إن من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ والمباني، حتى ولو لم يُقصد قبيح المعاني، والحلف بغير الله شرك أصغر، وصاحبه على إثم وخطر، وإذا قام بقلب الحالف أن المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحق الله صار شركاً أكبر
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله في الورود والصَدَر، وراقبوه فيما بطن من الأمور وظهر، واعبدوه حق عبادته في الآصال والبُكر، واشكروا نعمه فقد تكفّل بالمزيد لمن شكر، وخافوا مقامه واحذروا بطشه كل الحذر، (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيها المسلمون، اقدروا الله حق قدره، وانظروا في دلائل عظمته، وتفكروا في آياته وآلائه وملكه وسلطانه، وعجائب خلقه وإبداعه؛ لتزدادوا به إيماناً، وتخرّوا له إذعاناً وخضعاناً.
يقول تبارك وتعالى في كتابه المبين: (وَفِى الأَرْضِ ءايَـاتٌ لّلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20]، ويقول جل وعلا: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاوتِ وَلأرْضِ وَخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَلنَّهَارِ لآيَـاتٍ لأِوْلِى الألْبَـابِ) [آل عمران:190]، خلقٌ هائلٌ عجيب، وكونٌ عظيم مَهيب، شرق وغرب، وسلم وحرب، ويابس ورطب، وأجاج وعذب، وشموس وأقمار، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وحبّ ونبات، وجمع وأشتات، وأحياء وأموات، وآيات في إثرها آيات، فسبحانه من إله عظيم، أوضح دلالته للمتفكرين، وأبدى شواهده للناظرين، وبين آياته للغافلين، وقطع عذر المعاندين، وأدحض حجج الجاحدين، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ) [المؤمنون:14].
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله عز وجل فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه" أخرجه الدارمي.
ويقول النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: "ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة"أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات.
وروى ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم".
أيها المسلمون، وإن من دلائل عظمة المولى وقدرته جل وعلا ما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبرٌ من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يهزهنّ ثم يقول: "أنا الملك، أنا الملك"، يقول عبد الله بن مسعود: فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه تعجباً وتصديقاً لقوله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَلأْرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَلسَّمَـاوتُ مَطْوِيَّـاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67 ].
وقال صلى الله عليه وسلم: "أُذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" رواه أبو داود.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير". فسبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة لا إله إلا هو الحي الذي لا يموت.
أيها المسلمون، تلك بعض النصوص التي تدل على آيات الله الظاهرة، وقدرته القاهرة، وعظمته الباهرة، فهل قدرنا الله حق قدره؟! هل عظمناه حق تعظيمه؟! هل قمنا بحقه جل وعلا علينا، ونحن خلقه وعبيده؟!.
يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: عُفير، فقال: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً" متفق عليه.
أيها المسلمون، إن من أظلم الظلم وأعظم الإثم الإشراك بالله، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72]، ويقول جل وعلا: (فَجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأوْثَـانِ وَجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج:30، 31].
عباد الله، احذروا الشرك وطبائعه، ووسائله وذرائعه، واعلموا أن العلم به طريق الخلاص منه، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. متفق عليه.
أيها المسلمون، إن مما يؤسف له وقوع بعض المسلمين ممن قصر في باب العلم باعهم، وقلّ في شرع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم نظرهم واطلاعهم، وقوعهم فيما يناقض أصل التوحيد المقصود، أو كماله المنشود، مما يوجب التنويه والتنبيه على مسائل وأحكام في توحيد العبادة والطاعة للملك العلام، جاءت براهين القرآن الساطعة، وحجج السنة القاطعة ببيانها أيما بيان، وإيضاحها بما يروي الظمآن، ويغيث اللهفان، ويهدي الحيران، ويظهر أولياء الرحمن على أولياء الشيطان، (وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـاكَ بِلْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان:33].
أيها المسلمون، إن من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ والمباني، حتى ولو لم يُقصد قبيح المعاني، والحلف بغير الله شرك أصغر، وصاحبه على إثم وخطر، وإذا قام بقلب الحالف أن المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحق الله صار شركاً أكبر، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" أخرجه أحمد، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون" أخرجه أبو داود.
فلا يجوز الحلف بنبي أو ولي أو جني أو الكعبة أو الشرف أو الحياة، ولا يجوز الحلف إلا بالله أو أسمائه أو صفاته، ومن حلف بغير الله وجب عليه التوبة وعدم العودة.
فقد أخرج النسائي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية؛ فحلفت باللات والعزى فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته، فقال لي: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن يسارك ثلاث مرات، ولا تعد له".
أيها المسلمون، اجتنبوا الألفاظ الشركية المستشنعة، والكلمات المنهية المستبشعة، المقتضية مساواة الخالق بالمخلوق، كقول: ما شاء الله وشئت، ومالي إلا الله وأنت، وتوكلت على الله وعليك، وما جاء في معناها. ففي مسند الإمام أحمد أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت فقال صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده".
عباد الله، توسلوا إلى الله بأسمائه الحسنى وصفات العلى، توسلوا إليه بإظهار حاجتكم وضعفكم وافتقاركم إليه جل وعلا، توسلوا إليه بالعمل الصالح الحميد، وأعظمه تجريد التوحيد من ألوان الشرك والتنديد. توسلوا إليه بالتوسلات المشروعة، وإياكم والألفاظ المبتدعة والتوسلات المخترعة، التي هي من ذرائع الإشراك برب الأملاك والأفلاك، كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو حقه، أو حق الأولياء، أو غير ذلك من التوسل الممنوع والدعاء غير المشروع.
أيها المسلمون، احذروا ما يفعله الطغام وبعض العوام من التعلق بالتمائم والعزائم، فيلبسون الحلق والخيوط، وينظمون الودعات، ويعلقون الحروز والعظام والخرزات، ويحملون أنياب الذئاب وجلود الحيوانات، يعلقونها على الرقاب والدواب والأبواب، معتقدين دفعها الضراء وبوائق اللألواء، ورفعها البأساء وطوارق البلاء، ومنعها عين العائنين وحسد الحاسدين، وكل ذلك من الإشراك الموقع في الردى والهلاك؛ لأن الذي يجب أن يلجأ إليه، وأن تنزل المهمات والملمات عليه، إنما هو الله جل في علاه: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدُيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:18].
أيها المسلمون، إن تلك الخرافات والمعلقات لا تعصم من الآفات، ولا تحمي من الأمراض والبليات، والواجب نبذها ونزعها وطرحها وقطعها، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقةً من صفر، فقال: "ما هذه؟"قال: من الواهنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنها لا تزيدك إلا وهناً، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً"رواه أحمد، وقال عليه الصلاة والسلام: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"رواه أحمد، وله أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا! فقال صلى الله عليه وسلم: "إن عليه تميمة"، فأدخل يده فقطعها فبايعه ـ بأبي هو وأمي ـ صلوات الله وسلامه عليه، وقال: "من علق تميمة فقد أشرك".
ورُوي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رأى رجلاً وفي يده خيط من الحمى رُقي له فيه، فقطعه حذيفة وقال: "لو مت وهو عليك ما صليت عليك"، وتلا قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ) [يوسف:106].
أيها المسلمون، إياكم والذهاب إلى السحرة والكهان والمشعوذين والرَمَّالين والعرافين والمنجمين، وأهل الأبراج وقراءة الكف والفنجان والحازرين، الذين يدعون علم المغيبات، والكشف على المضمرات، فإنهم أهل غش وتدليس، وخداع وتلبيس، ونمنمات وتمتمات، وخرافات وخزعبلات، واستعانة بالجن واستغاثات، وحُجب تحوي حروفاً وأرقاماً وإشارات، بل إنهم يطلبون ممن يأتيهم ذبح حيوانات بألوان وصفات، يلطخون بدمها الأجساد والحيطان والعتبات، وهم في ذلك يتقربون للجان، ويعبدون الشيطان، ويشركون بالرحمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله"رواه مسلم.
ومن تلبيسهم وتدليسهم إعطاؤهم من يأتي إليهم أشياء تدفن وتغرق، وأخرى تسجر وتحرق، إلى غير ذلك من دخائلهم الكدرة، ودفائنهم القذرة، فاحذروا عباد الله إتيانهم أو سؤالهم أو تصديقهم، فقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"رواه أحمد، وعن عمران بن حصين مرفوعاً: "ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سحر أو سُحر له"رواه البزار.
أيها المسلمون، حافظو على صفاء التوحيد من الكدر، وكونوا من لوثات الشرك على حذر، واعلموا أنه لا يجوز التبرك بشجرٍ أو قبرٍ أو حجرٍ، أو بقعة أو غارٍ أو عينٍ أو أثر، فعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُنين، وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم – أي تبركاً بها – يقال لها: ذات أنواط، فمروا بسدرة خضراء عظيمة، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (جْعَلْ لَّنَا إِلَـاهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف:138]، إنها لسنن، لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة"رواه أحمد وغيره.
أيها المسلمون، اعلموا أنه لا يجوز التبرك بقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا مكان ولادته، ولا غيره من الأنبياء، ولا يجوز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم وثيابهم ومواطن عبادتهم، ولا يجوز التبرك بجدران المساجد أو ترابها أو أبوابها بتقبيلها أو التمسح بها، حتى ولو كان المسجد الحرام أو مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويُشرع تقبيل الحجر الأسود، ويُشرع مسح الركنين اليمانيين الحجر الأسود والركن اليماني، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين. متفق عليه.
ولا يُقصد بذلك التبرك بهما، وإنما يقصد التعبد والاتباع، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله إني لأقبلك، وإني أعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك" رواه مسلم.
وبالجملة فلا يجوز التبرك بشيء إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدل على جواز التبرك به.
أيها المسلمون، إن من الإشراك الموقع في الردى والهلاك الاستغاثة بالأموات ودعاءهم ونداءهم وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الشدائد والكربات، والتقرب لهم بالذبح والنذور، وبالطواف على القبور، وبتقبيل الأعتاب والجدران والستور، وبالعكوف عندها وجعل السدنة والحجاب عليها، إلى غير ذلك مما هو من عمل عباد الأوثان وأولياء الشيطان، وهو من الشرك الأكبر، المحبط للعمل المصادم لكتاب الله وسنة سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، يقول جل وعلا: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـافِرِينَ)، [الأحقاف:5، 6]، ويقول تبارك وتعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:13، 14].
أيها المسلمون، إن الغلو في قبور الأنبياء والصالحين باتخاذ المساجد والقباب عليها وتزيينها وجعل الستور عليها من كبائر الذنوب ووسائل الشرك؛ لما ينتج عن ذلك من تصييرها أوثاناً تعبد من دون الله.
وفي البخاري أن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت طفق يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد"رواه أحمد.
أيها المسلمون، إن البناء على القبور وتجصيصها وتقصيصها والكتابة عليها أمر غير مشروع، وفي ديننا مرفوض وممنوع، فعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر وأن يُقعد عليه وأن يبنى عليه. رواه مسلم. وزاد الترمذي وغيره بإسناد صحيح: وأن يُكتب عليه. وفي صحيح مسلم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لأبي هياج الأسدي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
عباد الله، إن قصد عبادة الله عند قبر نبي أو ولي وسيلة من وسائل الشرك، ومن اتخاذها مساجد، حتى ولو لم يبن عليها مسجد، ولذا لا يُشرع الدعاء عند القبور ولا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك من مواطن الإجابة، فقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم".
جعلني الله وإياكم من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، (يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّـادِقِينَ) [التوبة:119].
أيها المسلمون، إن من تعظيم الله تحكيم شريعته على عباده، والواجب على المسلمين وأئمتهم وقادتهم الخضوع لشرع الله، والاستسلام لحكمه، ومحاربة ما يخالفه من المبادئ والمذاهب الهدامة الوضعية، من شيوعية واشتراكية، وعلمانية وقوميّة، وغيرها من المذاهب، وإن الإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، ومن جحد أحقية حكم الله ورسوله، أو اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكم الله ورسوله، أو اعتقد أنه مثله، أو اعتقد جواز الحكم بما يُخالف حكم الله ورسوله، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وخرج من ملة الإسلام، يقول جل وعلا: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّـاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـالاً بَعِيداً) [النساء:60]، ويقول جل وعلا: (فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء:65].
أيها المسلمون، التشاؤم بالأيام والشهور، والتطير بالسوانح والبوارح من الطيور، من أعمال الجاهلية، التي جاءت بإبطالها الشريعة الإسلامية، وليس التشاؤم بالذي يغيّر القدر، ولا شهر صفر بالذي يأتي بالشرر والضرر، وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر".
فاتقوا الله عباد الله، وعلقوا القلوب بمالكها، علقوا القلوب بمالكها، وحاربوا الخرافة بجميع أشكالها.
وصلوا وسلموا على خير البرية، وأزكى البشرية، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي