اعلموا أن المتقين غير معصومين من الذنوب، فقد يذنبون ويخطئون في بعض الأوامر، وقد يرتكبون بعض الذنوب، لكنهم لا يستمرون على الأخطاء، بل يرجعون إلى الله -عز وجل-؛ فيتوبون مباشرة من الذنوب، ويلتزمون بأوامر الله -عز وجل-،...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
لقد علق الله -عز وجل- في كتابه العزيز خيرات عظيمة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أن الله -عز وجل- مع المتقي دائماً بحفظه ونصره وتأييده، قال -سبحانه وتعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة:194].
ومن فضائل وخيرات التقوى: محبة الله للمتقين؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[التوبة:4]، والتقوى سبب للأمن؛ فقد نفى الله -عز وجل- الخوف والحزن عن المتقي؛ فقال -سبحانه وتعالى-: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:38].
والتقوى فرقان بين الحق والباطل، وكفارة للسيئات ومغفرة للذنوب، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال:29]، ومن خيرات التقوى: النجاة من النار، قال الله -عز وجل-: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم:71]، وقال -تعالى-: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الزمر:61].
ومن ذلك أن التقوى سببٌ للخروج من شدائد الرزق وضيق الرزق، ويرزق الله -عز وجل- من حيث لا يحتسب؛ قال الله -عز وجل-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3]، ومن خيرات التقوى أن الله ييسر ويسهل أمور المتقين قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق:4]، ومن ذلك الوعد من الله بالجنة للمتقين؛ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)[القمر:54]، ومن خيرات التقوى الكرامة للمتقي عند الله -عز وجل-، قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات:13].
عباد الله: إن كلمة التقوى ذُكِرَتْ كثيرًا في كتاب الله -عز وجل- وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذًا ما معنى هذه الكلمة، وقد سمعتم فضائل المتقين، إن التقوى -يا عباد الله- معناها هي طاعة الله -عز وجل- بفعل أوامره والابتعاد عن نواهيه؛ فالمتقون يعملون بكتاب الله -عز وجل- فيحرِّمون حرامه، ويُحِلّون حلاله، المتقون لا يخونون الأمانة، ولا يقطعون الرحم، ولا يؤذون جيرانهم، ويصبرون على الأذى، ويعطون مَن حرَمهم ويعفون عمن ظلمهم.
المتقون لا يغتابون ولا يكذبون ولا ينافقون، المتقون لا يحسدون ولا يراءون ولا يرابون بأموالهم، ولا يرتشون ولا يقذفون، ولا يتهمون المؤمنين والمؤمنات بالزنا، أو ما ليس فيهم، ولا يأمرون بالمنكر بل يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر تلك صفات المتقين حقاً الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون، المتقون حقاً هم أهل الفضائل.
عباد الله: يجب على المسلم أن يحرص على اكتمال التقوى في نفسه بامتثال أوامر الله -عز وجل- واجتناب النواهي، وكذلك أوامر نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- واجتناب نواهيه؛ فأوامر الله -عز وجل- في القرآن كثيرة، منها الأمر بالإيمان بالله ورسله، والصلاة والزكاة والصيام والحج، وبر الوالدين وصلة الأرحام والجيران، والإحسان إليهم، وحسن الخُلق، وغير ذلك من الأوامر، ونهى الله -عز وجل- عن الشرك والكفر والنفاق والقتل والزنا واللواط والسرقة، واتهام المسلمين والمسلمات بالزنا والغيبة والنميمة والخمر والميسر وغير ذلك من المحرمات.
فعليك -أخي المسلم- أن تنفذ أوامر الله -عز وجل- جميعها التي في كتاب الله -عز وجل- وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن تنتهي عن كل المحرمات التي في كتاب الله -عز وجل- وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإذا قمت بذلك فأنت من المتقين إن شاء الله، وإن نقصت شيئًا منها؛ فإن التقوى تنقص لديك بقدر ما نقصت من أوامر الله -تعالى- أو ارتكبت من المحرمات التي حرمها الله -عز وجل-.
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من المتقين. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
كما سمعتم -أيها المسلمون- أهمية التقوى وفضائلها العظيمة، وأن المتقين هم السعداء في الدنيا والآخرة؛ وذلك لأجل امتثالهم أوامر الله –عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- واجتنابهم ما نهى الله عنه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ثم اعلموا أن المتقين غير معصومين من الذنوب؛ فقد يذنبون ويخطئون في بعض الأوامر، وقد يرتكبون بعض الذنوب، لكنهم لا يستمرون على الأخطاء، بل يرجعون إلى الله -عز وجل-؛ فيتوبون مباشرة من الذنوب، ويلتزمون بأوامر الله -عز وجل-، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حُسن"؛ فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نتبع السيئة الحسنة، فإذا أخطأت في شيء فارجع مباشرة إلى الله -عز وجل-، وتب إليه -سبحانه وتعالى-، وأكثر من الحسنات؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله --عز وجل--: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي