عباد اللهِ: إنَّ اللُّغةَ العربيةَ دعامةٌ مِنْ دعائِمِ وجودِ المجتمعِ، وهِيَ الهويةُ الناطقةُ المعبِّرةُ عَنِ الشعبِ الَّذِي يحملُهَا، ولِهَذَا قِيلَ: اللسانُ العربِيُّ شعارُ الإسلامِ وأهلِهِ. واللغاتُ مِنْ أعظمِ شعائرِ الأممِ الَّتِي بِهَا يتميزُونَ. وقدْ حافظَ عليها المسلمونَ سابقًا ولاحقًا، وبذَلُوا فِي سبيلِهَا الغالِيَ والنَّفيسَ؛ وأنفقُوا أعمارَهُمْ فِي تعلم وتعليمِ كتابِ اللهِ حفظاً وتفسيرًا وإعراباً، ونقلُوا...
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولي الصالحين، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه النبيُّ الأمينُ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ -أيُّها المؤمنونَ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران: 102].
عبادَ الله: القرآنُ الكريمُ كتابُ اللهِ العظيمِ، جعلَهُ اللهُ نورًا وهدًى ورحمةً لِلْعالمينَ، نزلَ بهِ جبريلُ الأمينُ، على قلبِ نبيِّنا محمد -صلى اللهُ عليه وسلم- بلسانٍ عربِيٍّ مُبينٍ، يقول الله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)[الشعراء: 192-195]، وجعلهُ اللهُ -جلَّ وعلا- عزًّا وشرفًا وسؤددًا لعباده المؤمنين، قال تعالى: (لَقَدْ أنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أفَلا تَعْقِلُونَ)[الانبياء: 10]، وهو محفوظٌ بفضلِ اللهِ إلى يومِ الدينِ، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9].
وجَعلَ اللهُ -جلَّ وعلا- هذا القرآنَ بالُّلغةِ العربيَّةِ، دليلا على إعجازِه وقوةِ بيانِه، فتَحدَّى به العربَ الفصحاءَ، وأفحمَ بِهِ الشُعراءَ والبلغاءَ، وضمِنَ لهُ العزَّةَ والغلبةَ والبقاءَ، وأثنى بهِ على عبادِه العلماءِ، مَنْ عملَ بِهِ فليبشرْ بالسعادةِ والفوزِ والفلاحِ والارتقاءِ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طه:123-124]، وهذا فيه دلالةٌ واضحةٌ على عِظَمِ اللغةِ العربيةِ ومكانتِها؛ وفضلِها على سائرِ لغاتِ الأرضِ لحملِ أمانةِ الشرعِ وإبلاغِه للناسِ كافةً، ولقد اختارَهَا ربُّنَا -جلَّ وعلا- لتكونَ بلسانِ شريعةِ أفضلِ رسلِهِ محمدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وجعلَ العنايةَ بِهَا مِنْ أفضلِ القرباتِ، والاهتمامِ بِهَا مِنْ أَولى الأولوياتِ.
وقدْ نصَّ أهل العلمِ علَى أنَّ الاشتغالَ بعلومِ اللغةِ العربيةِ يَحصُلُ بِهِ الخيرُ العميمُ والثَّوابُ الجزيلُ؛ لِمَا يترتَّبُ علَى ذلك من معرفةِ الْمقَاصِدِ الشَّرعيَّةِ لكلامِ ربِّ العالمين، وسنةِ خيرِ المرسلين، قالَ عمرُ بنُ الخطابِ -رَضيَ اللهُ عنهُ-: "تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ"(رواه البيهقي في شعب الإيمان).
عباد اللهِ: إنَّ اللُّغةَ العربيةَ دعامةٌ مِنْ دعائِمِ وجودِ المجتمعِ، وهِيَ الهويةُ الناطقةُ المعبِّرةُ عَنِ الشعبِ الَّذِي يحملُهَا، ولِهَذَا قِيلَ: اللسانُ العربِيُّ شعارُ الإسلامِ وأهلِهِ. واللغاتُ مِنْ أعظمِ شعائرِ الأممِ الَّتِي بِهَا يتميزُونَ.
وقدْ حافظَ عليها المسلمونَ سابقًا ولاحقًا، وبذَلُوا فِي سبيلِهَا الغالِيَ والنَّفيسَ؛ وأنفقُوا أعمارَهُمْ فِي تعلم وتعليمِ كتابِ اللهِ حفظاً وتفسيرًا وإعراباً، ونقلُوا لنَا القرآنَ الكريمَ بكلِّ قراءاتِه ورواياتِهِ، وضبطُوا قواعدَ اللغةِ، وكتبُوهَا فِي مؤلفاتٍ عظيمةٍ. فحُقَّ لنَا أنْ نفخَرَ بِهَا، وأن نتمسَّكَ بِهَا، ونَعَضَّ عليهَا بالنَّواجذِ، فرَحِمَ اللهُ مَنْ قالَ علَى لسانِهَا، واقتبسَ مِنْ بيانِهَا، يقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه اللهُ-: "اللغةُ العربيةُ من الدين، ومعرفتُها فرضٌ واجبٌ؛ فإنَّ فهمَ الكتابِ والسنةِ فرضٌ، ولا يُفهمُ إلا بفهمِ اللغةِ العربيةِ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ"، ويقولُ رحمهُ اللهُ: "ومعلومٌ أن تعلُّمَ العربيةِ وتعليمَها فرضٌ على الكفاية".
وقد عبَّر الشاطبيُّ -رحمه اللهُ- عن هذا المعنى بقوله: "إنَّ الشريعةَ عربيةٌّ، وإذا كانت عربيَّةً؛ فلا يفهمُها حقَّ الفهمِ، إلا من فهِمَ اللغةَ العربيَّةَ حقَّ الفهمِ؛ فإذا فرضنا مُبتدِئًا في فهمِ العربية؛ فهو مُبتدِئٌ في فهمِ الشريعةِ، أو متوسِّطًا؛ فهو متوسِّطٌ في فهمِ الشريعةِ؛ فإن انتهى إلى درجةِ الغايةِ في العربيةِ كان كذلك في الشريعة".
عبادَ اللهِ: ولقد حَصَلَ في زمانِنا هذا لغطٌ وتساهلٌ عظيمٌ في الكلامِ بغيرِ العربيّةِ، وهذا واضحٌ وضوحَ النهارِ من استعمالِ كثيرٍ من شبابِ المسلمين لكناتٍ غريبةٍ لا تمتُّ للغةِ العربيةِ بصلةِ.
والأعجبُ من ذلكَ: حرصُ بعضِ الناسِ على تكسيرِ لغتَهِم، وتلحينِ كلامِهم، وتغييرِ نُطقِهم عندَ مخاطبةِ العمالةِ الأجنبيةِ، ظنًّا منْهم أنَّ هذا التكسيرَ يُسهِّلُ على العاملِ الفهمَ، ممَّا خَلقَ في أوساطِنا لغةً غريبةً تستحيي الأذنُ العربيةُ من سماعِها.
وكذلك استعاضةُ بعضِ أبناءِ هذا الجيلِ بلكناتٍ وكلماتٍ مستغربةٍ ومستحدثةٍ أعجميةٍ وغيرِ أعجميةٍ عن اللغةِ العربيةِ عندَ الكتابةِ عَبْرَ مراسلاتِهم في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيْ التي تَرى فيهَا العجبَ العجابَ من ألفاظٍ ولكناتٍ يستحي منها المرءُ لما فيهَا من ازدراءِ هذهِ اللغةِ العظيمةِ واحتقارِها لدى هذا الجيلِ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ منهم.
وكذلكَ انتشارُ ألفاظٍ أعجميةٍ عندَ اللقاءِ، بين الشبابِ مع بعضهِم، أو الفتياتِ كذلك سواءٌ كانَ ذلكَ في الصباحِ أو في المساءِ، أو عندَ اللقاءِ في الأماكنِ العامةِ، أو المناسباتِ بتحيةٍ غيرِ عربيةٍ، وكذلك عندَ التعاملِ مع العمَّالِ والخادماتِ العَجَمْ بتقديمِ لغتِهم الأعجميةِ على لغتِنَا العربيةِ الأصيلةِ العظيمةِ، يقولُ الشّيخُ أحمدْ شاكرْ -رحمه اللهُ-: "إنْ شئتَ أَنْ ترى هذا الخَطرَ مصوَّرًا مجسَّمًا مهدِّدًا بتدميرِ النّطقِ العربيّ الصّحيحِ، فاستمعْ إلى قراءةِ شبابِنا في هذا العصرِ، إذا ما قرأُوا كلامًا عربيّـًا فيهِ أعلامٌ أجنبيّةٌ، تسمعُ العَجَبَ؛ حروفًا عربيّـةً غيرَ مستقيمةٍ ولا فصيحةٍ، وقواعدَ مهلهلةً، ولحنًا مستفيضًا، ثمّ أعلامًا أجنبيّةً تَعوْجُّ بهَا الألسنةُ، وتميلُ الأشداقُ، وتُؤْكلُ فيهَا الحروفُ".
وقد كانَ السّلفُ يكرهونَ الكلامَ بغيرِ العربيّةِ دونَ حاجةٍ، وكَرهَ الإمامُ الشافعيُّ -رحمه اللهُ- لمنْ يعرفُ العربيّةَ أنْ يسمِّيَ بغيرِها، وأَنْ يتكلمَ بها خالطًا لها بالأعجميّةِ، وهذا الذي ذَكَرهُ قاله الأئمةُ وهو مأثورٌ عن الصّحابةِ والتّابعين.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاق)[الرعد: 37].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ.
أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَه كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم من كلِّ شرٍّ، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -أيُّها المؤمنونَ-، واعلموا أنَّ اللغاتِ الأجنبيةَ، وإنْ كانتْ لغةَ الصناعةِ والتّقنيةِ والعلومِ الدنيويةِ، إلا أنَّه ينبغي علينَا أنْ نحصُرَها في نطاقِها، وأنْ تكونَ لغتُنا العربيةُ هي الأساسُ في كلِّ شيءٍ، وأن نجعَلها صاحبةَ المكانةِ اللائقةِ فِي سائرِ ميادينِ حياتِنا.
وإنَّ من الواجبِ المتحتِّمِ علَى الآباءِ والأمهاتِ، والمعلمينَ والمعلماتِ، والمربيينَ والمربياتِ، والموظفينَ والموظفاتِ، وغيرِهم من أصحابِ المسؤولياتِ أنْ يحرصُوا علَيها، وأن يعلِّموها للأبناءِ والبناتِ على الوجهِ المطلوبِ، كما كان سلفُنا الصالحُ.
وعلى المؤسساتِ التعليميةِ أنْ تحافظَ علَى ألسنةِ الطلابِ والطالباتِ من الانحرافاتِ اللغويةِ الكثيرةِ التي يتعرضونَ لها من خلالِ وسائلِ الإعلامِ الأعجميةِ، أو غيرِها من الوسائلِ، وبيانِ أضرارِها على لغتِنا الحبيبةِ.
وعلى هذه المؤسساتِ إعلاءُ شأنِها بالحديثِ بِهَا فِي المؤتمراتِ والندواتِ، والمحاورِ العلميةِ، ومجالسِ المناقشاتِِ، وجميعِ وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمرئيةِ.
وأن نحرصَ على التحدّثِ بها في مجالسِنا العامةِ والخاصةِ، وأن نتركَ غيرَها من اللهجاتِ المخالفةِ لها.
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله فقد أمركم الله بذلك، فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي