فأما من ثقلت موازينه: وقفات وتأملات

حمزة بن فايع آل فتحي
عناصر الخطبة
  1. أهمية الموازين في الدنيا والآخرة .
  2. أصناف الناس عند الموازين وأحوالهم يوم القيامة .
  3. بعض الأعمال المثقلة للموازين يوم القيامة .

اقتباس

إخوة الإسلام: كما تُعظّم موازين الدنيا في البيع والشراء، ‏وجمع المال وحياة النفائس، فعظموها في الآخرة وحين قيام الناس لرب العالمين في تكثير الحسنات، وجمع الأجور التي تثقّل الموازين يوم القيامة. يا ليت ميزانَ الأجور يَضُمنا *** ويُغيثنا من فيضهِ المذخورِ حسناتُ ترجحُ ك بالجبال وثِقلها *** يا ربِّ من فضلٍ لكم منضورِ

الخطبة الأولى:

‏الحمد لله خلق الإنسان، وأنزل الفرقان، ووضع الميزان، وفتح لعباده الجنان، وحذرهم خطوات الشيطان، نحمده ونشكره، ومن كل ذنب بن نستغفره. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].

إخوة الإسلام: كما تُعظّم موازين الدنيا في البيع والشراء، ‏وجمع المال وحياة النفائس، فعظموها في الآخرة وحين قيام الناس لرب العالمين في تكثير الحسنات، وجمع الأجور التي تثقّل الموازين يوم القيامة.

يا ليت ميزانَ الأجور يَضُمنا *** ويُغيثنا من فيضهِ المذخورِ

حسناتُ ترجحُ ك بالجبال وثِقلها *** يا ربِّ من فضلٍ لكم منضورِ

قال عز وجل: (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ)[القارعة: 6-7] أي ثقلت بالأعمال الصالحة، ورجٍحت الحسناتُ بالسيئات، وهو ميزان حق وعدل؛ كما قال عز وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)[الأنبياء: 47].

ولما ضحك الصحابة -رضي الله عنهم- في مرةٍ من المرات من دقّة رجلي ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-، وهو المقرئ الفقيه المحدث، قال صلى الله عليه وسلم كما في المسند: "أتعجبون من دقّة ساقَيه" نحالتهما "والذي نفسي بيده إنهما لأثقلُ في الميزان من جبل أُحد" فوفّروا عملا لذلك الميزان، وادخروا له حسنات حتى تَنجَوا وتنعموا؛ كما قال تعالى في الفوز والنجاح: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ)[القارعة: 7] أي ينعم ويتلذذ، حيث المناعم الوافرة والأفنان الباذخة، والخلود الدائم، والطيبُ المستدام الذي لا يوصف: (أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ)[الرعد: 35].

فتفكّروا يا قومِ في الجناتِ *** وعوائد الميزان والعرَصاتِ

فالفوز للنُبل الكرام وسبقِهم *** وذهابِهم بالفضل والحسناتِ

وهذا هو الصنف الأول يوم القيامة، وهم: أهل الإيمان والسبق في الأعمال الصالحة.

ثم ذكر الله -تعالى- الصنف الثاني: ما لم يُقم للحسنات بالاً، ولم يرفع بها رأسا وأصر في تمرده، وغاص في لهوه وعُتوّه، فجاء يوم القيامة خاسراً، وحينما قرّعته القارعة في الدنيا سخر منها وضحك، حتى جاءت القارعة الصادقة الخاتمة، التي انخلع منها الخلائق، وخرجوا من قبورهم كالفراش المبثوث، وأصبحت الجبال بها كالعهن المنفوش، أي كالصوف الهزيل الذي تطير به الريح، فعاين ذلك المتلاعبُ نتيجة إهماله ‏وتساهله، حيث لا عمل له ولا قيمة؛ كما قال تعالى: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)[الكهف: 105].

وهنا قال عز وجل: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ)[القارعة: 8-9] أي مأواه جهنم، أو أنه يلقى على أمّ رأسه في السعير، بلا قيمة ولا تقدير، فلقد رأى الآيات واستكبر، وسمع المواعظ فعاند، وشاهد البراهين فلَج في غيه وغفلته، والله المستعان.

ثم قال عز وجل معظماً شأنَ النار: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ)[القارعة: 10-11] ‏أي شديدةُ الحرارة، وعظيمة الالتهاب فمن يطيقها؟ ومن يتحمل شدتها ونحن لا نقوى على نار الدنيا؟

وفي صحيح مسلم -رحمه الله- قال صلى الله عليه وسلم: "ناركم هذه التي يوقد ابنُ آدم، جزءٌ من سبعين جزءً من حر جهنم" قالوا: إن كانت لكافية (أي في عذابها) يا رسول الله؟ قال: "فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلها مثلُ حرَّها".

فاتقوا الله -عبادَ الله-، وتفكروا في دنياكم، وعاقبته أعمالكم.

اللهم ألهمني رشدنا، وقنا شر نفوسنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام ‏على من لا نبيَ بعده، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها الإخوة الكرام: ثقّلوا موازينكم بطاعة الله، وأملؤوها نورا وذكرا وعبادة، وقد وردت بعض العبادات المخصوصة في تثقيل الموازين يوم القيامة، نبّه عليها صلى الله عليه وسلم، ومن الضروري للمسلم العناية بها، والمبادرة إلى تحصيلها، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: "كلمتانِ خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم"، والذكر بابٌ من الخير واسع، ‏وميزان رابح، وعمل راجح، وثواب رائح.

وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عند أم المؤمنين جويرية -رضي الله عنها- بكرة، وعاد إليها وقت الضحى وما زالت في مصلاها تذكر الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد قلتُ بعدكِ أربعَ كلمات، ثلاثَ مرات، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوَزَنتهن: سبحان الله وبحمده، عددَ خلقِه ورضا نفسه وزنةَ عرشه، ومِدادَ كلماته"، وهذا فضل عظيم ما ينبغي التفريطُ فيه.

ومن الأعمال أيضا: مكارم الأخلاق، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء في الميزان أثقلُ من حسن الخلق" فحسّنوا أخلاقَكم مع الناس، ليناً وتوددا، وسلاماً وتبسما.

‏ومنها: شهود الجنائز والصلاة عليها ودفنها، قال في الحديث: "إنها أفضلُ في الميزان من جبل أُحد".

فحرّكوا العزمات -معاشرَ أهل الإسلام- وسارعوا إلى الله، واغتنموا أعمارَكم.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات...

اللهم ثقّل موازيننا بالأعمال الصالحة، والخصال الجامعة...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي