يجب تطهير البيت من آلات اللهو والمعازف، ومن الضرورة بمكان ضبط ما يُشاهَد في الفضائيات، وانتقاء النافع من المواد المشاهَدة دون الرديء؛ لأن إثم ما يُشاهد في الفضائيات -في الأعم الأغلب- أكثر من نفعه، وقد تجاوز تَعداد هذه القنوات ألف قناة فضائية...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: البيوت هي الأماكن التي يأوي إليها الناسُ لِيَجِدُوا فيها الراحة والأمن والطمأنينة، وأعظمُ زينةٍ للبيوت هي تقوى الله -تعالى-، والتقوى لا تتحقق إلاَّ بالتزام الآداب المشروعة للبيوت، ومنها:
أدب الاستئذان: ويتأكد ذلك في الأوقات التي يضع الناس فيها ثيابهم؛ كما قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النور:27]. فلا ينبغي أنْ تُقتَحَم هذه البيوت إلاَّ بعد الاستئذان الذي قَرَنَه الله -تعالى- بالإيمان.
ومن آداب البيوت: الاستئذان قبل الدخول على المحارم. حتى لو كانوا في بيتٍ واحد؛ لاحتمال أنْ يَدخل على أُمِّه أو أُخته، وهي في هيئة لا تُحب أن يراها فيه، أو تكون عُريانة، أو نحو ذلك، ولا يجوز أن يرى الرجلُ أُمَّه، ولا ابنته، ولا أخته، ولا ذات مَحْرم منه عُريانة.
عن علقمة قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عباس، قال: أستأذن على أُمي؟ فقال: "ما على كلِّ أحيانها تُحِبُّ أنْ تراها"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
وعن مسلم بن نُذير قال: سأل رجل حذيفة، فقال: أستأذِن على أُمِّي؟ فقال: "إنْ لم تستأذن عليها رأيتَ ما تكره" وفي رواية: "ما يسوؤك"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
وعن عطاء قال: سألتُ ابنَ عباس، فقلت: أستأذن على أختي؟ فقال: "نعم". فأعدتُ، فقلتُ: أُختان في حِجري، وأنا أمونُهُما، وأُنفق عليهما، أستأذنُ عليهما؟ قال: "نعم، أتُحِبُّ أن تراهما عُريانتين؟!" ثم قرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ...) إلى (ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ)، قال: "فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلاَّ في هذه العورات الثلاث". قال: (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ)، قال ابن عباس: "فالإذن واجب على الناس كلِّهم"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
ومن آداب البيوت: إلقاء السلام. فيُستحب السلامُ عند دخول البيت، وقد سمَّى اللهُ -تعالى- الجنةَ دارَ السلام؛ لما في السلام من الراحة والطمأنينة، المناسب لنعيم الجنة، قال الله -تعالى-: (لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)[الأنعام:127]. والسلامُ هو تحية أهل الجنة؛ كما في قوله سبحانه: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ)[يونس:10].
عن جابر -رضي الله عنه- قال: "إذا دخلتَ على أهلك، فسلِّم عليهم؛ تحيةً من عند اللهِ مُباركةً طيبة"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
فإنْ كان البيتُ خالياً؛ فقد استحبَّ بعضُ أهل العلم -من الصحابةِ وغيرِهم- أن يُسلِّم الرجلُ على نفسه؛ إنْ كان البيتُ خالياً. فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "إذا دخل البيتَ غير المسكون؛ فليقل: السلامُ علينا، وعلى عِبادِ الله الصالحين"(رواه البخاري في الأدب المفرد).
وينبغي لداخل البيت أن يُسمِّي الله -تعالى-؛ لأنَّ الشيطان لا بقاء له مع اسم الله -تعالى- واللهُ -تعالى- وَصَفَ الشيطانَ بقوله -سبحانه-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[فاطر:6]. ولا ريب أنَّ من أعظم الأسلحة التي يواجَه بها هذا العدو هو ذِكْره -سبحانه-: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الأعراف:200].
ولا ننسى وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- التي قال فيها: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ"(رواه مسلم).
ويُستحب الذِّكر عن الخروج من البيت؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ - يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ. وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ"(رواه الترمذي). وفي رواية: "فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ"(رواه أبو داود).
ومن آداب البيوت: إعلام أهل المنزل عند الدخول عليهم؛ لئلا يرتاعوا بمفاجأته، أو يكونَ كالمتخوِّن لهم، عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ"(رواه مسلم). قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إذا دخل الرجل بيته؛ استُحِبَّ له أن يتنحنح، أو يُحرِّك نعليه".
ومن الأدب: اللُّطف في الدخول إلى البيوت؛ بِغَضِّ الطرف والصوت، وخلعِ الحذاء، وصفِّه في المكان المناسب، ولا يدعه هكذا. يخلع اليُسرى أولاً، ويلبس اليُمنى أولاً.
ويُستحب السواك عند دخول البيت: عن شُرَيْحِ بنِ هانئٍ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ"(رواه مسلم).
ومن أهم آداب البيوت: أنْ يجعل المسلمُ في بيته نصيباً من الطاعات؛ كما أوصى بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لينال بركة هذه الطاعات، ويحث أهله على ذلك، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اجْعَلُوا في بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا"(رواه البخاري ومسلم). وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا"(رواه مسلم).
ويجعل لبيته نصيباً من تلاوة القرآن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ"(رواه مسلم).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أيها المسلمون: ينبغي للمسلم أنْ يُطهِّر بيتَه من المخالفات الشرعية؛ ليجتنب إثمها، وشؤمها على البيت وأهله، ومن ذلك: إبعادُ الصورِ والتماثيل عن البيت؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ"(رواه البخاري ومسلم). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ"(رواه البخاري). وعند مسلم بلفظ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ".
وآفةُ هذه التصاوير والتماثيل هو الرأس؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلاَ صُورَةَ"(رواه الإسماعيلي في معجمه). والصورة المُحرَّمة هي ما كانت ذات رأس، وإذا قُطِعَ الرأسُ انتفى التحريم؛ لأنها بدون الرأس لا تُسمَّى صورة.
ومن المخالفات الشرعية في البيوت: إيواء الكلاب وتربيتها في البيوت بدون ضرورة شرعية؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك بقوله: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَصَاوِيرُ"(رواه البخاري).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا، وَلاَ ضَرْعًا؛ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ"(رواه البخاري). وعند مسلم بلفظ: "أَيُّمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ؛ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ". واقتناء الكلاب هو أيضاً من التشبه بالكفرة.
والمسلم مُطالَب بنقضِ الصُّلبان التي في البيوت؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: "لَمْ يَكُنْ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ"(رواه البخاري). ولعلَّه -صلى الله عليه وسلم- أراد قياس نقضِ الصور المُحرَّمة على نقض الصلبان؛ لاشتراكهما في أنهما عُبِدَا من دون الله -تعالى-.
أيها المسلمون: يجب تطهير البيت من آلات اللهو والمعازف، ومن الضرورة بمكان ضبط ما يُشاهَد في الفضائيات، وانتقاء النافع من المواد المشاهَدة دون الرديء؛ لأن إثم ما يُشاهد في الفضائيات -في الأعم الأغلب- أكثر من نفعه، وقد تجاوز تَعداد هذه القنوات ألف قناة فضائية!
ومع أهمية متابعة الفضائيات في هذا العصر، ولا استغناء للمسلم عنها؛ كي يعيش في عصره، ولا يكون شاذاً عن الناس، ولكن ينبغي الحذر من بعض البرامج الهدامة المسيئة للدِّين والخُلُق القويم. ويُلحق بذلك توعية الأولاد بكيفية استعمال أجهزة الجوالات، فربما أضرتهم عند غياب الرقيب والمربي.
وصلوا وسلموا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي