إسهامات الشباب في الحضارة الإسلامية

الشيخ السيد مراد سلامة
عناصر الخطبة
  1. مكانة الشباب في شرع رب الأربابإسهام شباب الصحابة في الدعوة ونشر الإسلام.إسهامات شباب الصحابة في الحياة العلمية إسهامات شباب الصحابة في الحياة السياسية و العسكرية .
اهداف الخطبة

إسهامات
الشباب في الحضارة الإسلامية

للشيخ
السيد مراد سلامة

الخطبة
الأولى

أمة الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم-إن
الناظر إلى شباب الأمة في الفترة الأخيرة ليرى انحرافا عن مسار الحق وعن مسار الرقي
عن مسار الفضيلة والتقدم انشغل كثير من أبناء الأمة بالتفاهات والأفلام والمسلسلات
عن طاعة رب الأرض والسماوات تراهم في النوادي و الملاهي و انشغلوا بالدورات
الكروية عن صلاة الجماعة و حلق العلم ...لذا ننادي هؤلاء الشباب فنقول:

يا إخوتي
يا شباب الحق همتكم *** تسمو بكم عن دروب الطيش والصخب

أحبكم يا
شباب الحق محتسباً *** ولن يضيع ربي أجر محتسبي

أدعو لكم
بصلاح الأمر في زمنٍ *** سواد ظلمته يطغى على الشهب

أقول لا
تفتحوا باب العقول لمن *** يدعو إلى اللهو والتهريج واللعب

لا يجرمنكم
شنآن من فسقوا *** على سلوك طريق العنف والشغب

لقد بين التاريخ الإسلامي كله أن صلاح الأمة
بصلاح شبابها فإذا التزم الشباب بمنهج الله وساروا على التعاليم الإسلامية الصحيحة
فإن الله عز وجل سيجعل لهذه الأمة فرجا وسيهيئ لها من أمرها رشدا

يا أحفاد خالد بن الوليد سيف الله المسلول

يا أحفاد علي بن أبي طالب الغضنفر الجسور

يا أحفاد حبر الأمة وعالمها ابن عباس الصبور

يا أحفاد معاذ بن الجبل أعلم الأمة بالحلال والحرام

أعيروني الأسماع لعلنا نتدارك ما فات ونعمل
لما هو أت

مكانة الشباب في شرع رب الأرباب

شباب الأمل و املها المنشود
ودرها المعقود
: لقد أعطى الإسلام للشباب المؤمن التقي الصالح
مكانة متميزة بحيث عَدَّ النبي عليه السلام من السبعة المستظلين في ظل الله يوم لا
ظل إلا ظله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ:"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ،
الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ
مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ
وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ:
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ أَخْفَاهَا، لَا تَعْلَمُ يَمِينُهُ
مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"([1])

فالشباب على مر التاريخ هم النقباء، والحواريون،
وهم الأنصار والمهاجرون لنقرأ في سورة الكهف قصة أصحاب الكهف "إنهم فتية ءَامنوا
بربهم وزدناهم هدى" ومن مناقب الشباب في الإسلام ما لا يعد ولا يستقصى فما
رفعت راية الإسلام الا بسواعد الشباب و اليكم صور مشرقة مشرفة من حياة شباب الأمة

شباب مبشرون بالجنة.

أيها الشباب: من الناظر في لوحة الشرف والتكريم
التي منحها النبي الأمين لأصحابه وكانت جائزتها جنة عالية قطوفها دانية ليجد أن
الشباب قد عازوا قصب السبق فالعشرة المبشرين بالجنة منهم خمسة شباب، لم ينالوا تلك
المكانة بالمحسوبية أو بالرشوة كلا و إنما قدموا أعمالا جليلة و هاكم بيان ذلك  

الإمام علي رضي الله عنه-أول
فدائي في الإسلام

  ولد
قبل الهجرة بثلاثة وعشرين سنة يعني انه قضى شبابه كله في نصرة الحق والذود عن راية
التوحيد

فهو أول من أسلم من الصبيان وكان عمره حين أسلم
عشر سنين وحين هاجر ثلاث وعشرون سنة

ولنذكر مشهد من مشاهده رضي الله عنه :

وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم "بدر"
حتى ثبتته الجراحة، فلم يشهد "أحدا" فلما كان يوم "الخندق" خرج
معلمًا ليرى مكانه فلما خرج هو وخيله قال: من يبارز؟

فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال
له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه.

قال: أجل.

قال له علي: فإني أدعوك إلى الله، وإلى رسول
الله، وإلى الإسلام.

قال: لا حاجة لي بذلك.

قال: فإني أدعوك إلى النزال.

قال له: لم يا بن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك.

قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك.

فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب
وجهه، ثم أقبل على علي رضي الله عنه فتنازلا، وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه، وخرجت
خيلهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق وولت هاربة إلى حيث يوجد الأحزاب1.

ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى
الله عليه وسلم ووجهه يتهلل، فقال له عمر بن الخطاب: هلا استلبته درعه فإنه ليس للعرب
درع خير منها؟

فقال علي رضي الله عنه: ضربته فاتقاني بسوءته،
فاستحييت من ابن عمي أن أسلبه([2])

ومن بين الشباب المبشر بالجنة الزبير بن العوام
رضي الله عنه أول من سل سيفا في الإسلام

ومن بين الشباب طلحة بن عبيد الله ذلك البطل
المغوار الذي يهابه الكماة و الأبطال

صقر يوم أحد قال الله تعالى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾
[الأحزاب: 23].

تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة،
ثم استقبل وجوه أصحابه، وقال وهو يشير إلى طلحة:

" من سرّه أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض،
وقد قضى نحبه، فلينظر إلى طلحة"..!!

أنا لها يا رسول الله

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَوَلَّى النَّاسُ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي نَاحِيَةٍ فِي اثْنَيْ
عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَدْرَكَهُمْ
الْمُشْرِكُونَ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: "مَنْ لِلْقَوْمِ؟"
فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "كَمَا أَنْتَ". فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَنْتَ".
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ:
"مَنْ لِلْقَوْمِ؟"

فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. قَالَ: "كَمَا
أَنْتَ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. فَقَالَ: "أَنْتَ".
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ
رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَيُقَاتِلُ قِتَالَ مَنْ قَبْلَهُ حَتَّى يُقْتَلَ، حَتَّى
بَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:
"مَنْ لِلْقَوْمِ؟" فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا. فَقَاتَلَ طَلْحَةُ قِتَالَ
الأَحَدَ عَشَرَ حَتَّى ضُرِبَتْ يَدُهُ فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ، فَقَالَ: حَسِّ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ : "لَوْ قُلْتَ بِاسْمِ اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلاَئِكَةُ
وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ"، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ. ([3])

ومن الشباب المبشر بالجنة سعيد بن زيد رضي الله
عنه -

إسهام
شباب الصحابة في الدعوة ونشر الإسلام.

شباب الأمة وحاضرها ومستقبلها: شباب الصحابة لم يعرفوا اللهو واللعب بل عاشوا لأهداف سامية وغايات عالية
حملوا الدعوة على عواتقهم وحملوا من أجلها أروحاهم على أكفهم فانتشروا في ربوع
الأرض ينشرون الدعوة كما تنشر الشمس أشعتها ونورها و بالمثال يتضح المقال و هذا
المثال اقدمه لذلك الشباب المتهور الذي حاد عن طريق الحق و التحف بلحاف الترهيب و
التخويف و انتهج منهج الغلظة و الفظاظة إنه أول سفير في الإسلام من يعرفه منكم
أيها الشباب؟

للأسف شبابنا اليوم لا يعرف إلا أهل اللهو واللعب
فهو يحفظ أسماء لاعبي الكرة والمصارعة والأفلام والتفاهات فاذا سألته عن اسم صحابي
من الصحابة لا يعرفه !!

أَوَمَن
يُفكِّرُ فِي الصُّعُودِ ** كَمَنْ يُفَكِّرُ فِي النُّزُولْ

مَنْ يَبتَغِي
هَدَفًا بِغَير  ** الحَقِّ يَعيَا بِالوُصُولْ

أخي الشاب ها هو أول سفير للإسلام فاتح
مدينة رسول الله –صلى الله عليه و سلم – بالإسلام إنه الشاب الهمام مصعب بن عمير شابٌ
من أكثر شباب قريشٍ رقة ووداعة وثراءً، نشأ منعمًا في ظل والديه، في بيت يزخر بالفاخر
من الثياب، والنادر من العطور، زينة فتيان قريش، ودرة مجالسه، تنقلب حياته فجأة، فإذا
به يرضى بشظف العيش، ويلبس الجلد الخشن من الثياب!! فما الذي غيره وحوله هذا التحول
العظيم؟ بهذا الرضا التام؟

إنه الإسلام، ذلك الدين الذي ما إن لامس قلب
الشاب الغض اليافع، حتى وجد لديه قبولاً سريعًا، ذلك أنه -منذ صغره- لم يحمل للإسلام
ذرة كراهية، وما نشأ ناقمًا عليه، بل على العكس، سعى إليه في يسر، واستمع إلى رسوله
المصطفى  في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وسرعان
ما أعلن نفسه واحدًا من بين المسلمين.

أنا مسلمٌ
أسعى لإنقاذ الورى *** للنور للإيمان للإسعادِ

ويرُوعُنِي
هذا البلاء بأُمتي *** لما تَخَلَّتْ عن طريق الهادي

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ثم بعثوا إلى
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: أن ابعث إلينا رجلًا من قبلك يدعو الناس
بكتاب الله، فإنه أدنى أن يتبع، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو
الناس [سرًا]، ويفشو الإِسلام، ويكثر أهله، وهم في ذلك مستخفون بدعائهم، ثم إن أسعد
بن زرارة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر مرق  أو قريبًا منها، فجلسوا هنالك، وبعثوا إلى رهط من
أهل الأرض، فأتوهم مستخفين، فبينما مصعب بن عمير يحدثهم، ويقص عليهم القرآن، أخبر بهم
سعد بن معاذ، فأتاهم في لأمته، ومعه الرمح، حتى وقف عليه، فقال: علام يأتينا في دورنا
بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم [إليه]، لا أراكما
بعد هذا بشيء من جوارنا، فرجعوا، ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مرق أو قريبًا منها، فأخبر
بهم سعد بن معاذ الثانية، فواعدهم بوعيدٍ دون الوعيد الأول، فلما رأى أسعد منه لينًا،
قال: يا ابن خالة اسمع من قوله، فإن سمعت منه منكرًا، فاردده يا هذا منه، وإن سمعت
خيرًا فأجب الله، فقال: ماذا يقول؟ فقرأ عليهم مصعب بن عمير ﴿حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ
(2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
فقال سعد: وما
أسمع إلا ما أعرف، فرجع وقد هداه الله تعالى، ولم يظهر أمر الإِسلام حتى رجع، فرجع
إلى قومه، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإِسلام، وأظهر إسلامه، وقال: من شك فيه من صغير
أو كبير أو ذكر أو أنثى، فليأتنا بأهدى منه، نأخذ به، فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه
الرقاب، فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد ودعائه، إلا من لا يذكر، فكانت أول دور
من دور الأنصار أسلمت بأسرها.

ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا
على أسعد بن زرارة، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ، فلم يزل يدعو ويهدي [الله]
على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة، وأسلم أشرافهم، وأسلم
عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز أهلها، وصلح أمرهم، ورجع مصعب بن عمير
إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان يدعى المقرئ. ،([4])

إسهامات
شباب الصحابة في الحياة العلمية

يا شباب أين أنتم من العلم الشرعي و العلم
الذي يخدم الدين و الدنيا للأسف يا شباب نسمع كثير من الشباب المتهاون يقول (أكل
ونوم يعطيك دبلوم ﴾
!! 

في حين أن شباب العالم الغربي رسم لنفسه
الأهداف والغايات وإن  كانت أهدافا دنيوية إلا
أنها تخدم دولته و حضارته اردوا الدنيا فشمروا عن سواعد الجد بجد

شباب الصحابة نهلوا من معين القران الكريم و
من سلسبيل النبي الأمين – صلى الله عليه وسلم-فقدموا لأمتهم العلم النافع و الفهم القاطع
...

فالقرآن دستور الأمة وأساس نهضتها، وبه أنقذها
الله من الظلمات إلى النور، لذا فقد كان أول ما عني به شباب أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلّم هو القرآن وحفظه وتعلمه.

لقد كان الحرص الذي تمتع به أولئك - رضوان الله
عليهم - مدعاة لأن يفوقوا غيرهم حتى يأمر النبي صلى الله عليه وسلّم باستقراء القرآن
من أربعة، ثلاثة منهم من الشباب وهم معاذ، وابن مسعود، وسالم - رضي الله عنهم - عن
مسروقٍ قالَ: ذُكِرَ عبدُ اللهِ عندَ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، فقالَ: ذاكَ رجلٌ لا
أزال أحِبّهُ بعدَما سمعتُ رسولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - يقولُ:" استقرِئوا
القرآنَ من أربعةٍ: من عبدِ اللهِ بنِ مسعود -فبدأَ بهِ- وسالمٍ مولى أبي حُذيفةَ،
وأبىِّ بنِ كعبٍ، ومعاذِ بنِ جبلٍ". قالَ: لا أدري بدأ بأُبَيِّ أو بمعاذٍ؟  ([5])

ويشهد أنس - رضي الله عنه - مع معاذ لشاب آخر
هو زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بأنه قد وعى القرآن وجمعه عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ:
مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. "([6]).

وكان عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - وهو من صغار
الصحابة حريصاً على تلقي القرآن، فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه
أجمع، وأهَّله ذلك لإمامتهم، ولنستمع لذلك من روايته عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:كُنَّا
عَلَى حَاضِرٍ فَكَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا رَاجِعِينَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَدْنُو مِنْهُمْ، فَأَسْمَعُ، حَتَّى حَفِظْتُ
قُرْآنًا. قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ فَتْحَ مَكَّةَ،
فَلَمَّا فُتِحَتْ، جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِيهِ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا
وَافِدُ بَنِي فُلَانٍ، وَجِئْتُكَ بِإِسْلَامِهِمْ، فَانْطَلَقَ أَبِي بِإِسْلَامِ
قَوْمِهِ. فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "قَدِّمُوا أَكْثَرَكُمْ قُرْآنًا". قَالَ: فَنَظَرُوا وَأَنَا
لَعَلَى حِوَاءٍ. قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: حِوَاءٍ عَظِيمٍ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: حِوَاءٍ،
وَقَالَا: فَمَا وَجَدُوا فِيهِمْ أَحَدًا أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي
وَأَنَا غُلَامٌ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي، فَكُنْتُ إِذَا رَكَعْتُ
أَوْ سَجَدْتُ، فَتَبْدُو عَوْرَتِي، فَلَمَّا صَلَّيْنَا تَقُولُ لَنَا عَجُوزٌ دَهْرِيَّةٌ:
غَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ. ([7])

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة
الثانية

الحمد لله رب العالمين... اللهم لك الحمد على
نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام....

أما بعد:

إسهامات
شباب الصحابة في الحياة السياسية و العسكرية

ولقد كان للشباب دورا بارزا في الحياة
السياسية والعسكرية فعلى أكتافهم وبسواعدهم نشر الإسلام وبينت الحضارة الإسلامية ونشأة
المدينة الفاضلة فالنبي – صلى الله عليه وسلم –وهو الذي يكرر دائما و يبن دور
الشباب قد مكن لهم و وزع عليهم الأدوار كل على حسب تخصصه و كل على حسب قدرته 

فها هو صلى الله عليه وسلم يقلد أسامة بن
زيد – رضي الله عنهما-قيادة الجيش

ومن أعظم هذه المواقف التي يتجلى فيها هذا الأمر
توليته صلى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - مهمة صعبة عظيمة ينوء
بها الرجال الأشاوس فضلاً عن الشباب.

أسامة بن زيد قائد جيش المسلمين
في غزو الروم

ولاَّه النبي -على صغر سنِّه- قيادة جيش المسلمين
المتوجه لغزو الروم في الشام، وقال له: «يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي
إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، فأغر صباحًا على أهل أُبْنَى
وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء،
وقدم العيون أمامك والطلائع». ثم عقد الرسول لأسامة اللواء، ثم قال: «امض على اسم الله».
وقد اعترض بعض الصحابة على استعمال هذا الغلام على المهاجرين الأولين، ولما علم رسول
الله بذلك، غضب غضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم
في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه
من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان
لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا
به خيرًا؛ فإنه من خياركم».([8])

يا شباب :

سيروا فإن
لكم خيلاً ومضمارًا *** وفجِّروا الصخر ريحانًا ونوَّارًا

سيروا على
بركات الله وانطلقوا *** فنحن نُرْهِف آذانًا وأبصارًا

وذكِّرونا
بأيام لنا سلفت *** فقد نسينا شرحبيلاً وعمارًا

أصغر فاتح في الإسلام:ـ هو محمد بن القاسم الثقفي
مؤسس أول دولة إسلامية في الهند؛ ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال.
أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام، والمسلمين . بدت عليه أمارات
النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف
الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح
الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا
يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد
سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا. وكان يتصف بالتواضع الرفيع،
فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة،
ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر
الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة. اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة
سنتين، ثم زحف إلى الديبل، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه واستعد لمقاتلة الجيش السندي
بقيادة الملك “الراجة داهر” حاكم الإقليم، في معركة مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق
على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية
في أيدي المسلمين. واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند
ليطهرها من الوثنية المشركة، فنجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل
في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته سنة
96هـ عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها
علم الإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند
والبنجاب (باكستان حاليًّا)

الدعاء ...................................



[1] - الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم (3/ 72)

[2] - السيرة النبوية لابن هشام 3/ 236.

[3] - أخرجه النسائي: 6/ 29 - 30 في الجهاد باب

[4] - الموسوعة في صحيح السيرة النبوية - العهد المكي (ص:
488).

[5] - [روا ه البخاري 3758، ومسلم 2464].