حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ أَعْظَمِ اسْمٍ، وَأَعْذَبِ اسْمٍ، وَأَجَلِّ وَأَجْمَلِ اسْمٍ.. عِنْدَ نُطْقِهِ تَشْعُرُ بِهَيْبَتِهِ، لَا تَمَلُّ مِنْ سَمَاعِهِ، وَلَا تَشْبَعُ مِنَ النُّطْقِ بِهِ، وَلَا تَمَلُّ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْهُ، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ أَوْ يَدَّعِيَهُ؛ إِنَّهُ اسْمُ (اللَّهِ)...
الْخُطْبَةُ الْأوْلَى:
إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ؛ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ أَعْظَمِ اسْمٍ، وَأَعْذَبِ اسْمٍ، وَأَجَلِّ وَأَجْمَلِ اسْمٍ.. عِنْدَ نُطْقِهِ تَشْعُرُ بِهَيْبَتِهِ، لَا تَمَلُّ مِنْ سَمَاعِهِ، وَلَا تَشْبَعُ مِنَ النُّطْقِ بِهِ، وَلَا تَمَلُّ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْهُ، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ أَوْ يَدَّعِيَهُ؛ إِنَّهُ اسْمُ (اللَّهِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم:65].
إِنَّ حَدِيثَنَا الْيَوْمَ عَنِ اسْمِ اللَّهِ أَعْرَفِ المَعَارِفِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُعْرِّفَ بِاللهِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ أَهْلِ الثَّناءِ وَالْمَجْدِ.. لَمَّا خَاطَبَ اللَّهُ مُوسَى قَالَ لَهُ فِي مَوْقِفٍ مَهِيبٍ خِطَابًا تَقْشَعِرُّ الْأَبْدانُ عِنْدَ سَمَاعِهِ، وَتَغْرَوْرِقُ الْعُيُونُ بِالدَّمْعِ عِنْدَ التَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلَ فِيهِ، فَعَرَّفَ اللهُ نَفْسَهُ لِمُوسَى فَقَالَ: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)[طه:14]؛ يَا لَعَظَمَةِ الْمَوْقِفِ! وَيَا لَسَعَادَةِ مُوسَى!
اللهَ اللهَ.. مَا أَعْذَبَ الْكَلِمَةَ! وَمَا أَحْسَنَ الاِسْمَ! عِنْدَ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ تَشْعُرُ بِالْعُذُوبَةِ.. عِنْدَ السَّمْعِ تَجِدُ هَيْبَتَهُ سَاكِنَةً فِي الْوِجْدَانِ، وَحِينَمَا أَرَادَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ -جَلَّ اللهُ- فَقَالَ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف:180]؛ فَأضَافَ سَائِرَ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ.
وَهَذَا الِاسْمُ الْعَظِيمُ لَهُ خَاصِّيَّةٌ عَظِيمَةٌ عَنْ سَائِرِ أَسْمَائِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَحِيَنَما نَذْكُرُ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ نَجِدُهَا كلَّهَا قَدْ تَضَمَّنَتِ اسْمَ اللَّهِ وَهِيَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ، بَلْ وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ عَبْدُاللَّهِ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اقْتَضَى أَحَبَّ الْأَوْصَافِ إلَيْهِ.
وَلِذَا ذَهَبَ جَمْعٌ غَفِيرٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ (اللهُ)، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أهْلِ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ "التَّوْحِيدُ" حِينَمَا اخْتَارَ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ "اللهُ" قَالَ: "اسْمُ اللَّهِ مَعْرِفَةُ ذَاتِهِ" مَنَعَ اللَّهُ –عَزَّ وَجَلَّ– خَلْقَهُ أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ أحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ يُدْعَى بِاسْمِهِ إلَهٌ مِنْ دونِهِ، جَعَلَهُ أَوَّلَ الْإِيمَانِ، وَعَمُودَ الْإِسْلَامِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ وَالْإِخْلَاصِ.. بِهِ تُفْتَتَحُ الْفَرَائِضُ، وَتَنْعَقِدُ الْأَيْمَانُ، وَيُسْتَعَاذُ مِنَ الشَّيْطَانِ" انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ.
وَافْتَتَحَ اللهُ كِتَابَهُ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ اسْمُ الْجَلَالَةِ بِاسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَيُفْتَتَحُ الْأَذَانُ وَيُخْتَتَمُ بِمَا يَشْمِلُ عَلَى اسْمِ الله، اللهُ أَكْبَرُ وَلَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَتُفْتَتَحُ الصَّلَاةُ وَتُخْتَتَمُ بِمَا يَشْمِلُ اسْمُ الله، اللهُ أَكْبَرُ، وَالسَلَامُ عَليْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، فَهَذَا الِاسْمُ الْعَظِيمُ لَا بُدَّ أَنْ يَرِدَ إلَى أسْمَاعِ الْمُسْلِمِ فِي الْيَوْمِ مِئَاتِ الْمَرَّاتِ، فَاللهُ -تَعَالَى- هُوَ الْاِسْمُ الْأَعْظَمُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَقْتَصِرُ عَلَى صِفَةٍ أَوْ خَاصِّيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ بَلْ هُوَ الَّذِي تُعَرَّفُ بِهِ أَسَمَاؤُهُ الْحُسْنَى وصِفَاتُهُ الْعُلَى، فَهُوَ اللهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَلَيْسَ فِي الْكَوْنِ إلَهٌ إلَّا اللهُ.
وَاسْمُ اللَّهِ عَلَمٌ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ، فَكَلِمَةُ التَّوْحِيدِ مُتَضَمِّنَةٌ اسْمَ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَادَ أحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ الْإِسْلَامَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْطِقَ بِسْمِ اللَّهِ؛ بَلْ وَأَفْضَلُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الْعَبْدُ مُتَضَمِّنَةٌ اسْمَ اللَّهِ.. قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ" حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
فَالنُّطْقُ بِـ"يَا اللهُ" أَمْرٌ لَا إِرَادِيٌّ، فَعِنْدَمَا يَقَعُ الْعَبْدُ فِي الْكَرْبِ تَجِدُهُ يُهْرَعُ فَيَقُولُ: يا اللَّهُ، وَحِيَنَمَا يَعْثُرَ إنْسانٌ أَوْ يَسْمَعُ مَا يُفْزِعُهُ تَجِدُهُ بِطَرِيقةٍ لَا إِرَادِيَّةٍ سَرِيعَةٍ بَدِيهِيَّةٍ يَقُولُهَا وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُ دُونَ اتِّفَاقٍ مُسْبَقٍ؛ يَقُولُونَ جَميعًا: بِسْمِ اللهِ فَبِسْمِ اللهِ مَعَنَا فِي كُلِّ لَحَظَاتِ حَيَاتِنَا، وَحِينَمَا يَشْعُرُ الْوَاحِدُ مِنَّا بِالظُّلْمِ أَوِ الْخَوْفِ يَقُولُ: "حَسْبِيَ اللهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ".
يَا عِبَادَ اللهِ: اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى اسْمِ اللهِ حَتَّى أَهْلُ الشِّرْكِ، كَمَا قَالَ اللهُ علَى لِسَانِهِمْ: (مَا نَعبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[الزمر:3]، وَقَالَ اللهُ عَنْهُمْ: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[العنكبوت:65]، وَكُلُّ مَكْرُوبٍ تَجِدُهُ حَالَ كَرْبِهِ يَقُولُ: "يَا اللهُ".
وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ -تَعَالَى- ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ)[الروم:30]؛ فَهُوَ اللهُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ الْعَبْدُ إلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إلَّا بِذِكْرِهِ، وَلَا تَفْرَحُ الْعُقُولُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، لَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إِلَيْهِ -تَعَالَى-، فَاللهُ هُوَ الْإلَهُ الَّذِي يُؤَلَّهُ فَيُعْبَدُ مَحَبَّةً وَإِنَابَةً وإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا وَإِكْرَامًا، فَهُوَ الْإلَهُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُؤَلَّهَ وَيُعْبَدَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ مِنْ لَدُنْ عَرْشِهِ إِلَى قَرَارِ أَرْضِهِ بَاطِلٌ، فَلَا إلَهَ إلَّا الَّذِي عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَأَعْظَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ ابْتَدَأَتْ بِسْمِ اللَّهِ (اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[البقرة:255].
وَأَعْظَمُ سُورَةٍ بِالْقُرْآنِ ابْتَدَأَتْ بِاسْمِ اللَّهِ، فَاسْمُ اللَّهِ هُوَ أَجَلُّ أَسْمَائِهِ، وَأَجْمَعُهَا، وَأَعْظَمُهَا، وَكُلُّهَا حَسَنَةٌ وَعَظِيمَةٌ، فَلَا يُعْرَفُ أحَدٌ تَسَمَّى بِاسْمِ اللَّهِ (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مريم:65]، فَغَيْرُ اللَّهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُتَّخَذَ إِلهًا يُعْبَدُ وَيُدْعَى، وَكُلُّ أَسْماءِ اللَّهِ -تَعَالَى- تَجْرِي مَعَ اسْمِ اللَّهِ مَجْرَى الصِّفَاتِ مَعَ الْأَسْماءِ؛ فَمَثْلًا تَقُولُ: مِنْ أَسْماءِ اللَّهِ كَذَا، وَمِنْ صِفَاتِ اللَّهِ كَذَا، فَلَا تَقُولُ مَثَلًا: مِنْ أَسْماءِ الْحَلِيمِ اللهُ، وَلَكِنْ تَقُولُ: مِنْ أَسْماءِ اللَّهِ الْحَلِيمُ؛ لِأَنَّ اللهَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ.
فاحْرَصُوا عِبَادَ اللهِ عَلَى فِهْمِ وَمَعْرِفَةِ عِظَمِ مَعْنَى اسْم الله، متَعَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيْم.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبةُ الثانيةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اسْمَ اللَّهِ وَمُنَادَاةَ اللهِ بِـ(يا اللَّهُ) تُشْعِرُ الْمُؤْمِنَ بِالْعِزَّةِ وَالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، وَالتَّعَلُّقِ بِهِ وَحْدَهُ، وَسُقُوطِ الْهَيْبَةِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْخَلْقِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ عَظَمَةِ اسْمِ اللَّهِ وَحُسْنِهِ -وَكُلُّ أَسْمائِهِ عُظْمَى وَحُسْنَى- أَنَّه يُسْتَحَبُّ أَلَّا تُبْدَأَ الرَّسَائِلُ وَالْمُكَاتَبَاتُ إلَّا بِاسْمِهِ فَتَقُولُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحِينَمَا رَاسَلَ سُلَيْمَانُ -عَلَيهِ السَّلَامُ- مَلِكةَ سَبَأٍ قَالَ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"[النمل:30]، وَكَانَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَاسَلَ بَدَأَ بِقَولِ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وَإِذَا بَدَأَ خُطْبَةً حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ"، وَحِينَمَا يُعَرِّفُ الْأَنبيَاءُ أَنْفُسَهُمْ إِلَى أَقْوَامِهِمْ يُبَيِّنُونَ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللهِ كَمَا قَالَ -تَعَالَى- حَاكِيًا عَنْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)[الصف:5]، وَقَالَ عَنْ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)[الصف:6]، وَقَالَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)[الفتح:29]، وَقَالَ اللهُ عَنْ أهْلِ الْجَنَّةِ: (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[يونس:10].
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ آثَارِ هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: "فَإِنَّ اللَّذَّةَ وَالْفَرْحَةَ وَطِيبَ الْوَقْتِ وَالنَّعِيمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَتَوْحِيدِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَانْفِتاحِ الْحَقَائِقِ الإِيمَانيَّةِ، وَالْمَعَارِفِ القُرْآنيَّةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: "لَقَدْ كُنْتُ بِحالٍ أَقُولُ فِيهَا: إِنْ كَانَ أهْلُ الْجَنَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إِنَّهُمْ لَفِي عَيشٍ طَيِّبٍ".. وَلَيْسَ لِلْقُلُوبِ سُرُورٌ وَلَا لَذَّةٌ تَامَّةٌ إلَّا فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّهُ، وَلَا تَكْمُنُ مَحَبَّتُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ كُلِّ مَحْبُوبٍ سِوَاهُ.. وَهَذِهِ حَقِيقَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ".
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي