صلاة الاستخارة

عبد الله اليابس
عناصر الخطبة
  1. أهمية الاستشارة والحاجة إليها .
  2. حديث الاستخارة .
  3. من أحكام الاستخارة .
  4. ما ينبغي على المستخير. .

اقتباس

إِذَا قَالَ إِنْسَانٌ: قَدِ اِسْتَخَرْتُ, لَكِنِّي تَرَدَّدْتُ فِي الأَمْرِ وَلَمْ تَطْمَئِنَ نَفْسِي, فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ أُكَرِّرَ الِاسْتِخَارَةَ؟ قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُكَرِّرَ الِاسْتِخَارَةَ, وَهَذَا قَولُ الجُمْهُورِ أَحْمدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمْ, فَلَا بَأْسَ مِنْ تَكْرَارِهَا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ وَلَا يَزَالُ عِنْدَهُ شَيٌء فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَخِيرُ مَرَّةً أُخْرَى، وَثَالِثَةً، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ"...

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ عَلَى عِبَادِهِ جَادَ, بَدَأَهُم بِالفَضْلِ وَلَهُ عَلَيْهِمْ أَعَادَ, آَلَائُهُ عَلَيْهِمْ سَابِغَةٌ, وَمَا خَفِيَ مِنْهَا أَعظَمُ مِمَّا هُوَ بَادٍ, فِي فَضْلِهِ يَتَقَلَّبُونَ, فَهُو عَلَيْهِمْ مَا بَينَ طَرِيفٍ وَتِلَاد,ٍ وأَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ إِلَيْهِ المَبْدَأُ وَالمَعَادُ, وَمِنْهُ الهُدَى والرَّشَادُ, (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الرعد: 33], وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, أَرْسَلَهُ لِلأُمَّةِ خَيْرَ مُنْذِرٍ وَهَادٍ, وَوَعَدَ مَنْ تَبِعَ أَمْرَهُ بِالخَيْرِ وَالإِسْعَادِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ, مَا مَرَّ تَالٍ, بِذِكْرِ قَومِ هُودٍ وَعَادٍ.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: لَا يَخْلُو أَيُّ إنْسَانٍ فِي حَيَاتِهِ اليَوْمِيَّةِ مِنْ حَاجَةٍ لِاتِّخَاذِ قَرَارَاتٍ يَمْضِيْ فِيْهَا, أَوْ يَحْتَارُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَدْرِي إِلَى أَيِّهِا يُقْدِمُ, أَوْ يَرْغَبُ فِيْ الإِقْدَامِ عَلَى أُمُورٍ هَامَّةٍ فِيْ حَيَاتِهِ كَزَوَاجٍ أَوْ وَظِيفَةٍ أَوِ تِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا, يَحْتَاجُ المَرْءُ مِنَّا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَرْكَنَ إِلَى رُكْنٍ مَتِينٍ, يَلْجَأُ إِلَيْهِ وَيَأْنَسُ بِهِ, لِيُقْدِمَ عَلَى أَمْرِهِ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً, وَهَذِهِ حَاجَةٌ فِطْرِيَّةٌ لِبَنِي البَشَرِ؛ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ البَشَرَ فِيْ جَمِيعِ شَرَائِعِهِمْ يَحْمَدُونَ الاسْتِشَارَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ المَوَاضِعِ, وَيَسْتَعِينُونَ بِأُولِي الرأْيِ مِنْ أَقْوَامِهِم.

كَانَ بَعْضُ العَرَبُ فِيْ الجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ فِعْلَ أَمْرٍ وَتَحَيَّرَ فِيْهِ اِسْتَقْسَمَ بِالأَزْلَامِ, وَذَلِكَ بِأَنْ يَضَعَ ثَلَاثَةَ أَقْدَاحٍ، مَكْتُوبٌ عَلَى وَاحِدٍ: "اِفْعَلْ"، وَعَلَى الثَّانِي: "لَا تَفْعَلْ"، وَالثَّالِثُ: مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ اِفْعَلْ، مَضَى بِمَا هَمَّ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ لَا تَفْعَلْ تَرَكَ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ القَدَحُ الذِيْ لَيْسَ فِيهِ كِتَابَةٌ أَعَادَ الاِسْتِقْسَامَ مَرَّةً ثَانِيَةً, فَنَهَى اللهُ -تَعَالَى- هَذِهِ الأُمَّةَ عَنْ هَذَا الفِعْلِ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) [المائدة: 3].

وَإِذَا كَانَ اللهُ -تَعَالَى- نَهَى هَذِهِ الأُمَّةَ عَنِ الاِسْتِقْسَمِ بِالأْزْلَامِ فَإِنَّهُ أَرْشَدَهَا إِلَى فِعْلٍ عَظِيمٍ, تَلْجَأُ بِهِ إِلَى رُكْنٍ شَدِيْدٍ, وَوَعَدَ مَنِ اِلْتَزَمَ بِهِ بِالتَّوفِيْقِ فِيْمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُعَلِّمُ أصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا؛ كما يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ, يَقُولُ: "إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ؛ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ؛ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هذا الأمْرَ -ثُمَّ تُسَمِّيهِ بعَيْنِهِ- خَيْرًا لي في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ -قالَ: أوْ في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي-؛ فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، اللَّهُمَّ وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّه شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي -أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ-؛ فَاصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضِّنِي بهِ".

وَاِسْمَحُوا لِيْ أَنْ أَتَوَقَفَ مَعَ الاِسْتِخَارَةِ وَفَضْلِهَا وَأَحْكَامِهَا وَقَفَاتٍ سَرِيْعَة:

الوَقْفَةُ الأُوْلَى: فِي فَضْلِ صَلَاةِ الاِسْتِخَارَةِ؛ الاِسْتِخَارَةُ خَيْرٌ كُلُّهَا, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنَ الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ إِلَّا أَنَّ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ مُمْتَثِلاً لِلْسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ مُحَصِّلاً لِبَرَكَتِهَا، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بَرَكَةُ النُّطْقِ بِتِلْكَ الأَلْفَاظِ الّتِي تَرْبُو عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يَطْلُبُهُ الِإنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَيَخْتَارُهُ لَهَا.

إِلَـهِي مَـا سَـأَلْتُ سِـوَاكَ هَـْديًا *** فَـحَسْبِي الـهَدْيَ مِـنْ رَبٍّ بَصِيرِ

إِذَا لَــمْ أَسْـتَـعِنْ بِــكَ يَـا إِلَـهِي *** فَمَنْ عَوْنِي سِوَاكَ وَمَنْ مُجِيرِي

قَالَ اِبْنُ أَبِي جَمْرَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "الاِسْتِخَارَةُ فِي الأُمُورِ المُبَاحَةِ وَفِي المُسْتَحَبَّاتِ إِذَا تَعَارَضَا فِي البَدْءِ بِأَحَدِهِمَا، أَمَّا الوَاجِبَاتُ وَأَصْلُ المُسْتَحَبَّاتِ وَالمُحَرَّمَاتِ وَالمَكْرُوهَاتِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُسْتَخَارُ فِيهِ".

الوَقْفَةُ الثَانِيَّةُ: صَلَاةُ الاِسْتِخَارَةِ رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا المُصَلِّي بِنِيَّةِ الاِسْتِخَارَةِ, قَالَ اِبْنُ أَبِي جَمْرَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "الحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى دُعَاءِ الاِسْتِخَارَةِ أَنَّ المُرَادَ حُصُولُ الجَمْعِ بَيْنَ خَيْرَي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ, فَيَحْتَاجُ إِلَى قَرْعِ بَابِ المَلِكِ، وَلَا شَيءَ لِذَلِكَ أَنْجَحُ وَلَا أَنْجَعُ مِنَ الصَّلَاةِ؛ لِمَا فِيهَا مِن تَعْظِيمِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ, وَالاِفْتِقَارِ إِلَيْهِ مَآَلاً وَحَالاً".

وَأَمَّا عَنِ المَوْضِعِ الذِيْ يَأْتِي فِيْهِ بِدُعَاءِ الاِسْتِخَارَةِ فَقَدْ قِيْلَ: أَنَهُ يَأْتِ بِهِ بَعْدَ التَشَهُدِ الأَخِيْرِ وَقَبْلَ السَّلَامِ, وَقِيْلَ: يَأْتِي بِهِ بَعْدَ السَّلَامِ, قَالَ شَيْخُ الإِسْلَام اِبْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي صَلَاةِ الاِسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، وَالدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلَامِ أَفْضَلُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَالمُصَلِّي قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَنْصَرِفْ، فَهَذَا أَحْسَنُ، وَاللهُ -تَعَالَى- أَعْلَمُ".

الوَقْفَةُ الثَالِثَّةُ: اِسْتَحَبَّ بَعْضُ العُلَمَاءِ أَنْ لَا يَبْدَأَ الِإنْسَانُ بِدُعَاءِ الاِسْتِخَارَة إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَمَثَّلَ مَا وَرَدَ مِنَ السُّنَّةِ فِي أَمْرِ الدُّعَاءِ؛ فَيَبْدَأَ أَوَّلاً بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-, ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ يَأْخُذَ فِي دُعَاءِ الاِسْتِخَارَةِ الوَارِدِ, ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

وَالأَفْضَلُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الاِسْتِخَارَةِ وَالاِسْتِشَارَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الاِمْتِثَالِ لِلْسُّنَّةِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "مِنْ حَقِّ العَاقِلِ أَنْ يُضِيفَ إِلَى رَأْيِهِ آَرَاءَ العُلَمَاءِ، وَيَجْمَعَ إِلَى عَقْلِهِ عُقُولَ الحُكَمَاءِ؛ فَالرَّأْيُ الفَذُّ رُبَّمَا زَلَّ، وَالعَقْلُ الفَرْدُ رُبَّمَا ضَلَّ".

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: "مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعًا لَمْ يُمْنَعْ أَرْبَعًا: مَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُمْنَعِ المَزِيْدَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوبَةَ لَمْ يُمْنَعِ القَبُولَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الاِسْتِخَارَةَ لَمْ يُمْنَعِ الخِيَرَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ المَشُورَةَ لَمْ يُمْنَعِ الصَّوَابَ".

الوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا قَالَ إِنْسَانٌ: قَدِ اِسْتَخَرْتُ, لَكِنِّي تَرَدَّدْتُ فِي الأَمْرِ وَلَمْ تَطْمَئِنَ نَفْسِي, فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ أُكَرِّرَ الِاسْتِخَارَةَ؟ قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: "لَا بَأْسَ أَنْ يُكَرِّرَ الِاسْتِخَارَةَ, وَهَذَا قَولُ الجُمْهُورِ أَحْمدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمْ, فَلَا بَأْسَ مِنْ تَكْرَارِهَا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ وَلَا يَزَالُ عِنْدَهُ شَيٌء فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَخِيرُ مَرَّةً أُخْرَى، وَثَالِثَةً، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ".

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ؛ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى, وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَمَا زِلْنَا فِي ذِكْرِ بَعْضِ الوَقَفَاتِ مَعَ صَلاَةِ الاِسْتِخَارَةِ وَدُعَائِهَا:

الوَقْفَةُ الخَامِسَةُ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَقَدْ صَلَّيتُ وَدَعَوْتُ, فَكَيْفَ أَعْرِفُ نَتِيجَةَ الاِسْتِخَارَةَ؟ وَيُقَالُ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا قَامَ بِالاِسْتِخَارَةِ وَعَزَمَ عَلَى الأَمْرِ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِلَا تَرَدُّدٍ مَا دَامَ قَدْ عَرَفَ مِنْ خِلَالَ الاِسْتِشَارَةِ وَدِرَاسَةِ المَوْضُوعِ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ الشَرْعِ، وَأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ، وَلَا صِحَّةَ لِمَّا يَنْتَشِرُ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّه لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَظِرَ رَؤْيَا أَوْ مَنَامًا, أَوْ شُعُورًا مُعَيَّنًا فِي صَدْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنَامَ بَعْدَ الاِسْتِخَارَةِ مُبَاشَرَةً، وَأَنَّ هُنَاكَ بَرْقِيَّةً سَتَأْتِيهِ فِي المَنَامِ، فَكُلُّ هَذَا غَلَطٌ، وَلَمْ يَأْتِ فِي الاِسْتِخَارَةِ الشَرْعِيَّةِ شَيءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَخيِرِ أَنْ يُفَرِّغَ قَلْبَهُ مِنْ جَمِيعِ الأَهْوَاءِ وَالخَوَاطِرِ قَبْلَ الاِسْتِخَارَةِ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَائِلاً إِلَى أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ التِي يَهْوَاهَا؛ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى اِنْشِرَاحٍ كَانَ لَهُ فِيهِ هَوىً قَبْلَ الاِسْتِخَارَةِ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَخِيرِ تَرْكُ اِخْتِيَارِهِ رَأْسًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ مُسْتَخِيرًا للهِ، بَلْ يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِهَوَاهُ".

كَتَبَ طَاهِرُ بنُ الحُسَيْنِ إِلَى اِبْنِهِ عَبْدِ اللهِ لَمَّا وَلِي الإِمَارَةَ: "إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِاسْتِخَارَةِ اللهِ وَتَقْوَاهُ"، وَقَالَ لَهُ أَيْضًا فِي بَعْضِ وَصَايَاهُ: "وَأَكْثِرْ مِنِ اِسْتِخَارَةِ رَبِّكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ".

أيُّهَا الإِخْوَةُ: فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الوَقَفَاتِ وَالتَنْبِيْهَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِصَلاَةِ الاِسْتِخَارَةِ وَدُعَائِهَا, أَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّن يَسْتَمِعُ القَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ.

يا أمة محمد: اعلموا أن الله -تعالى- قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي