الصلاة على الكرسي

صالح بن مقبل العصيمي
عناصر الخطبة
  1. ظاهرة التساهل في الصلاة على الكرسي .
  2. أحكام الصلاة على الكرسي .
  3. الصلاة على الكرسي وصحة الصلاة .
  4. التحذير من التهاون في ترك السجود بلا عذر. .

اقتباس

والْعَجِيْبُ أَنَّ هُنَاكَ نُشَطَاءَ يُصَلُّونَ جُلُوسًا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ، فَتَجِدُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ثُمَّ يَقِفُ وَقْتًا طَوِيلًا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ؛ لِتَجَاذُبِ أَطْرَافِ الْحَدِيثِ مَعَ رُفَقَائِهِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ بِهِ الْقِيَامُ, بَلْ وَتَجِدُ بَعْضَهُمْ يُصَلِّي الْفَرْضَ جَالِسًا ثُمَّ تَحْضُرُ جِنَازَةٌ فَيُصَلِّي قَائِمًا, مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجَنَائِزَ فَرْضُ كِفَايَةٍ...

الخطبة الأولى:

إنَّ الـحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ, صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى, وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدِ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَهُمَا مَخْلُوقَانِ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ لَا يَرْفَعُهُمَا إلَّا اللهُ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنْهُمَا، وَلَقَدْ فَشَا أَمْرٌ لَا أَقُولُ إِنَّهُ ظاهِرَةٌ وَلَكِنْ أَخْشَى إِذَا تُرِكَ وَلَمْ يُحَذَّرْ مِنْهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلى ظَاهِرَةٍ؛ أَلَا وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى الْكَرَاسِيِّ, وَلَا أَقْصُدُ بِذَلِكَ صَلَاةِ الْعَاجِزِ؛ كَالْمَشْلُولِ أَوِ الْمَرِيضِ أَوْ كَبِيرِ السِّنِّ الَّذِي عَجَزَتْ قَدَمَاهُ أَنْ تَحْمِلَاهُ, فَهَذَا لَيْسَ مَحَلَّ التنبيه، وَإِنَّما الأَمْرُ مُتَعَلِّقٌ بِصَلَاةِ الصَّحِيحِ وَالْقَادِرِ عَلَى الْصَلَاةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاسِيِّ، حَتَّى أَصْبَحْتَ تَدْخُلُ بَعْضَ الْجَوَامِعِ فَتَجِدُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَكَأَنَّكَ فِي قَاعَةِ مُحَاضَرَاتٍ؛ حَيْثُ امْتَلأَتْ بِالْكَرَاسِيِّ.

بَلْ أَصْبَحَتْ بَعْضُ الْمَسَاجِدِ تَجْعَلُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ بِأَكْمَلِهِ كَرَاسِيَّ، وَكُلُّ مُتَّكَآتِ الْمَسْجِدِ حَوَّلَتْهَا إِلَى كَرَاسِيَّ, هَذَا فِي أَمَاكِنِ صَلَاةِ الرِّجَالِ، أَمَّا أَمَاكِنُ صَلَاةِ النِّسَاءِ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ، حَتَّى أَصْبَحْنَ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ يَتَعَثَّرْنَ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ كَثْرَةِ الْكَرَاسِيِّ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ أَجْرَ صلاة الْقَاعِدِ أنقص من أَجْر الْقَائِمِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"مَنْ صَلَّى قَاعِدَاً فَلَهُ نِصْفَ أجْرِ الْقَائِمِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِي فِيْ صَحِيْحِه), فَلِمَاذَا الْزُهْدُ فِيْ الأَجْرِ؟؛ وَالْرَّسُوْل -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مَا تَرَكَ الْصَلاة قَائِمَاً إِلاَّ إِذَا مَرِضَ، أَوْ طَالَ قِيَامُهُ، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُكْمِلُ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ قَائِم .

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ إلَّا بِهِ الْقِيَامُ؛ فَالْقِيامُ مَعَ الْقُدْرَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا أَوْ ناسِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَمَّا مَنْ تَرَكَهُ لِعَجْزِهِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَنْ كَانَ سَلِيمًا وَصَلَّى جَالِسًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ, وَسَوْفَ أُنَبِّهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْكَرَاسِيِّ إِلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالْمَسَائِلِ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَنْ عُذِرَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ جالِسًا، وَالْأَصْلُ أَنْ يَجْلِسَ مُتَرَبِّعَاً عَلَى الْأَرْضِ؛ لِقَولِ عَائِشَة: "رَأَيْتُ الْنَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يُصَلِّي مُتَرَبِّعَاً"(رَوَاهُ النَّسَائِيّ بسَنَدٍ صَحِيْح), فَإِنْ جَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الكُرْسِيِّ ويَسْتَطِيْع الْرُّكُوعَ أَو الْسُّجُوْد،  فَلَا تَصِحُ صَلاَتُهُ إِلاَّ بِالْرُّكُوعِ والْسُّجُودِ بِالْصِفَةِ الْمَعْرُوْفَةِ الْمَشْرُوْعَة، فَعُذْرُهُ يُبِيحُ لَهُ تَرْكَ مَا لاَ يَسْتَطِيْعُه مِنْ أَرْكَانِ الْصَلاَةِ، وَيَجِبُ علَيْهِ فعْلُ مَا يسْتَطِيْعه مِنْ أَرْكَانِهَا, بَلِ السُّجُودُ هُوَ أَهَمُّ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدَعَ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ فِي فَرْضٍ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمَا، فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهُمَا بِهَيْئَتِهِمَا الشَّرْعِيَّةِ وإِلَّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ.

أَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ وَصَلَّى عَلَى الكُرْسِيِّ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ؛ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ، وعِندَ الرُّكُوعِ يَجْعَلُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، أَمَّا عِندَ السُّجُودِ فيَجْعَلُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَّا إنْ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ, وَمِنَ الْأمُوْرِ الْمُهِمَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَسْتَطِيْعَ الْسُّجُوْد، وَلَكِنَّهُ لاَ يَتَمَكَنَ مِنْ ذَلِكَ إِذَا جَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيّ، وَلَكِنَّهُ إِذَا جَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيّ يَسْتَطِيْع الْقِيَامَ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ الْسُّجُوْدَ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ فالأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسَا،؛ فَإِنَّ الْسُّجُوْدَ وَالْرُّكُوْعَ لاَ يَسْقُطَانِ إِلاَّ لِلْضَرُّوْرَةِ.

وَعَلَى كُلٍّ أَوْلَى الْأَرْكَانِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْمَأْمُوْم الْسُّجُود ثُمَّ الْرُّكُوع ثُمَّ القِيَام؛ فَيُّقَدَمُ الْسُّجُودُ عَلَى الْرُّكُوعِ، ويُقَدَمُ السُّجُود والْرُّكُوعُ عَلَى القِيَامِ، فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيّ لاَ يَسْتَطيِع السُّجُودُ وَلَكِنَّهُ يَسْتَطيِع الْقِيَامَ وَالْسُّجُوْد، فَيُقَالُ: صَلِّ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى تتَمَكَنَ مِنَ الْسُّجُود.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا فِي النَّافِلَةِ، سَواءً عَلَى الْأرْضِ أَوْ عَلَى الْكُرْسِيِّ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ، وَلَكِن الأَحْوَط أَنْ يَأْتِي بِالرُّكُوعِ وَالْسُّجُوْدِ؛ حَيْثُّ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ- فِيْمَا رَوَى البُخَارِيّ يَقْرَأُ مِنْ صَلاَةِ الَليْلِّ جَالِسَاً, حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُوْرة ثَلاَثُوْنَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيةٍ قَامَ فَقَرأَهُنَّ ثُمَّ رَكَع، وَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ "إِذَا قَرَأَ قَاعِداً رَكَع وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

وَالمُلاَحَظُ عَلَى مَنْ يُصَلُّوْنَ عَلَى الْكَرَاسِيّ وَهُمْ نُشَطَاء، أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ الْسُّجُود بِالْصِفَةِ الْشَرْعيَّةِ مَع قُدْرَتِهِم عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنَّهُ إِذَا كَان صَحِيْحَاً، وَصَلَّى جَالِسَاً أَنَهُ يُومِي وَلاَ يَسْجُد.

الْمَسْأَلَةُ الثَالِثةُ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي صَلَاةِ الْعَاجِزِ غَيْرِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا مُتَرَبِّعًا؛ فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَكْمَلُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَإِنَّمَا يَلْجَأُ إِلَى الْكُرْسِيِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُدْرِكَ بَعْضَ الْقِيَامِ ثُمَّ إِذَا تَعِبِ أوْ أُرْهِقَ جَلَسَ لِيَسْتَرِيحَ، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكوعِ فَيَكُونُ أَيْسَرَ لَهُ إِذَا جَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ الرُّكوعَ كَامِلًا.

الْمَسْأَلَةُ الرَابِعةُ: مِنَ الْأُمُورِ الْمَلْحُوظَةِ أَنَّ بَعْضَ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّلَاةِ -وَهُمْ قِيَامٌ وَإِنَّما يُصَلُّونَ جُلُوسًا أَوْ عَلَى الْكَرَاسِيِّ- أَنَّكَ تَجِدُ الْبَعْضَ يَضَعُ أَمَامَهُ مَاصَّةً أَوْ وِسَادَةً لِيَسْجُدَ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُشْرَعُ، قَالَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ فِي (فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ) : "الْعَاجِزُ عَنِ الْقِيَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا عَلَى الْأرْضِ أَوْ عَلَى كُرْسِيٍّ إِنْ كَانَ أَرْفَقَ بِهِ، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فِي الْهَوَاءِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَى الْأرْضِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهُ اتِّخَاذُ مَاصَّةٍ وَوِسَادَةٍ يَسْجُدُ عَلَيْهَا", انْتَهَى كَلَامهَا.

ولَقَدْ عاد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مريضاً، فَفَرَآهُ يُصَلِّي علَى وسَادةٍ؛ فَأَخَذَها فَرَمَى بِهَا، وَقَال: "صلِّ علَى الأَرْضِ إِنِ استَطَعْت, وَإلَّا فَأَوْمِ إيماءً، وَاجْعَلْ سُجُوْدكَ أخْفَضَ مِنْ ركُوْعَك"(أَخْرَجَهُ البَيْهَقِي وَغَيْره بسَنَدٍ صَحِيْح).

والْعَجِيْبُ أَنَّ هُنَاكَ نُشَطَاءَ يُصَلُّونَ جُلُوسًا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ، فَتَجِدُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ثُمَّ يَقِفُ وَقْتًا طَوِيلًا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ؛ لِتَجَاذُبِ أَطْرَافِ الْحَدِيثِ مَعَ رُفَقَائِهِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ بِهِ الْقِيَامُ, بَلْ وَتَجِدُ بَعْضَهُمْ يُصَلِّي الْفَرْضَ جَالِسًا ثُمَّ تَحْضُرُ جِنَازَةٌ فَيُصَلِّي قَائِمًا, مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجَنَائِزَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

أمَّا المُتنَفِل عَلى الرَاحِلَة كَالْطَيَّارَة وَالْسَيَّارَة، فَإِنَّهُ يرْكَعُ وَيَسْجُدُ جَالسَاً، ويَكُوْنُ سُجُوْدَهُ أَخْفَضُ مِنْ رُكُوْعِه.

هْذِهِ هِي أَهَمُّ الْمسَائِل فِي صَلاَةِ الْجَالِسِ, أقول مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً, أمَّا بَعْدُ:

عباد الله: وَمَوْضِعُ الْكُرْسِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَجْعَلَ ظَهْرَ الْكُرْسِيِّ مُسَاوِيًا لِظَهْرِ مَنْ بِجَانِبِكَ بِحَيْثُ لَا تُؤْذِي مَنْ خَلْفَكَ, حَتَّى لَوْ تَقَدَّمْتَ فِي رُكُوعِكَ وَسُجُودِكَ عَلَى الصَّفِّ، كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاسِيُّ صَغِيرَةَ الْحَجْمِ بِحَيْثُ لَا تَأْخُذُ حَيِّزًا يُؤْذِي الْمُصَلِّين؛ لِأَنَّ الْمُلَاحظَ فِيْ كَثِيْرٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ يَضَعُوْنَ الكَرَاسِيّ كَبِيرَةِ الْحَجْمِ، وَمِنَ المُلَاحظِ أَيْضَاً تَسَاهُلِ النَّاسِ فِيْ وَقْفِ الْكَرَاسِيّ عَلَى الْمَسَاجِدِ، وَكَأَنَّهُمْ يُعِيْنُونَ الْنَّاسَ عَلَى الْكَسَلِ، حَتَّى أَصْبَحْتَ تَجِدُّ فِيْ مُؤَخَرَاتِ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ عَشَرَاتُ الكَرَاسِيّ، حَتَّى إِنَّهَا فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ تَفُوْقُ أَعْدَادَ المُصَلِّيْن.

وَيَتَأَذَّى كَثِيْرٌ مِنَ الْأئِمَةِ مِنْ إِحْضَارِ بَعْضِ الْمُحْسِنِيْن للْكَرَاسِيّ بِدُوْنِ عِلْمِ القَائِمِيْنَ عَلَى المَسْجِدِ أَوْ إِذْنِهِم, حتَّى تَجِدَ فِي مُؤَخِّرَةِ بَعْضِ المَسَاجِدِ كَأَنَّهَا مُسْتَودَعَات، وَلَيْسَ مِنْ حَقِ أَحَدٍ أَنْ يُوْقفُ شَيْئَاً بِدُوْنِ عِلْمٍ أَوْ إِذْنِ أَصْحَابِ الْشَأْنِ، وَعَلَى أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ أَنْ يتَخَلَّصُوا مِنْ هَذِهِ الْكَرَاسِيّ الْزَائِدَة الَّتِي لاَ حَاجَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا تُعِيْن الْنَّاسَ علَى الْكَسَل،ِ أَوْ تُعِيْقُهُم عِنْدَ دُخُوْلِهِم أَوْ خُرُوْجِهِمْ مِنَ الْمَسَاجِد.

أَعَاننَا اللهُ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ، وأَعَانَنَا مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ, الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمَّ اهْدِنا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِنا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا شَرَّمَا قْضَيْتَ؛ إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، لَكَ الْحَمدُّ عَلَى مَا قَضَيْت، وَلكَ الشُّكْرُ علَى مَا أَعطَيتْ, نسْتَغفِرُكَ اللَّهُمَّ مِنْ جَمِيعِ الذُنُوبِ والْخَطَايَا وَنَتُوبُ اٍلَيْك. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ, وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا, لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ, وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي