ومما يشرف الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أنه كان في معركة بدر عليه عمامة صفراء, فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر, وهذه منقبة عظيمة للزبير -رضي الله عنه وأرضاه-, حيث كانت الملائكه موافقة له في لون العمائم...
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أيها الأحبة: نتحدث عن أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ الزبير بن العوام -رضي الله عنه-, فقد أسلم لم يتجاوز السادسة عشره من عمره, فكان من السابقين إلى الإسلام, وهاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة, وهو من حواري رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِىٍّ حَوارِيَّ, وَإِنَّ حَوَارِيّي الزُّبَيْرُ"؛ ومعنى حواري أي: أنصاري وأعواني, قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إن الزبير ركن من أركان هذا الدين", هو ابن عمة النبي -صلى الله عليه وسلم- صفية بنت عبد المطلب.
وصف أهل السير الزبير بأنه كان رجلاً طويلاً إذا ركب الفرس خطت رجلاه بالأرض, كثيف اللحية والعارضين, يميل إلى السمرة, كان شجاعاً فارساً متصدقاً كريماً, فمن مواقفه ما رواه البخاري ومسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في يوم الأحزاب: "من يأتينا بخبر القوم؟", فقال الزبير: أنا, ثم بعد فترة في غزوة الخندق قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يأتينا بخير القوم؟", فقال الزبير: أنا, ثم المرة الثالثة كذلك.
من مواقفه ما حصل في فتح مصر عندما استعصت على جيش المسلمين, ودام حصار مصر سبعة أشهر, فتقدم الزبير وقال: "أهب نفسي لله وللمسلمين", فوضع سلماً وصعد عليه السور, ثم رمى نفسه على جنود الأعداء وضرب بسيفه وهو يكبر الله؛ حتى وصل الباب وفتحه للمسلمين, فدخلوا وحصل النصر وفتحت مصر.
ومن مواقفه في شجاعته ما رواه البخاري في صحيحة من حديث هشام بن عروة أنه في غزوة اليرموك قام بشق صفوف الروم ويضرب فيهم, وكانوا مائتي ألف مقاتل, وما معه أحد, ثم رجع مقبلاً وتعرض لضربتين على عاتقه؛ حتى إنها أصبحت فيما بعد فتحتين كبيرتين في كتفه, وبينها ضربه ثالثة كانت في غزوة بدر.
ومما يشرف الزبير بن العوام -رضي الله عنه- أنه كان في معركة بدر عليه عمامة صفراء, فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر, وهذه منقبة عظيمة للزبير -رضي الله عنه وأرضاه-, حيث كانت الملائكة موافقة له في لون العمائم!.
وكان -رضي الله عنه- غنياً كريماً ينفق ولا يبالي, وله من المماليك ألف مملوك كلهم يؤدي الخراج؛ أي: مبلغاً له من المال, فكان لا يدخل بيته شيئاً بل يتصدق به كله.
وفي معركة الجمل كما ورد في صحيح البخاري قال لابنه عبد الله: "يَا بُنَيِّ! إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ, وَإِنِّي لَا أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا, وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي, أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا", قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: "يَا بُنَيِّ! إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ", قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: "اللهُ", قَالَ: فَوَاللهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ! اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ فَيَقْضِيهِ.
أما وفاته فقد قتل بعد معركة الجمل, حيث ذكر أهل السير أنه انسحب من المعركة التي كانت ضد على بن أبي طالب -رضي الله عنهم- إلى مكان يقال له وادي السباع, فادركه رجل يقال له عمرو بن جرموز وهو نائم في الضحى, فهجم عليه وقتله, وقيل: إنه كان يصلي فقتله غيلة, ثم أخذ سيفه وذهب به إلى علي بن أبي طالب لينال منزلة عنده؛ فغضب علي من قاتله وقال: "بشر قاتل ابن صفية بالنار", وأخذ سيفه وقال علي -رضي الله عنه: "إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن جه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-", وكان ذلك في عام 36ه, وكان عمره 64عاماً.
فرضي الله عن الزبير, وجزاه الله خيراً على ما قدم للإسلام والمسلمين؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أيها الإخوة: قد عرفنا بعضاً من سيرة الصحابي الجليل الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة, وما يستفاد من سيرته, فقد كان مدافعاً عن الإسلام في جميع الغزوات ملتزماً بدينه, معنياً مناصراً للرسول -صلى الله عليه وسلم-, حتى قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِىٍّ حَوارِيَّ, وَإِنَّ حَوَارِيّي الزُّبَيْرُ"؛ ومعنى حواري أي: أنصاري وأعواني, ثم كان منفقاً كريماً سخياً على فقراء المسلمين.
فنسأل الله أن يجمعنا به وبقية أصحابه -رضي الله عنهم- جميعاً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم, في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[ الأحزاب: 56 ]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي