ومن الذوق العام والأدب: التأدب مع كتاب الله, هذا الكتاب العظيم الذي بين أيدينا؛ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ), (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ), ونعتب على من يمد رجليه في المساجد والمصحف أمام رجليه, ونعتب على بعض الأئمة في بعض المساجد الذين يقومون يصلون بالناس وعن يمينه وقريباً من رجليه مصاحف, وعن يساره مثلها...
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[ الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: إن أعظم نعمة منَّ الله بها علينا وعلى الناس هي نعمة الإسلام, لا يوازيها نعمة على الإطلاق؛ هدانا الله إلى الإسلام وأضل غيرنا, نعمة الإسلام رفيعة المقام, سامية راقية عالية, توصل صاحبها إلى رضوان الله, وإلى جنة الله ونعيم الله, الإسلام أعظم النعم ينقذ من تمسك به؛ ينقذه من الهوان, ومن الذل, ومن الفقر, ومن النار وطريق الكفار, فلله الحمد عدد خلقه, ورضا نفسه, وزنة عرشه, أن جعلنا مسلمين.
إن من تأمل تعاليم الإسلام يجدها كلها من صنع الله, الله -جل في علاه- هو الذي اختارها وشرعها وحث عليها, وهذا يكفي أن نعلم به سمو هذا الدين, دين الحضارة؛ فصاحب الإسلام هو المتحضر, هو الراقي هو السامي؛ لأنه سما به الإسلام, وارتفع إلى أن وصل إلى مرضاة الله وجناته ونعيمه, الإسلام دين حضارة, المسلمون هم المتحضرون حقاً إذا تمسكوا بالإسلام, وسنن الإسلام, وتعاليم الإسلام, دين يسمو بالنفس وبالروح؛ حتى تسعد وتهنأ وترتاح.
أما حضارة المادة التي يدّعيها الشرق والغرب, حضارة الانفلات والانقلاب على الأخلاق والفضيلة, حضارة الرذيلة والقبح وإنكار الإسلام والتنكر له, هذه ليست حضارة؛ لأنها تهوي بالنفس وتشقي الروح, وتذهب بالإنسان إلى الدركات إلى العذاب, إلى النار إلى غضب الله ولعناته, ونريد أن نقنع المهرولين والمهزومين بهذا!.
أخلاق الإسلام وتعاليمه وأذواقه وآدابه ليس كمثلها ولا أعظم منها, قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ", قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: "إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ"(صحيح مسلم).
إن الله جميل يحب الجمال, الإسلام يحث الشخص على التجمل والاعتناء بمظهره ثوبه ونعله وهندامه, إن أدب المسلم وذوقه وتجمله هي من صميم الدين يؤجر عليها, وأعظم ذوق وأعظم أدب وأعظم أخلاق هي التي تكون أولاً مع الله, ثم مع رسوله -صلى الله عليه وسلم-, ثم مع كتابه الكريم, ثم مع الوالدين والأقربين, ثم مع الناس عامة, حتى الحيوان له من سماحة ديننا وآدابه نصيب.
أخبرنا الله -تعالى- عن الخليل إبراهيم -عليه السلام- عندما تأدب مع الله -تعالى-؛ فقال: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء: 78 - 80]؛ فلم يقل: وإذا أمرضني؛ تأدباً مع الله, ومثله قول الخضر في السفينة: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا)[الكهف: 79]؛ ولم يقل: فأراد ربك أن يعيبها, وفي الغلامين قال: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا)[الكهف: 82]؛ فالخير والفضل والإحسان ينسب إلى الله, والشر ليس إليه ولا ينسب إليه, قمة الأدب!.
ومثله التأدب مع الله عند أداء الصلاة؛ (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف: 31]؛ أي: عند كل صلاة, وليس من الأدب مع الله أن يأتي أحدنا إلى المساجد بقميص النوم ولباس النوم والرياضة, ولو كان أحدنا في زواجه أو في مقابلة لمسؤول أو مراجعة أو احتفال لما لبس قميص النوم أو (ترنق) الرياضة, فكيف بمقابلة رب العالمين والوقوف بين يديه في الصلاة؟!.
ومن الذوق والأدب: التأدب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حال حياته وبعد مماته عندما يؤمر بسنته؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الحجرات: 2], ولا نجعل دعاءه باسمه كما ندعو بعضنا بعضا, فلا نقول: محمد بل نقول: محمد رسول الله, نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-, قال الله -تعالى-: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)[النور: 63].
ومن الذوق العام والأدب: التأدب مع كتاب الله, هذا الكتاب العظيم الذي بين أيدينا؛ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأعراف: 204], (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)[الواقعة: 79], ونعتب على من يمد رجليه في المساجد والمصحف أمام رجليه, ونعتب على بعض الأئمة في بعض المساجد الذين يقومون يصلون بالناس وعن يمينه وقريباً من رجليه مصاحف, وعن يساره مثلها ووراء ظهره مثلها.
ومن الذوق والأدب: التأدب مع الصحابة -رضي الله عنهم-, والتأدب مع الوالدين؛ بالبر وخفض الصوت والجناح, وتلمس الحاجات, والتأدب مع الأرحام والأقارب والجيران والضيوف والإخوة الكبار.
وتأملوا أدب يوسف -عليه السلام- مع إخوته بعد أن فعلوا ما فعلوا؛ رموه في البئر, غدروا به, أهانوه, ومع ذلك بعد أن منَّ الله عليه وعليهم وأقبلوا إليه معتذرين؛ (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف: 91، 92], وقال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)[يوسف: 100]؛ لم يقل بعد أن رموني في بئر وغدروا بي, قمة التأدب والسماحة والسمو الأخلاقي!.
ومن الذوق والأدب: إنزال الناس منازلهم؛ ولاة الأمر, العلماء, كبار القوم, هذا ديننا وهذه حضارتنا, وهذه آدابنا وأذواقنا.
اللهم وفقنا لأحسن الأخلاق والآداب؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عنا سيئها؛ لا يصرف سيئها إلا أنت.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه؛ كما يُحب ربنا ويرضى.
عباد الله: ومن الآداب والذوق العام: تأدب المسلم مع نفسه؛ اهتمامه بنفسه من حيث التعلم النافع, التفقه في دين الله -تعالى-؛ حتى يعبد الله على بصيرة.
تلاوة القرآن وتدبره والاستشفاء به, دوام ذكر الله -تعالى- على لسانه, كثرة الاستغفار والتوبة.
وردع النفس عن ظلم الناس وأخذ حقوقهم, والتهكم عليهم بالكلام, وجرحهم وتعييرهم وانتقاصهم.
احترام الجيران, الكف والحذر عن إيذائهم أو التضييق عليهم, أو تتبع خصوصياتهم؛ (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 18، 19].
الاهتمام بالنظافة الشخصية, حسن المظهر, التطيب قص الأظافر, ترتيب الشعر, حسن المنطق, الأكل باليمين والشرب باليمين, الحذر من بعض الروائح المؤذيه عند دخول المساجد, وعند مقابلة الناس؛ مثل: أكل البصل أو الثوم, أو شرب الدخان أو الشمة أو التنباك.
كذلك من الآداب الشخصية: السواك, وقص الشارب, وإعفاء اللحية, ونتف الإبط, وحلق العانة, والاغتسال, والختان.
التأدب حتى مع المكان الذي نعيش فيه؛ فإن ذلك من آداب الإسلام, ومن سنة نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم-, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ"، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ؛ إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ"(صحيح البخاري).
وإماطة الأذى عن الطريق صدقة؛ "بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ؛ فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له"(أخرجه البخاري واللفظ له, ومسلم).
المحافظة على نظافة الحدائق والمرافق وأماكن الجلوس, كلها من دين الله -تعالى- بمكان.
وأخيراً يقول الله -عز وجل-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[النور: 27، 28].
فلنحافظ على ديننا, نحافظ على آدابنا وقيمنا, الله الله -أيها الاحبة- لا نذوب في غيرنا, ونغتر بما صُدِّرَ إلينا من عفن الشرق والغرب, إن الخير في آداب اختارها الله لنا ورتب عليها حسنات ودرجات.
اللهم اجعلنا هداه مهتدين غير ضالين ولا مضلين, اللهم احفظ علينا ديننا وآدابنا وأخلاقنا وأمننا وبلادنا وأهلنا, ياخير حافظ ويا أرحم الراحمين.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[ الأحزاب: 56 ]، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي