إن في تقلُبِ الأحوالِ مصالحَ وحِكمًا؛ فمِنْ حرٍ إلى قَرٍ، ومنْ صيفٍ إلى شتاءٍ، ولو كان الزمانُ كلُّه فصلاً واحدًا لفاتتْ مصالحُ الفصولِ الباقيةِ فيه: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44].
الحمدُ للهِ الذي شمِلتْ قُدرتُه كلَّ مقدورٍ، وجرَتْ مشيئتُه في خلقِه بتصاريفِ الأمورِ، وأشهدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إلهًا جلَّ عن المثيلِ والنظيرِ، وتعالى عن الشريكِ والظهيرِ. وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه محجةً للسالكينَ، وحجةً على العبادِ أجمعينَ، فأشرقَ وجهُ الدهرِ سناءً، وانقلبَ الظلامُ ضياءً، فصلى اللهُ وملائكتُه وأنبياؤُه وعبادُه المؤمنونَ عليه، وسلامٌ عليهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، وتفكرُوا في أحوالِكم؛ فإنَّ مَن وراءِ تصريفِ الأحوالِ لخَبَراً، وإن في تقلُبِ الأحوالِ مصالحَ وحِكمًا؛ فمِنْ حرٍ إلى قَرٍ، ومنْ صيفٍ إلى شتاءٍ، ولو كان الزمانُ كلُّه فصلاً واحدًا لفاتتْ مصالحُ الفصولِ الباقيةِ فيه: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44].
يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتاء *** فَإذا جاءَ الشتا أنكرَهُ
فهوَ لا يرضَى بحالٍ أبدًا *** قُتِلَ الإنسانُ ما أكفرَهُ
ومِن حِكَمِ الشتاءِ وعجائبهِ: أنَّ: "البرودةُ تهربُ إلى الأجوافِ، فيَسخنُ جوفُ الأرضِ والحيوانِ، وأما في الصيفِ فتَبردُ الأجوافُ لسخونةِ الظواهرِ".
وأما أحكامُه، فمنها: أنهُ ينبغيْ للمسلمِ أن يعتنيَ في الشتاءِ بطهارتهِ أكثرَ؛ بأن يُسبغَ الوضوءِ على المَكارهِ، أي: على البَرْدِ؛ فإن النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أخبرَ بأنه: يَمحُو اللهُ بهُ الخطايا، ويَرفعُ به الدرجاتِ.
ولنَحذَرْ من التقصيرِ في إسباغِ الوضوءِ، ولا سيَّما المِرفقينِ، مع تراكمِ اللباسِ، وعُسْرِ حَسْرِ الأكمامِ عنهما.
وبما أنه يَكثرُ في البردِ التنزهات البرية وإيقادُ النارِ، ووسائلِ التدفئةِ، فما حكمُ صلاتِك وهيَ أمامَك؟
"يُكرهُ أن تكونَ النارُ في قِبلةِ المصلِّي؛ للتشبهِ بالمجوسِ. أما لو كانتْ جمراً بلا لهَبٍ فلا تُكرهُ الصلاةُ إليها. ولا تُكرهُ الصلاةُ أمامَ الدفاياتِ الكهربائيةِ" وقد نَهَى صلى الله عليه وسلم أن يَقْعُدَ الرّجُلُ بَيْنَ الظّلِّ وَالشّمْسِ، والمجربِ أنه يصيبُ بالزكامِ.
وفي إجازةِ الربيعِ يطيبُ التنزهُ والسهرُ، فخطِطُوا لاجتماعاتِكم، واحفَظُوا للبيئةِ حقَّها، واعرِفوا حدَّها، فلا احتطابَ للأرطى الرطبِ، ولا مخلفاتٍ بعدَ المغادرةِ، ولا تَعرُّضَ للتطعيسِ الخطِرِ.
وأهمُّ منه: استثمِرُوا إجازاتِكم بإنجازاتِكم، وحافِظوا على أوقاتِكم، واحفظُوا صلاتَكم، وأذِّنوا لكلِّ وقتٍ، وربُّوا أولادَكم على أواردٍ تَقِيكمْ وتَقِيهِم الآفاتِ.
أيُّها المؤمنونَ: وفي هذا البردِ القارسِ اذكرُوا نعمةَ اللهِ علينا في بلادِنا بالأمنِ والدفءِ وسعةِ الأرزاقِ، وتذكرُوا أحوالَ الفقراءِ مِنْ إخوانِكم وربما مِن جيرانِكم: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ)[المزمل: 20].
وتذكرُوا إخوانًا لكم، شرَّدتْهُم القُوى الظالمةُ الغاشمةُ، في ملاجئَ ومخيماتٍ. فادعُوا اللهَ لهم بالفرَجِ والنصرِ، وادعَموهُم عبرَ القنواتِ الرسميةِ؟!
الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا كما أمرَ، وصلى اللهُ وسلمَ على محمدٍ سيدِ البشرِ، وعلى آلهِ وأصحابهِ السادةِ الغُرَرِ، وعلى مَنِ اقتفى بَعدَهمُ الأثرَ.
أما بعدُ: ومِنَ التيسيرِ في الشتاءِ: جوازُ المسحِ على الجَوربينِ، وهيَ مسألةٌ عقديةٌ فقهيةٌ؛ لأنَّ بعضَ الفِرَقِ المُنحرفةِ يُنكِرونَ سُنِّيَّتها.
وهذهِ ثمانُ مسائلَ مهمةٍ للمسحِ على الخفينِ: أولا: المسحُ أفضلُ لِلابِسِ الجوربِ مِن نزعِهِ.
ثانيا: الجوربُ الذي به ثقوبٌ يجوز المسحُ عليه، ولو كان الثقبُ كبيرًا.
ثالثا: إذا تمتِ المدةُ وهو على طهارةٍ، فطهارتُه باقيةٌ حتى تنتقضَ.
رابعا: مَن نسيَ ومسحَ بعدَ تمامِ المدةِ فعليهِ أن يُعيدَ الصلاةَ التي صلاها، ولو بعدَ شهرٍ.
خامسا: مَن لا يَدري هلِ انتهتْ مدةُ المسحِ أم لا فإنه يَغسلُ رجليهِ لقطعِ الشكِ باليقينِ.
سادسا: تبدأُ مدةُ المسحِ من أولِ مسحةٍ، فإن لَبِسَهما بعدَ وضوئهِ لصلاةِ الفجرِ، ولم يمسحْ عليهِما إلا قبلَ الظهرِ، فابتداءُ المدةِ مِن صلاةِ الظهرِ، لا مِن صلاةِ الفجرِ.
سابعا: لا حرجَ أن يُدْخِلَ يدَه لحكِ رجلِه مِن داخلِ الشُرَّابِ أو إزالةِ ما يؤذيهِ ولا تنتقضُ طهارتُه بذلكَ.
ثامنا: يجوزُ المسحُ على كلِّ ما يشقُ نزعُه مما وُضعَ على الرأسِ كالقُبعِ الذي يُغطي الرأسَ والرقبةَ من خلفٍ ومن أمامٍ، فله مسحُه، أما القُبْعُ على الرأسِ فقط فلا يجوزُ المسحُ عليهِ.
اللهم إنا نسألُكَ تعجيلَ عافيتِك، وصبرًا على بليتِك، وخروجًا من الدنيا إلى رحمتِك.
اللهم الطُفْ بنا في تيسيرِ كل عسيرِ؛ فإن تيسيرَ كلِّ عسيرٍ عليكَ يسيرٌ.
اللهم افتحْ مسامعَ قلوبِنا لذكرِك، وارزقْنا طاعتَك، وطاعةَ رسولِكَ، وعملاً بكتابِك.
اللهم إنا نعوذُ بكَ من عملٍ يخزِينا، اللهم إنا نعوذُ بك من غِنىً يطغِينا، اللهم إنا نعوذُ بك من صاحبٍ يُرْدِينا، اللهم إنا نعوذُ بكَ من أملٍ يُلهينا، اللهم إنا نعوذُ بكَ من فقرٍ يُنسيْنا.
اللهم وفقْ إمامَنا ووليَ عهدِه بتوفيقِك، اللهم ارزقُهم باطنةَ الصلاحِ والسدادِ.
اللهم احفظْ مجاهدِينا ومرابطِينا، واخلفْ عليهِم كلَّ غائبةٍ بخيرٍ.
اللهم لا تخيِّبنا ونحن نرجوكَ، ولا تعذِبنا ونحن ندعوكَ.
اللهم اجعل خيرَ عملِنا ما ولِيَ أجلَنا.
اللهم اسقِنا سُقيًا نافعةً وادعةً، تزيدُ بها في شُكرِنا. وارزقنا رِزقَ إيمانٍ، وبلاغَ إيمانٍ؛ إن عطاءَك لم يَكنْ محظورًا.
اللهم اسقِ عبادَك وبلادَك، واحييِ بهائِمَك، وانشرْ رحمتَك يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهم أنزِلْ في أرضنِا ربيعَها، وأنزلْ في أرضِنا سَكنَها، وارزقنا من بركاتِ السمواتِ والأرضِ، وأنتَ خيرُ الرازقينَ.
اللهم أَسقِنا غيثًا مُغيثًا طبقًا، عاجلًا غيرَ آجلٍ، نافعًا غيرَ ضارٍ، تُرخِصُ به أسعارَنا، وتدِرُّ به أرزاقَنا، وتُنعِمُ به على بَدْوِنا وحضَرِنا، واجعلْنا لكَ شاكرين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي