حسن الظن بالله.. حقيقته، وأدلته، وأسبابه، ومنزلته في الاعتقاد

عبد الرحمن بن سعد الشثري
عناصر الخطبة
  1. أهمية حسن الظن بالله تعالى .
  2. أبرز معاني ودلالات حُسن الظنِّ بالله .
  3. حقيقة حسن الظن بالله جل وعلا .
  4. أحوال يُتأكَّدُ فيها حُسنُ الظنِّ بالله تعالى. .

اقتباس

إن من أبرز معاني ودلالات حُسن الظنِّ بالله: حُسنُ العبادة وإتقانُها وإخلاصُها ورجاءَ رحمةِ اللهِ وحُصول عفوه ومغفرته، ويقينُ العبد بوعد الله ووعيده، مع اعتقاد ما يليق بالله من أسمائه وصفاته وأفعاله، واعتقاد الحِكم العظيمة فيما قدَّرَهُ الله، وأن تتوقعَ كُلَّ جميلٍ من الله -تعالى-، مع إحسانِكَ فيما أمرَكَ اللهُ، وتركِ ما نهاكَ الله عنه...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، شُكْراً لِنِعْمَتِهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، إقراراً برُبُوبيَّتِهِ ووَحْدَانِيَّتِهِ، وصلَّى اللهُ على خِيرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ، محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ الطَّيِّبينَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

أيها المسلمون: إنَّ مِنْ أخصِّ مسائلِ التوحيدِ أن تُحْسِنُوا الظَّنَّ بربِّكم، قال ابنُ القيِّم: "وكُلَّمَا كانَ العبدُ حَسَنَ الظَّنِّ باللهِ، حَسَنَ الرَّجاءِ لهُ، صادقَ التوكُّلِ عليهِ، فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فيهِ الْبَتَّةَ، فإنهُ -سُبحانهُ- لا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، ولا يُضَيِّعُ عَمَلَ عامِلٍ.. فإنهُ لا أَشْرَحَ للصَّدْرِ، ولا أَوْسَعَ لهُ بعدَ الإيمانِ مِنْ ثِقَتِهِ باللهِ ورَجائهِ لهُ وحُسْنِ ظَنِّهِ بهِ" انتهى.

وبوَّبَ شيخُ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في كتاب التوحيد: بابُ قولِ الله -تعالى-: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)[آل عمران:154]، ليُنبِّه -رحمه الله- على وُجوبِ حُسنِ الظَّنِّ باللهِ ومنزلتهِ في الاعتقاد.

أيها المسلمون: إن لِحُسْنِ الظَّنِّ بالله أهمية عظيمة، ومن أبرز ذلك:

أولاً: امتثالُ أمرِ الله ورسولِه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، قال -تعالى-: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[الفتح: 6-7]، وَعنْ جابرٍ قالَ: سَمعتُ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَبْلَ وفاتهِ بثلاثٍ يقولُ: "لا يَمُوتَنَّ أحَدُكُمْ إلاَّ وهوَ يُحْسِنُ باللهِ الظَّنَّ"(رواه مسلم).

ثانياً: ارتباطُ حُسنَ الظنِّ بالله -تعالى- بنواحٍ عَقَديةٍ كثيرةٍ، من الإيمان بالله والاستجابة لأمره، والإيمان بقضائهِ وقَدَرِه، والتوكُّلِ عليه، والاستعانةِ به، وخوفهِ ورجائهِ، والإيمان بأسمائه وصفاته.. الخ.

ثالثاً: حُسن الظنِّ بالله من أعمال القُلوب التي تُجمِّلُ العبادات فتظهرُ على الجوارحِ، ومن المتقرِّر في اعتقاد أهل السنة أن العَمَل من الإيمان، ولذلك كان السلف يعملون الصالحات ويسألون الله حُسنَ الظنِّ به، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: أنهُ كانَ يَدْعُو: "اللهُمَّ إني أسأَلُكَ صِدْقَ التَّوكُّلِ عليكَ، وحُسْنَ الظَّنِّ بكَ"(رواه أبو نُعيم في الحلية).

رابعاً: إنَّ منَ الناسِ من لا يَظُنُّ باللهِ إلاَّ بما يحصلُ له، فإنْ أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ، وإنْ أصابَهُ بَلاءٌ انقلبَ على وَجْهِهِ وظنَّ أنه لا يستحقُّ هذا البَلاء، قال -تعالى-: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)[الفجر:15-16].

فَمَا حقيقةُ حُسنِ الظنِّ بالله؟ وما أدلَّتُه وعلاقتُه بالعَمل؟ وما أهميتُه وصلتُه بالعقيدة؟ وما الأسباب الشرعية الموصلة إلى تحقيقه؟ وما الأحوال التي يتأكَّدُ فيها حُسنُ الظنِّ بالله -تعالى-؟

عبادَ الله: إن من أبرز معاني ودلالات حُسن الظنِّ بالله: حُسنُ العبادة وإتقانُها وإخلاصُها ورجاءَ رحمةِ اللهِ وحُصول عفوه ومغفرته، ويقينُ العبد بوعد الله ووعيده، مع اعتقاد ما يليق بالله من أسمائه وصفاته وأفعاله، واعتقاد الحِكم العظيمة فيما قدَّرَهُ الله، وأن تتوقعَ كُلَّ جميلٍ من الله -تعالى-، مع إحسانِكَ فيما أمرَكَ اللهُ، وتركِ ما نهاكَ الله عنه، قالَ الخَطَّابيُّ: "إنما يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ مَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ، فكأنهُ قالَ: أحْسِنُوا أعمالَكُمْ يَحْسُنْ ظنُّكُمْ باللهِ، فمَنْ ساءَ عَمَلُهُ ساءَ ظَنُّهُ، وقد يكونُ أيضاً حُسْنُ الظَّنِّ باللهِ مِنْ ناحيةِ جهةِ الرَّجاءِ وتأْمِيلِ العَفْوِ" انتهى.

فحقيقةُ حُسنِ ظَنِّكَ باللهِ: أن تَظُنَّ بربِّكَ معاني الخيرِ كُلِّها، فإذا عملتَ عَمَلاً صالحاً تَظُنِّ بربِّكَ الشاكرِ الشكورِ أنْ يَتقبَّلَ عَمَلَكَ بالقَبُولِ الحَسَن، وإذا تُبتَ إليه توبةً نصوحاً تظنُّ به وهو الرحمن الرحيم الغفور أنْ يغفرَ لك، وإذا دعوتَهُ بإخلاصٍ وصوَابٍ أنه وهو القريب المجيب أنْ يستجيبُ لكَ، قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "فإذا سألتُمُ اللهَ -عزَّ وجَلَّ- أيها الناسُ، فاسأَلُوهُ وأنتُمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ"(رواه الإمام أحمد وحسَّنه المنذريُّ والهيثمي).

عبادَ الله: لقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب حُسن الظنِّ بالله على جِهةِ اليقينِ والجزم، قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)[الحاقة:19-20]، قال قتادة: "ظَنَّ ظَنَّاً يَقِيناً فنَفَعَهُ اللهُ بظنِّهِ"، وقال ابنُ زيدٍ: "إنَّ الظَّنَّ من المؤمنِ يَقِينٌ"(رواهما ابنُ جرير)، وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "لا يَمُوتَنَّ أحدُكُمْ إلاَّ وهوَ يُحْسِنُ باللهِ الظَّنَّ"(رواه مسلم)، قال الطيبيُّ: "أيْ: أحسِنُوا أعمالكُمُ الآنَ حَتَّى يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ باللهِ عندَ الموتِ، فإنَّ مَنْ ساءَ عَمَلُهُ قبلَ الموتِ يَسُوءُ ظَنُّهُ عندَ الموتِ" انتهى، وقالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "يقولُ اللهُ -تعالى-: أَنا عندَ ظَنِّ عَبْدِي بي"(متفقٌ عليه)، قال القُرطبيُّ: "قيل: معناه: ظنُّ الإجابة عند الدُّعاء، وظنُّ القَبُولِ عند التوبة، وظنُّ المغفرة عند الاستغفار، وظنُّ قبول الأعمال عند فعلها على شروطها، تَمَسُّكَاً بصادقِ وَعْدهِ وجزيل فضله" انتهى، وقال ابن حجر: "أيْ: قادرٌ على أنْ أعْمَلَ بهِ ما ظَنَّ أني عاملٌ بهِ" انتهى.

عبادَ الله: وأما الأحوال التي يتأكَّدُ فيها حُسنُ ظنِّكَ بالله -تعالى-، فقد قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ باللهِ -تعالى- مِنْ عِبادةِ اللهِ"(رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبيُّ).

فأنتَ يا عبدَ الله لا حولَ لكَ ولا قوة إلا بالله، فتُحسنَ الظنَّ بربِّك دائماً، وخاصةً في هذه المواضع:

أولاً: عند نُزولِ الكربِ وشدَّة البَلاء بكَ، قال -تعالى-: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[التوبة: 117-118]؛ فلم يكشفِ اللهُ ما نزلَ بهم من الكرب العظيم إلا بعد ما أحسَنُوا الظنَّ بالله.

ثانياً: عندَ تَضَرُّعِكَ ودُعائِكَ: فتُوقنُ بقدرةِ مَن توجَّهتَ إليه وسَعَةِ رحمته وتمام لطفه وشُمول فضله وأنه -سبحانه- لا يَردُّ سائلاً ولا يخيّب راجياً، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186].

قال ابن القيم: "وحُسنُ الظَّنِ بالله لقاحُ الافتقارِ والاضطرارِ إليهِ، فإذا اجتمَعَا أثمرَ إجابةَ الدُّعَاء" انتهى.

ثالثاً: عند التوبة، فيُشرعُ لك تجديد التوبة؛ لأنك مجبولٌ على الخطأ، فتُجدِّدُ التوبة مع إحسانِ ظنِّكَ بالله التوابِ أن يتقبَّلَ توبتك، عن أبي هريرةَ عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيما يَحْكي عنْ رَبِّهِ -عزَّ وجلَّ-، قالَ: "أذنَبَ عبدٌ ذنْباً، فقالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، فقالَ تباركَ وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فعَلِمَ أنَّ لَهُ ربَّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثمَّ عادَ فَأَذْنَبَ، فقالَ: أيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، فقالَ تباركَ وتعالى: عَبْدِي أذْنَبَ ذَنْباً، فعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عادَ فأَذْنَبَ فقالَ: أيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبي، فقالَ تباركَ وتعالى: أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فعَلِمَ أنَّ لَهُ ربَّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقدْ غَفَرْتُ لَكَ"(رواه مسلم)، وبوَّبوا لهذا الحديث: "بابُ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وإنْ تَكَرَّرَتِ الذُّنُوبُ والتَّوْبَةُ".

اللهم ارزقنا حُسن الظنِّ بكَ يا رحمنُ يا رحيم.

الخطبة الثانية:

إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسولُه.

أمَّا بعدُ: فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ، ولا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ.

أيها المسلم: من الأحوال التي يتأكَّدُ فيها حُسنُ ظنِّكَ بالله -تعالى-:

رابعاً: عند الاحتضار، عن أنسٍ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دَخَلَ على شَابٍّ وهُوَ في الْمَوْتِ، فقالَ: "كيْفَ تَجِدُكَ؟"، قالَ: واللهِ يا رسولَ اللهِ، إني أَرْجُو اللهَ وإنِّي أَخَافُ ذُنُوبي، فقالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "لا يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ عَبْدٍ في مِثْلِ هذا الموْطِنِ إلاَّ أعْطَاهُ اللهُ ما يَرْجُو، وآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ"(رواه الترمذي وجوَّد إسناده النووي)، وقالَ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: "إذا رأيْتُمُ الرَّجُلَ بالْمَوْتِ، فَبَشِّرُوهُ حتَّى يَلْقَى ربَّهُ وهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بهِ، وإذا كَانَ حَيَّاً فخَوِّفُوهُ برَبِّهِ -عَزَّ وجَلَّ-"(رواه ابنُ المبارك في الزهد).

خامساً: عندَ ضيق العيش وكثرة الدُّيون، فتُحسن الظنَّ بربك، وأنه لا يرفعُ الضيق إلى مَن أنزلهُ وهو الله، قال -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام:17-18]، وقال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "مَنْ نَزَلَتْ بهِ فاقَةٌ فأَنْزَلَها بالناسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، ومَنْ نَزَلَتْ بهِ فاقَةٌ فَأَنْزَلَها باللهِ، فيُوشِكُ اللهُ لهُ برِزْقٍ عاجِلٍ أوْ آجِلٍ"(رواه الترمذي وحسَّنه).

عباد الله: إن حُسنَ الظنِّ بالله من دلائل الإيمان بربوبية الله، وأنه الخالقُ المالكُ المدبِّر، وأنه وحده هو المستحق للعبادة، فمن استعان واستعاذ بالله وحده فقد أحسنَ الظنَّ بالله، ومن حُسن الظنِّ بالله اجتناب الشركِ كبيره وصغيره والسُّمعةِ والرِّياءِ، واجتناب كل ما يُنقص من التوكل على الله، فحُسن الظن بالله عبادةٌ عظيمة، يجمع أركان العبادة الأربعةِ الكُبرى: المحبةُ والتعظيمُ والرَّجاءُ والخوف، وهو من تَمام التوكُّل على الله، وهو الفأل الحسن الذي كان يُعجِبُ نبيَّنا -صلَّى الله عليه وسلم-.

وعليك أخي المسلم أن تُحسنَ الظنَّ بربِّ العالمين بما يُناسبُ كل اسمٍ من أسمائه وصفةٍ من صفاته، فصفاته -عزَّ وجلَّ- مُشتقةٌ من أسمائه، وكلُّ صفةٍ لها معنىً خاص، وكلُّ صفةٍ لها عبوديةٌ خاصة وحُسنُ ظنٍّ خاصٍ بها، فإيمانُك بصفةِ الرَّحمةِ لله الرحمن يقتضي حُسنَ ظنكَ برحمة الله، وإيمانك بصفة علم الله، يقتضي حُسن ظنك أن الله العالم العليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهكذا في سائر أسماء الله وصفاته، قال ابنُ القيم في زاد المعاد: "وأَكْثَرُ الناسِ يَظُنُّونَ باللهِ غيرَ الحَقِّ ظَنَّ السَّوْءِ فيما يَخْتَصُّ بهِمْ وفيمَا يَفْعَلُهُ بغَيْرِهِمْ، ولا يَسْلَمُ عنْ ذلكَ إلاَّ مَنْ عَرَفَ اللهَ وعَرَفَ أسْمَاءَهُ وصِفَاتِهِ" انتهى.

عبد الله: وإذا أحسنت الظنَّ بربِّك -سبحانه- كان لزاماً عليك أن تُؤمن باليوم الآخرِ وما يَتضمَّنُه من الإيمان بأن الله سيبعثُكَ بعد موتك، وسيُحاسبُك ويُجازيكَ على أعمالك، فإن خيراً فلكَ الجنة، وإنْ شرَّاً فيُخشى عليك النار، واعلم يا عبدَ الله أن حُسن ظنك بالله يُعتبرُ أحد الشواهد الدالة على الإيمان بالقضاءِ والقدر وبمراتبه الأربعة: العلم، والكتابة، والخلق، والمشيئة، فإيمانُك بالقضاءِ والقدر يُثمرُ حُسن ظنك بالله.

وصلوا وسلموا...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي