ولو انفرط عقد الأمن لرأيت كيف تعمّ الفوضى، وتتعطل المصالح، ويكثر القتل، وتنهك الأعراض، وتسرق الأموال، ولعلكم تلاحظون هذا في بعض الدول التي اختلَّ فيها الأمن كيف يعيش الناس فيها؛ إنهم في حالة خوف ورعب على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم،..
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المجادلة:13].
في هذه الخطبة أذكّر نفسي وإياكم بنعمة الأمن؛ فهي مطلب كل أمة، وغاية كل دولة، من أجلها جنّدت الجنود، ورصدت الأموال، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب، إنها نعمة الأمن، وما أدراكم ما نعمة الأمن؟! التي كانت أول دعوة أبينا إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)[البقرة:126]؛ فقدم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- نعمة الأمن على نعمة الطعام والغذاء؛ لأهمية نعمة الأمن.
إن الإنسان بدون أمن لا يهنأ في أكله إذا كان خائف، ولا يهنأ في نومه إذا كان خائفاً، ولا يأمن على ماله، ولا يأمن على أهله، ولا يأمن في أموره كلها، ولذلك أمن الله -عز وجل- أهل مكة بقوله -سبحانه-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)[العنكبوت:67].
إن نعمة الأمن تشكّل مع العافية والرزق المُلك الحقيقي للدنيا؛ فعن عبيد الله بن الأنصاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافًى في جسمه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها"(رواه الترمذي وابن ماجه).
عباد الله: في رحاب الأمن يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم، وفي ظلال الأمن يعبدون الله، ويقيمون الصلاة في المساجد، ويدعون إلى الله وتُقام شعائر الدين، ولو انفرط عقد الأمن لرأيت كيف تعمّ الفوضى، وتتعطل المصالح، ويكثر القتل، وتنهك الأعراض، وتسرق الأموال، ولعلكم تلاحظون هذا في بعض الدول التي اختلَّ فيها الأمن كيف يعيش الناس فيها؛ إنهم في حالة خوف ورعب على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعلى ضوء ذلك يجب أن نقف صفّاً واحداً للمحافظة على الأمن، وخاصةً في بلاد الحرمين الشريفين؛ البلاد المباركة التي هي محطّ أنظار المسلمين، والتي تسعي للدفاع عن قضايا المسلمين، ومساعدتهم في كل مكان، وعلينا أن نحافظ على الأمن بالتمسك بكتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والعناية بالعلم الشرعي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وإصلاح أنفسنا بالاستقامة على دين الله، وإصلاح أهل بيوتنا والالتفاف حول قيادتنا بطاعتهم في غير معصية الله.
نسأل الله -عز وجل- أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه، وأن يديم الأمن والأمان على بلادنا وبلاد المسلمين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن من أعظم أسباب الأمن في الأوطان: التوحيد والإيمان، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82]؛ والظلم هو الشرك؛ قال -سبحانه-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان:13].
وكلما ضعف التوحيد ضعف الأمن، وكلما زاد الشرك زاد الخوف؛ قال -تعالى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)[آل عمران:151].
ومن أسباب الأمن: طاعة الرحمن، وعدم المجاهرة بالمعاصي؛ فإن المعصية إذا أُخفيت لم تَضُرّ إلا صاحبها، وإذا أُعْلِنَتْ ضرَّت الجميع؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون أن يغيّروا ثم لا يغيّرون؛ إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب"، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي"؛ فعلينا أن نكره المعاصي في أيّ مكان، ولا نأتيها، ولا نفعلها ولا نرضاها.
ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي