إياكم ومحقرات الذنوب

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
عناصر الخطبة
  1. ما هي محقرات الذنوب؟ .
  2. خطورة الاستهانة بصغائر الذنوب .
  3. الحذر من ذنوب الخلوات .
  4. من عقوبات الذنوب. .

اقتباس

إذا كان العاصي لا يتألم لمعصية اقترفها، ولا يضيق صدره منها، فليتفقد قلبه قبل أن يموت، عليه أن يجلو عنه الغشاوة والران الذي عليه حتى يكون قلباً حيَّاً عامراً بالتقوى والإيمان، يستعظم المعصية ولو كانت من الصغائر..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمرنا بأوامر لنفعلها، ونهانا عن منهيات لنجتنبها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، بلَّغ البلاغ المبين؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المجادلة:13].

عباد الله: إنَّ أي شيء حرَّمه الإسلام فالواجب اجتنابه وعدم الاستهانة به، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ"(أخرجه الشيخان). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني). فالذنوب يحاسب عليها العبد حتى ولو كانت مثقال ذرة، قال الله -تعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7-8].

معاشر المسلمين: إنَّ محقَّرات الذنوب هي التي يحتقرها فاعلها ويستهين بها، فكل ذنب احتقره مقترفه، فهو داخل في هذا الحديث، فانظر إلى نفسك يا عبد الله انظر إلى معاصٍ استهنتَ بها، فإنَّها إن اجتمعت وأُخذتَ بها أهلكتك ما لم تتب إلى الله منها، وإنَّه من نظر إلى عظمة الله -تعالى- فإنَّه لن يتجرأ على معصيته، فما بال أقوام يتهاونون في الصلاة، فلا يصلونها مع الجماعة في المسجد أو يؤخرونها حتى يخرج وقتها، أو يتهاونون في المحرمات القولية، يكذبون ويغتابون وبغيرهم يسخرون، اللعن على ألسنتهم أسهل ما يكون، وهم كذلك همَّازون لمَّازون، يؤذون بألسنتهم أقاربهم وجيرانهم ومعارفهم ومن يعاشرهم، ألا يعلمون أنَّ كلامهم مكتوب عليهم، قال الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18]، وقال الله -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار:10–12].

فكن يا عبد الله خائفاً من ذنبك، غير مستهينٍ به، فإنَّ الاستهانة بالذنوب من علامة الهلاك، وكلَّما صغر الذنب في عين فاعله عظم عند الله، لمَّا نزل الموت بمحمد بن المنكدر -رحمه الله- بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "والله ما أبكي لذنبٍ أعلم أنَّي قد أتيته، ولكنَّي أخاف أن أكون أذنبت ذنباً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم".

معاشر المسلمين: إذا كان العاصي لا يتألم لمعصية اقترفها، ولا يضيق صدره منها، فليتفقد قلبه قبل أن يموت، عليه أن يجلو عنه الغشاوة والران الذي عليه حتى يكون قلباً حيَّاً عامراً بالتقوى والإيمان، يستعظم المعصية ولو كانت من الصغائر.

لا تحقرنَّ من الذُّنوب أقلَّها *** إنَّ القليل إلى القليل كثيرُ

فيا من استهنت بالمعاصي تُبْ إلى الله واستغفره، فإنَّ الله غفور رحيم يتوب على من تاب ويغفر ذنب من استغفر، وأنت يا من تستمع إلى المعازف والأغاني وتستهين بها، أما آن لك أن تصون سمعك عنها فإنَّه لا خير في سماعٍ حرَّمه الله.

عبد الله: إنَّ سهولة الوصول إلى الحرام لا يسوِّغ اقترافه، ذلك أنَّ الحرام حرام ولو فُرش طريقه بالورد، ولو عُطِّر جوه بالمسك، ومهما دعتك نفسك إلى معصية فزُمَّها بزمام الشرع، وقل لها: يا نفس ما في المعصية خير، فإنَّ لذَّتها قصيرة وندامتها طويلة، قل لها: يا نفس انظري لعظمة الله فأطيعيه ولا تعصينه، فإنَّ النجاة في طاعته والخسارة والحسرة والندامة في معصيته.

خَلّ الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماشٍ فوق أرض *** الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة *** إنَّ الجبال من الحصى

معاشر المسلمين: احذروا ذنوب الخلوات مهما سهلت طرقها:

وَإِذَا خَلَوْتَ بِريبَةٍ في ظُلْمَةٍ *** والنَّفْسُ داعِيَةٌ إلى العصيان

فاستحي مِن نَظَر الإله وقُلْ لَهَا *** إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي

بعض الناس -يا عباد الله- يقع في المعاصي ثم يعصي ويعصي ولا يتوب، استهانة بالمعصية واغتراراً بإمهال الله، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "واعلم أنَّه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب، فإنَّ العقوبة تتأخر، ومن أعظم العقوبة ألا يُحسَّ إنسانٌ بها"(صيد الخاطر: 194).

وقال -رحمه الله-: "لا ينال لذَّة المعاصي إلا سكران الغفلة، فأمَّا المؤمن، فإنَّه لا يلتذ؛ لأنَّه عند التذاذه يقف بإزائه علم التحريم، وحذر العقوبة، فإن قويت معرفته، رأى بعين علمه قرب الناهي، فيتنغص عيشه في حال التذاذه"(صيد الخاطر:144).

وكَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- إِلَى مَسْلَمَةَ بْنِ مَخَلَدٍ: "سَلَامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ أَحَبَّهُ اللهُ، فَإِذَا أَحَبَّهُ اللهُ حَبَّبَهُ إِلَى عِبَادِهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ أَبْغَضَهُ اللَّهُ، فَإِذَا أَبْغَضَهُ بَغَّضَهُ إِلَى عِبَادِهِ"(جامع معمر بن راشد 10/ 451).

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ"(الداء والدواء:74)، قال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30].

اللهم إنَّا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنَّك أنت الغفور الرحيم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي