَعَالَى- بِهَذَا الإِنْتَرْنِت الْبَشَرِيَّةَ نَفْعًا عَظِيمًا؛ بِزِيَادَةِ سُرْعَةِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ النَّاسِ، وَسُهُولَةِ التِّجَارَةِ، وَتَحْصِيلِ الْمَعْلُومَاتِ الْمُفِيدَةِ، وَمَعْرِفَةِ الْكَثِيرِ مِنْ أُمُورِ الدُّوَلِ الْأُخْرى فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ الَّتِي تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[إبراهيم:34]، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ تِلْكَ الْفَوَائِدِ الْعَظِيمَةِ إِلَّا أَنَّ صِنْفًا مِنَ الْبَشَرِ قَدْ شَغَلَتْهُمْ عَنِ الْغَايَةِ الْكُبْرى الَّتِي خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهَا، أَلَا وَهِيَ عِبَادَةُ اللهِ -تَعَالَى- وَتَوْحِيدُهُ وَتَعْظِيمُهُ.

كَمَا أَنَّهُمُ اسْتَغَلُّوهَا اسْتِغْلَالاً سَيِّئًا، عَنْ طَرِيقِ تَصْمِيمِ بَرَامِجَ وَقَنَوَاتٍ سَاعَدَتْ فِي نَشْرِ مَا يُرَوِّجُونَ لَهُ مِنَ الْإِبَاحِيَّةِ، وَالْجِنْسِ، وَالِاخْتِلَاطِ، وَالشُّذُوذِ، وَالْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَصَرْفِ النَّاسِ عَنْ دِينِهِمْ، وَإِشْغَالهِمْ بِالدُّنْيَا عَنِ الْآخِرَةِ؛ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ بَعْضَ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.

وَلَقْدْ أَدَّتْ تِلْكَ الْبَرَامِجُ وَالْقَنَوَاتُ إِلَى تَأَثُّرِ كَثِيرٍ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ تَأَثُّرًا عَظِيمًا بِمَا يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَلْعَابٍ وَصُوَرٍ وَمَقَاطِعَ وَأَفْلَامٍ تَحْتَوِي عَلَى أُمُورٍ جِنْسِيَّةٍ لَمْ يَعْهَدُوهَا فِي حَيَاتِهِمْ مِنْ قَبْلُ، وَالَّتِي يَتِمُّ اسْتِدْرَاجُهُمْ بِهَا مِنْ خِلَالِ مَوَاقِعَ مَخْصُوصَةٍ لِإِفْسَادِ أَخْلَاقِهِمْ وَصَرْفِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ؛ مِمَّا سَاعَدَ عَلَى ظُهُورِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِهِمْ، وَتَعْرِيضِهِمْ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْفَوَاحِشِ، وَالتَّعلُّقِ بِأَشْيَاءَ خَبِيثَةٍ غَابَتْ ثَقَافَتُهَا عَنْ حَيَاتِهِمْ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ جَرِيمَةَ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ مِنَ الْقَضَايَا الَّتِي تُؤَرِّقُ الْعَالَمَ أَجْمَعَ، وَتُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ الْقَضَايَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي يَتِمُّ التَّكَتُّمُ عَلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَضِيحَةِ الْعَائِلِيَّةِ أَوِ الْعَارِ الِاجْتِمَاعِيِّ، دُونَ بَذْلِ الْجُهودِ لِاسْتِئْصَالِهَا مِنْ مُجْتَمَعَاتِنَا مِمَّا يَجْعَلُهَا مَاضِيَةً فِي الِاسْتِفْحَالِ، غَيْرَ مُسْتَجِيبَةٍ لِمَا يُقَدَّمُ حِيَالَهَا مِنْ حُلُولٍ؛ مِمَّا دَفَعَ بَعْضَ الدُّوَلِ لِسَنِّ قَوَانِينَ رَادِعَةٍ لِلْمُتَحَرِّشِينَ بِالْأَطْفَالِ.

وَمَنِ اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْجَرَائِمِ الَّتِي حَدَثَتْ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَهِيبَ بِالْمُجْتَمَعِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَهَا، وَيَصُدَّ تَيَّارَهَا، وَيُضْعِفَ قُوَّتَهَا؛ حَتَّى لَا يُصِيبَنَا اللهُ -تَعَالَى- بِعَذَابٍ يَعُمُّ صَالِحَ النَّاسِ وَطَالِحَهُمْ؛ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

وَقَدْ وَصَلَتْ صُوَرُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْأَطْفَالِ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِت إِلَى مُسْتَوًى غَيْرِ مَسْبُوقٍ؛ حَيْثُ يَتِمُّ نَشْرُ الْآلَافِ مِنْهَا عَنْ طَرِيقِ الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ، وَالشَّبَكَاتِ الْمُشَفَّرَةِ لِمُرْتَكِبِي الْجَرَائِمِ الْجِنْسِيَّةِ، دُونَ أَنْ يُكْتَشَفُوا، مِمَّا يُضِيفُ تَحَدِّيَاتٍ إِضَافِيَّةً إِلَى التَّحْقِيقَاتِ الْجِنَائِيَّةِ وَالْمُحَاكَمَاتِ.

وَيُعَدُّ التَّسَلُّطُ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِت مَظْهَرًا خَطِيرًا مِنْ مَظَاهِرِ الْعُنْفِ، وَقَدْ يَرْتَبِطُ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الِاعْتِدَاءِ الْجِنْسِيِّ، وَقَدْ يَشْمَلُ عَرْضَ وَنَشْرَ صُوَرٍ وَمَشَاهِدَ ذَاتِ طَابِعٍ جِنْسِيٍّ؛ أَوْ تَشْجِيعَ التَّرْهِيبِ وَالتَّسَلُّطِ عَبْرَ الِإْنِتْرَنِت، بِهَدَفِ الْحُصُولِ عَلَى خِدْمَاتٍ جِنْسِيَّةٍ مِنَ الضَّحِيَّةِ، أَوْ إِرْغَامَ الضَّحِيَّةِ عَلَى أَدَاءِ أَفْعَالٍ جِنْسِيَّةٍ (ابْتِزَازٌ جِنْسِيٌّ).

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ جَرِيمَةَ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ جَرِيمَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ قَبِيحَةٌ، وَآفَةٌ خَطِيرَةٌ، وَدَاءٌ عُضَالٌ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ أَدَّتْ إِلَيْهَا أَسْبَابٌ، وَأَوْصَلَتْ إِلَى الْوُقُوعِ فِيهَا طُرُقٌ مُتَنَوِّعَةٌ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

ابْتِعَادُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ، وَضَعْفُ عَلَاقَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ؛ حَيْثُ فَرَّطُوا فِي طَاعَةِ اللهِ، وَقَصَّرُوا فِي الِاسْتِجَابَةِ لِأَمْرِهِ؛ حِينَهَا ضَعُفَ إِيمَانُهُمْ، وَقَلَّتْ مُرَاقَبَتُهُمْ لِرَبِّهِمْ؛ فَوَقَعُوا فِي الذُّنُوبِ الْأَخْلَاقِيَّةِ؛ كَالتَّحَرُّشِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْمِ لُوطٍ اسْتَنْهَضَهُمْ نَبِيُّهُمْ لُوطٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِقَوْلِه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ)[هود: 78]

وَمِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ: تَقْصِيرُ بَعْضِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ، وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ الْمَنُوطَةِ بِهِمْ؛ فَلَمْ يَعْرِفُوا عَنْ أَوْلَادِهِمْ مَعَ مَنْ يُجَالِسُونَ، وَمَعَ مَنْ يَخْرُجُونَ، وَلَمْ يُرَاقِبُوا تِلْكَ الْأَجْهِزَةَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِأَيِّ سَبَبٍ يُسَاعِدُهُمْ عَلَى حِفْظِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ؛ بَلْ تَرَكُوهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ دُونَ حَسِيبٍ أَوْ رَقِيبٍ؛ فَدَمَّرُوا أَخْلَاقَهُمْ، وَحَطَّمُوا الْفَضِيلَةَ فِي حَيَاتِهِمْ، يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(متفق عليه).

وَحِينَمَا تَقَعُ الْكَارِثَةُ يَعْرِفُ أُولَئِكَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ حَجْمَ تَقْصِيرِهِمْ، وَأَثَرَ تَفْرِيطِهِمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ: الرُّفْقَةُ السَّيِّئَةُ؛ وَالَّتِي هِيَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ وُصُولِ كَثِيرٍ مِنْ أَطْفَالِنَا إِلَى هَذِهِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَالْوُقُوعِ فِيهَا، وَكَمَا قَالَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّما مَثَلُ الْجلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً"(متفقٌ عَلَيهِ).

وَمِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ: الْإِعْلَامُ السَّيِّئُ بِجَمِيعِ وَسَائِلِهِ الْخَبِيثَةِ، وَفَسَادُ النُّظُمِ الرِّقَابِيَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَيْهِ، مِمَّا سَاهَمَ فِي تَمْرِيرِ صُوَرٍ وَمَنَاظِرَ وَأَفْكَارٍ مُشَوَّهَةٍ، تَعْمَلُ عَلَى إِثَارَةِ الْغَرَائِزِ الْجِنْسِيَّةِ غَيْرِ الطَّبِيعِيَّةِ عِنْدَ الْمُتَابِعِينَ، وَتَشْوِيهِ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الْمُحَافِظَةِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)[النور:19].

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْرُسَ أَوْلَادَنَا بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَأَنْ يَهْدِيَهُمْ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالْعِظَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، فَاسْتَغْفِرُوا اللهَ يَغْفِرْ لِي وَلَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ-، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ سَبَبٌ آخَرُ خَطِيرٌ جِدًّا مِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ جَرِيمَةِ التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْأَطْفَالِ، يَأْتِي هَذَا السَّبَبُ مِنْ جَانِبِ الْأَطْفَالِ، أَلَا وَهُوَ: أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِتِلْكَ الْبَرَامِجِ وَالْأَلْعَابِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ، وَلِمَا لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ سَلْبِيٍّ عَلَيْهِمْ فَهُمْ يَقُومُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ بِتَصْوِيرِ أَنْفُسِهِمْ صُوَرًا أَوْ مَقَاطِعَ فِيدِيو غَيْرَ أَخْلَاقِيَّةٍ، ثُمَّ يَقُومُونَ بِإِرْسَالِهَا إِلَى غَيْرِهِمْ دُونَ أَنْ يَضَعُوا فِي اعْتِبَارِهِمُ الْعَوَاقِبَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَغَيْرُ مُقَدِّريِنَ خُطُورَةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُرْسِلُونَهَا وَالَّتِي قَدْ تَنْتَشِرُ بِسُرْعَةٍ؛ وَلَا يُدْرِكُونَ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ طَوْعِهِمْ وَأَصْبَحَتْ لُعْبَةً بَيْنَ أَيْدِي أَصْحَابِ الْقُلُوبِ الْمَرِيضَةِ وَعَدِيمِي الْإيمَانِ؛ وَهَذَا مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ بَيْنَ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْأَطْفَالَ يَحْتَاجُونَ إِلَى رِعَايَةٍ كَبِيرَةٍ، وَرِقَابَةٍ شَدِيدَةٍ، خَاصَّةً فِي ظِلِّ انْتِشَارِ سُحُبِ الْفَسَادِ الْكَثِيفَةِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِمْ عَبْرَ الْإنْتَرْنِت؛ إِذْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْيَقَظَةِ وَالِانْتِبَاهِ مَا يَجْعَلُهُمْ فِي مَأْمَنٍ مِنِ افْتِرَاسِ ذَوِي الْفَاحِشَةِ، وَالتِّجَارَةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَلَكِنْ حِينَمَا تُرِكُوا يَجُولُونَ فِي صَفَحَاتِ الإِنْتَرْنِت حَسَبَ مَا يُرِيدُونَ بِلَا رَقِيبٍ وَلَا حَسِيبٍ؛ حَصَلَ مَا تَشِيبُ لَهُ رُؤُوسُ الْوِلْدَانِ؛ مِنَ التَّحَرُّشَاتِ الْجِنْسِيَّةِ، وَمُمَارَسَةِ الْفَوَاحِشِ، وَإِفْسَادِ الْأَخْلَاقِ وَالدِّينِ وَالْقِيَمِ، وَهُنَا يَأْتِي دَوْرُ رَبِّ الْأُسْرَةِ لِيَقُومَ بِدَوْرِهِ دُونَ تَفْرِيطٍ؛ فَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّ الْأُسْرَةِ مِنْ إِضَاعَتِهَا؛ فَقَالَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ"(رواه أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمرو).

فَالْأَمْرُ جِدُّ خَطِيرٍ، وَيَحْتَاجُ لِيَقَظَةِ الْجَمِيعِ، وَالِانْتِبَاهِ لِمَا يُحَاكُ لِأَوْلَادِنَا، وَأَنْ تَتَضَافَرَ الْجُهُودُ مِنْ أَجْلِ التَّصَدِّي لِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَى أَطْفَالِنَا بِمُخْتَلَفِ الْوَسَائِلِ وَالطُّرُقِ.

كَمَا يَجِبُ -أَيْضًا- تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى النَّهْجِ الْإِسْلَامِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ تَوَاصُلِهِمْ عَبْرَ هَذَا الْفَضَاءِ الْإِلِكْتُرونِيِّ، وَتَعْزِيزُ قِيَمِ التَّعَامُلِ وَالِاحْتِرَامِ وَالِاهْتِمَامِ بِالْآخَرِينَ، وَإِشْعَارُهُمْ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ فِي مَنْعِ كُلِّ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى سَلَامَتِهِمْ، وَتَرْبِيَتُهُمْ كَذَلِكَ التَّرْبِيَةَ الْإِيمَانِيَّةَ وَالسُّلُوكِيَّةَ الْقَوِيمَةَ الَّتِي تُنَفِّرُ مِنَ الْفُحْشِ وَالْفَوَاحِشِ، وَالْحَدِيثِ عَنِ الْعَوْرَاتِ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَمُتَابَعَةِ صُوَرِهَا وَمَقَاطِعِهَا، وَفِي تَرْبِيَتِهِمْ عَلَى تَقْوَى اللهِ وَمُرَاقَبَتِهِ دِرْعٌ حَصِينٌ لَهُمْ؛ كَمَا فِي وَصَايَا لُقْمَانَ لِابْنِهِ: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لقمان:16]؛ فَهَذَا الزَّادُ إِذَا تَشَبَّعَ مِنْهُ الْأَطْفَالُ وَقَاهُمْ مِنَ التَّشَوُّفِ إِلَى الْأُمُورِ الْجِنْسِيَّةِ وَمُتَابَعَةِ أَحْوَالِهَا.

وَيَجِبُ -أَيْضًا- تَعْلِيمُهُمْ كَيْفِيَّةَ ضَمَانِ حِمَايَةِ خُصُوصِيَّاتِهِمْ، وَالتَّعَرُّفِ عَلَى أَنْوَاعِ الْمَخَاطِرِ الَّتي تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِت، وَتَوْجِيهُهُمْ إِلَى تَعْزِيزِ قُدُرَاتِهِمْ عَلَى الصُّمُودِ أَمَامَ تِلْكَ الضُّغُوطِ، وَتَجنُّبُ الْحَالَاتِ الَّتِي قَدْ تُشَوَّهُ فِيهَا صُوَرُهُمْ، أَوْ يَتَعَرَّضُ فِيهَا شَرَفُهُمْ وَسُمْعَتُهُمْ لِلْخَطَرِ.

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إِيجَادُ الْبَدَائِلِ السَّلِيمَةِ الَّتِي يَجِدُ فِيهَا الْأَطْفَالُ مَا يَكْفِيهِمْ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى تِلْكَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمْ فِيهَا.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: الْحَيْطَةَ الْحَيْطَةَ، وَالْيَقَظَةَ الْيَقَظَةَ، قَبْلَ النَّدَمِ وَالْمُصِيبَةِ، يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ -وَخَاصَّةً أَوْلِيَاءَ الْأُمُورِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُرَبِّينَ- الْعَمَلُ عَلَى تَوْعِيَةِ الْأَطْفَالِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْجَيِّدِ فِي صَفَحَاتِ الإِنْتَرْنِت، وَتَحْذِيرُهُمْ مِنْ خُطُورَةِ التَّسَلُّطِ عَلَيْهِمْ وَابْتِزَازِهِمْ عَبْرَ الْبَرَامِجِ وَالْأَلْعَابِ الَّتِي تَعْرِضُ الْجِنْسَ، وَعَوَاقِبَهُ الْمَقْصُودَةَ وَغَيْرَ الْمَقْصُودَةِ؛ فَلْيَتَّقِ اللهَ الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ فِي الْأَمَانَةِ الَّتِي حَمَّلَهُمُ اللهُ إِيَّاهَا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ أَطْفَالَنَا مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ وَعَبَثِ الْعَابِثِينَ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى؛ فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: (إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي