المنكر قد يستفحل أحيانًا فيُعْلَن به ويظهر على سبيل المحادة لله -عز وجل-، وهنا يقع الخطر وتعظم البلية، وتكبر المسؤولية على الجميع، فمن أنكر نجا، ومن سكت هلك مع الهالكين؛ فإذا كثُر الخبث وسكت الناس عن الإنكار صاروا شركاء مع أهل المعصية والإثم، ولو لم يفعلوا فالحذر الحذر من المنكرات وانتشارها وعدم الإنكار أو الرضا بها.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إنَّ المعصية بدأت بمعصية الشيطان لما أمره الله بالسجود لأبينا آدم تشريفاً لآدم؛ فأبى واستكبر، ثم عصى آدم عندما أكل من الشجرة لكن الله -عز وجل- أوحى إليه بكلمات فقالها فتاب الله عليه، وهي: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23].
ولهذا يجب علينا التوبة عند المعصية اقتداءً بأبينا آدم؛ حيث تاب وأُمّنا حواء عندما عصيا الله -عز وجل-؛ لأن المنكر قد يستفحل أحيانًا فيُعْلَن به ويظهر على سبيل المحادة لله -عز وجل-، وهنا يقع الخطر وتعظم البلية، وتكبر المسؤولية على الجميع، فمن أنكر نجا، ومن سكت هلك مع الهالكين؛ فإذا كثُر الخبث وسكت الناس عن الإنكار صاروا شركاء مع أهل المعصية والإثم، ولو لم يفعلوا فالحذر الحذر من المنكرات وانتشارها والسكوت وعدم الإنكار أو الرضا بها.
عباد الله: إنَّ في قصص الأنبياء عبرةً للمعتبرين؛ قال الله -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40].
ومن العِبَر المستفادة من قصة نبي الله صالح -عليه السلام- وقومه ثمود؛ حيث تآمر مجموعة من قوم صالح على قتل الناقة وقتل صالح -عليه السلام-، ولم ينكروا عليهم قومهم؛ فلما نزلت العقوبة عمَّتهم جميعاً؛ لأنهم سكتوا عن المنكر، ولهذا قال -تعالى-: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)[الشعراء:157]، مع أن العاقر واحد منهم، لكن الراضي والساكت كالفاعل، لذا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان في المجتمع؛ لأنه يمنع المنكرات أو على الأقل يخفّف منها.
أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعاً يقول: "لا إله إلا الله! ويل للعرب من شرّ قد اقترب؛ فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه"، وحَلّق بأصبعه الإبهام والتي تليها. قالت زينب بنت جحش: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
وأخرج أبو داود في سننه: قال أبو بكر -رضي الله عنه- بعدَ أنْ حمِدَ اللهَ، وأثنى عليه: يا أيُّها الناسُ، إنَّكم تقرَؤُونَ هذه الآيةَ، وتضَعونَها على غيرِ مواضِعِها: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ)[المائدة:١٠٥]، وإنّا سمِعْنا النبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: "إنَّ الناسَ إذا رأَوُا الظالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشَكَ أنْ يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ". وإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ-: "ما من قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، ثم يقدِرونَ على أنْ يُغيِّروا، ثم لا يُغيِّروا إلّا يوشِكُ أنْ يعُمَّهم اللهُ منه بعقابٍ".
إذاً فإن لمجتمع دورًا كبيرًا في الإصلاح، ومتى تخلى عنه استحق الهلاك؛ لأن المجتمع شريك أصيل من المعصية بالنهي أو السكوت، ويعظم الدور على أهل العلم وأهل الحل والولاة قال -تعالى-: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[المائدة:63].
عباد الله: نحن جميعًا في سفينة؛ فإذا حافظنا عليها نجونا من الغرق، وإذا تركنا بعضاً يخرم في أسفلها غرقنا جميعاً، وهذا ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ ثبت عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا على أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا"(رواه البخاري).
نعوذ بالله من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله من الذنوب والمعاصي، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن المعصية لم تظهر في قوم إلا وقد استحقوا العقوبة من الله -تعالى-، ومن آثار المعاصي أن الناس يُحرمون الرزق، ويعم البلاء وغلاء الأسعار، وتنتشر الأمراض، وما ذلك إلا بما كسبت أيديهم؛ (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30].
لذا فإن المعاصي نذير شؤم على المجتمعات والأفراد، واعلموا أن صلاح البلاد والعباد إنما يكون بتقوى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الرضا بالمنكرات من الغناء والمجون والحفلات المخالفة لشرع الله -عز وجل-.
لذا علينا الإنكار بقلوبنا وعدم الرضا بهذه المهرجانات المخالفة في أيّ مكان ومنع أهل بيوتنا وأقاربنا الذهاب إليها، وإنكارها بقدر الاستطاعة.
نسأل الله أن يقينا شر المعاصي، وأن يرزقنا إنكارها بقدر الاستطاعة، وأن يوفقنا لعمل الصالحات؛ إنه سميع الدعاء. ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله --عز وجل--: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا عسرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي