الحب في الله

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. فضائل المحبة في الله تعالى .
  2. من الذين يحبهم المسلم في الله تعالى؟ .
  3. علامات الحب في الله ودلائله .
  4. جزاء المتحابين في الله عند رب العالمين. .

اقتباس

إنَّ من الحبِّ حبَّاً له فضل عظيم وثمرات عديدة، وهو الحبُّ في الله؛ ذلك الحب الذي لا يكون لأجل منفعة دنيوية، محبَّة في الله، ولله، فالمؤمن يُحبُّ أولياء الله من الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ويُحبُّ النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- أكثر من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي له الحمد كله وإليه يرجع الأمر كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70، 71].

عباد الله: إنَّ من الحبِّ حبَّاً له فضل عظيم وثمرات عديدة، وهو الحبُّ في الله؛ ذلك الحب الذي لا يكون لأجل منفعة دنيوية، محبَّة في الله، ولله، فالمؤمن يُحبُّ أولياء الله من الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ويُحبُّ النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- أكثر من نفسه وماله وولده ووالده والناس أجمعين، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"(أخرجه الشيخان).

وعلامة محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- طاعته واتباع أمره، وأصدق الناس محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو ألزمهم لسُنته وأعظمهم اتباعاً له، أمَّا مَن يدعي حبَّه وهو يخالف سنته فليس بمحبٍّ له -عليه الصلاة والسلام-.

والمؤمن -يا عباد الله- يحبُّ صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون؛ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وبقية العشرة، وأصحاب بيعة الرضوان، وأهل بدر، والمهاجرون والأنصار، وبقية الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-.

والمؤمن -يا عباد الله- يحب أئمة الإسلام الأربعة ومن بعدهم من الأئمة يحبهم لله وفي الله، والمؤمن كذلك يحب أهل الصلاح والتقوى من أهل العلم وعباد الله الصالحين، يحبهم لصلاحهم وتقواهم. روى ليثٌ عن مجاهدٍ عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "أَحِبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغِضْ لِلَّهِ، وَعَادِ فِي اللَّهِ، وَوَالِ فِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا تُنَالُ وِلَايَةُ اللَّهِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ مُواخَاةُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مَا لَا يُجْزِئُ عَنْ أَهْلِهِ شَيْئًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "من أحب شيئًا سوى الله -تعالى-، ولم تكن محبته له لله -تعالى-، ولا لكونه معينًا له على طاعة الله -تعالى-: عُذِّب به في الدنيا قبل يوم القيامة"(إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان1/38-39).

وسُئِلَ الإمام أحمد -رحمه الله- عَنْ الْحُبِّ فِي اللَّهِ؟ فَقَالَ: هُوَ أَنْ لَا يُحِبَّهُ لِطَمَعِ الدُّنْيَا. وَقال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "مَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ الَّتِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا تَكُونُ تَابِعَةً لِحُبِّهِمْ لِلَّهِ -تَعَالَى- فَإِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ. فَالْحُبُّ لِلَّهِ مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيدِ"(مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/ 306).

وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي ذَرٍّ: "أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ؟" قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "الْمُوَالَاةُ فِي اللهِ، وَالْمُعَادَاةُ فِي اللهِ، وَالْحُبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللهِ"(أخرجه الطبراني وحسنه الألباني).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ لِلهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلهِ، وَمَنَعَ لِلهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ"(أخرجه أبو داود وصححه الألباني). فالمتحابون في الله، ترابطهم فيما بينهم هو أعظم الترابط، وتواصلهم هو أعظم الصلات وأوثقها، ومحبتهم لبعضهم هي أصدق المحبة وأدومها، ولو تفرَّقت أبدانهم وتباعدت دورهم.

عباد الله: إنَّ للإيمان بالله حلاوة يجدها امرؤٌ أحبَّ مُسلماً في الله؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"(أخرجه الشيخان).

معاشر المسلمين: من ثمرات الحب في الله محبة الله -تعالى- لمن يحب فيه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- "أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ"(أخرجه مسلم).

وفي الحديث القدسي: "قال الله –تعالى-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني)؛ فالمتحابون في الله يزور بعضهم بعضاً، ويتناصحون فيما بينهم ويتعاونون على البر والتقوى ويتواصون بالحق وبالصبر.

عباد الله: ومن عظيم الجزاء للمتحابين في الله -تعالى- أنَّ الله يظلهم في ظله يوم القيامة، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي"(أخرجه مسلم). والمتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: المُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ"(أخرجه الترمذي وصححه الألباني).

والمرء -يا عباد الله- يحب الصالحين، ولو لم يكن منهم، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:

أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة

وأكره من تجارة المعاصي *** ولو كنا سواء في البضاعة

اللهم إنَّا نسألك حبَّك وحبَّ من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبّك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي