خطبة عيد الفطر لعام 1422هـ

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
عناصر الخطبة
  1. الغاية من العيد .
  2. شكر الله تعالى وحمده .
  3. التمتع بما أباحه الله لعباده .
  4. بين أعياد المسلمين وأعياد غيرهم .
  5. الأصول التي يقوم عليها دين الإسلام .
  6. معوقات الإنسان في طريقه إلى الله .
  7. خطر الشرك والبدع والمعاصي على الفرد والمجتمع .
  8. ضرورة محافظة الإنسان على من يعول من النساء .

اقتباس

اذكروا نعمة الله عليكم بهذا العيد العظيم، وهذا الموسم الكريم، الذي اجتمعنا فيه طاعة لله -تبارك وتعالى-، وطلبًا لمرضاته -سبحانه وتعالى-، إنه عيد عظيم، عيد الفرح والاستبشار، عيد الإفطار، عيد النعمة، والعطاء الغزير، والخير المدرار، عيد الإيمان والإحسان والطاعة للرحمن، عيد البذل والعطاء والجود والسخاء، عيد الصلة بين الأرحام والتعاون والاجتماع والتلاقي على طاعة الله -جلّ وعلا-..

 

 

 

 

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، الحمد لله الذي أتم لنا النعمة، وجعل أمتنا أمة الإسلام خير أمة، هدانا إلى صراط مستقيم، ودين قويم، وشرع حكيم، وبعث إلينا رسولاً كريمًا، يدعو إلى صراط الله المستقيم، الحمد لله على نعمة الإسلام، وعلى نعمة الإيمان، وعلى الصلاة والصيام والقيام، الحمد لله على ما أعطانا، والحمد لله على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا من نعمه الكثار، وآلائه الغِزار، وعطائه المدرار، الحمد لله على نعمه التي لا تُعد ولا تحصى، وآلائه التي لا تستقصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوّلين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلّغ الناس شرعه، المبعوث رحمة للعالمين، ومعلمًا للأميين، وقدوة للسالكين، ومحجَّة للعاملين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

أيها المؤمنون عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، اتقوا الله -جلّ وعلا- (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 – 71].
 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: اذكروا نعمة الله -تبارك وتعالى- عليكم بالهداية لهذا الدين العظيم، والدّلالة لهذا الصراط المستقيم، وبجعلكم من أتباع الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، واذكروا نعمة الله عليكم بهذا العيد العظيم، وهذا الموسم الكريم، الذي اجتمعنا فيه طاعة لله -تبارك وتعالى-، وطلبًا لمرضاته -سبحانه وتعالى-، إنه عيد عظيم، عيد الفرح والاستبشار، عيد الإفطار، عيد النعمة، والعطاء الغزير، والخير المدرار، عيد الإيمان والإحسان والطاعة للرحمن، عيد البذل والعطاء والجود والسخاء، عيد الصلة بين الأرحام والتعاون والاجتماع والتلاقي على طاعة الله -جلّ وعلا-.

عباد الله: لقد جعل الله -عز وجلّ- هذا العيد المبارك، لعباده المؤمنين لمقصديْن عظيميْن، وهدفين جليلين:

الأول منهما: شكر الله -سبحانه وتعالى- وحمده والثناء عليه، والاعتراف بنعمته وفضله وجوده وعطائه، وتيسيره تبارك وتعالى بأن يسر لعباده الطاعة، وسهل لهم سبيلها، وأعانهم على القيام بها، أمرهم -سبحانه وتعالى- بالصيام فامتثلوا راغبين وصبروا، وأباح لهم -سبحانه وتعالى- الفطر فحمدوا ربهم على ذلك وشكروا، فاليوم يوم شكر لله على نعمته -سبحانه وتعالى-، بالصيام والقيام والطاعة والعبادة في شهر رمضان المبارك.

والمقصد الثاني -عباد الله-: التمتع بما أباحه الله -عز وجلّ- لعباده، وما أحلّه لهم من الطيبات، من أنواع الملابس والمآكل والمشارب، من غير إسراف ولا مخيلة؛ فإن الإسراف والخيلاء مذموم في كل وقت وحين، ولاسيما في يوم العيد الذي هو يوم شكر وذل وخضوع لله -تبارك وتعالى-.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: إن لكل أمة من الأمم أعيادًا، أعيادًا تنطلق من مذاهبهم المحرفة، وأديانهم الزائفة، وأرائهم المتحللة، ونزواتهم البهيمية، ويبقى للمسلمين عيدهم متلألئًا بصفاء العقيدة وسنا التوحيد وصحة الإيمان، مضيئًا بكمال الأعمال وصحة الأخلاق واستقامة السلوك، عيد يشرع للمؤمنين فيه أزكى الأعمال وأطيبها وأفضل الخصال وأجلها، ومن المظاهر العامة والأعمال المشروعة في العيد، الاجتماع للصلاة وذكر الله -تبارك وتعالى-، وتكبيره وتعظيمه سبحانه، والتواصل والصلة والسلام وتبادل التحية، ورعاية الأيتام والإحسان إلى الفقراء، إلى غير ذلك من مظاهر الخير، وأعمال البرّ وخصال الإحسان، التي يدعو إليها ديننا الحنيف في هذا اليوم العظيم.

فشتّان -عباد الله- بين هذا العيد المبارك، وتلك الأعياد المحرفة، القائمة على الفسق والفجور والرقص والخمور والبعد والضلال، فهنيئًا لأمة الإسلام بعيدها السعيد المبارك، الذي يصلها بالله ويقوي صلتها بالله، ويعينها على ذكره وشكره وحسن عبادته.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: إن دين الله -عز وجل- دين كامل وعظيم، ارتضاه لعباده دينًا، وأتمّه عليهم ورضيه لهم، ولا يقبل منهم دينًا سواه، دين كامل في عقائده وعباداته وأخلاقه ومعاملاته، إن نظرت إلى عقائد الدين، فهي أصح العقائد وأزكاها وأقومها، وإن نظرت إلى عباداته وأعماله، فهي أجمل العبادات وأحسن الأعمال وأطيبها، وإن نظرت إلى أخلاقه وآدابه، فهي أزكى الأخلاق وأجملها وأحسنها، دين امتلأ خيرًا ورحمة، وامتلأ برًّا وإحسانًا، دين يدعو إلى معالي الأمور، ورفيع الأخلاق، ونبيل الآداب، ويحذر من سفساف الأخلاق ورديئها، فالحمد لله على هذا الدين، وله الشكر -سبحانه وتعالى- على هذه المنة، ونسأله -جلّ وعلا- أن يثبتنا على دينه الحنيف، وأن يحيينا مسلمين، وأن يتوفانا مؤمنين، غير ضالين ولا مضلين.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: إن هذا الدين العظيم، يقوم على أصول ستة عظيمة لا قيام له إلا عليها، وهي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر: خيره وشره، يقول الله -تبارك وتعالى-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) [البقرة: 177]، ويقول -تبارك وتعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) [البقرة: 285]، ويقول -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء: 136]، وهي أصول عظيمة متماسكة مترابطة، لا يُقبل من المؤمنين بعضها دون بعض، بل لابد من الإيمان بها، وهي أصول تقوم عليها شجرةُ الإيمان، وتنبني عليها الطّاعة، فلا قبول لأي طاعة إلا إذا أُسِّست على هذه الأصول العظيمة.

عباد الله: ثم إن هذا الدين يقوم على أعمال كريمة، وطاعات مباركة، يتقرب بها المؤمنون إلى الله -جلّ وعلا-، وأجل هذه الطاعات وأعظمها، مباني الإسلام الخمسة التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير ما حديث، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام". وفي صحيح مسلم لما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، فقال له: أخبرني عن الإسلام، قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج بيت الله الحرام"، قال: صدقت، فعجب الصحابة لذلك، يسأله ويصدقه.

عباد الله: ومن يتأمل هذه الطاعات العظيمة، والمباني الكريمة، التي يقوم عليها الإسلام، يجد أنها طاعات تقرب إلى الله، وتدني عباد الله منه، وتصلهم به -تبارك وتعالى-، بها تزكو حالهم، وتستقيم أمورهم، ويصح سلوكهم، ويعظم أجرهم عند الله -تبارك وتعالى-.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

ثم إن الله -جلّ وعلا- أمر عباده بأوامر عديدة، ونهاهم عن نواهٍ كثيرة، وهو -جلّ وعلا- لا يأمر عباده إلا بكل خير، ولا ينهاهم إلا عن كل شر، ولهذا فإن السعيد من عباد الله من يتعلم أوامر الله -جلّ وعلا- في كتابه، وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام- في سنته؛ ليعمل بها، ويطبقها، ويسعى حياته في إتمامها وإكمالها، ويتعلم النواهي التي في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ليحذرها وليتقيها وليبتعد عنها، فإن الله -جلّ وعلا- لا يأمر عباده إلا بكل خير، ولا ينهاهم إلا عن كل شر، وهكذا رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لا يأمر الأمة إلا بالخير، ولا ينهاها -صلوات الله وسلامه- إلا عن الشر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما بعث الله من نبي، إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته إلى خير ما يعلمه لهم، وأن ويحذرهم من شر ما يعلمه لهم"، وهكذا فعل -صلوات الله وسلامه عليه-، فعل ذلك على التمام والكمال، فدل الأمة إلى كل خير، ونهاها عن كل شر، دعاها إلى ما فيه الرفعة والعزة والسلامة في الدنيا والآخرة، وحذّرها من كل ما فيه شر وبلاء في الدنيا والآخرة، فنسأل الله -جلّ وعلا- أن يجعلنا وإياكم من أتباعه حقًّا، ومن أنصاره صدقًا، ومن المستمسكين بسنته والعاملين بهديه، وأن يحشرنا في زمرته وتحت لوائه؛ إنه سميع مجيب.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: إن الواجب على كل مسلم حريص على سعادته وفلاحه في الدنيا والآخرة، أن يحذر أشد الحذر، من العوائق التي تعوق الإنسان في طريقه إلى الله، وفي سيره إليه -سبحانه وتعالى-، وهناك -عباد الله- ثلاثة عوائق خطيرة نبّه عليها العلماء، وأكدوا على التحذير منها، تعوق العبد وتقطعه في سيره إلى الله -جلّ وعلا-، وهي الشرك بالله، والبدع بأنواعها، والمعاصي بأجناسها وأصنافها، فهذه ثلاثة عوائق أمام الإنسان في هذه الحياة الدنيا، تقطع سيره إلى الله -جلّ وعلا-، وإلى نيل مرضاته سبحانه، وأخطر هذه العوائق، الشرك بالله -جلّ وعلا-، والشرك -عباد الله- منه كبير وصغير، ومنه ظاهر وخفي، فيجب على المسلم أن يحذر من الشرك كله، دقيقه وجليله، صغيره وكبيره، وأن يسأل الله -جلّ وعلا- دائمًا أن يحفظه منه، وفي الحديث: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك به شيئًا دخل النار"، وفي الحديث الآخر، يقول الله -تبارك وتعالى-: "يا ابن آدم: لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم ليقتنى لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة".

عباد الله: ثم إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في الأدب المفرد للإمام البخاري -رحمه الله-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر الصديق: "يا أبا بكر: للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل"، فقلت: يا رسول الله: وهل الشرك إلا أن يجعل لله ندًّا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فوالذي نفسي بيده للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليل الشرك وكثيره؟!"، قلت: بلى يا رسول الله، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم"، فحافظوا على هذه الدعوة المباركة، اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم.

عباد الله: وأما البدع فإن شأنها خطير، ومغبتها سيئة على أهلها؛ لأن الله -جلّ وعلا- لا يقبل من عباده التقرب إليه بالأهواء المحدثات والبدع المنشآت، وإنما يقبل من عباده التقرب إليه، بما جاء في كتابه وما صح في سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وكان -صلوات الله وسلامه عليه-، يؤكد على هذا الأمر الجلل في كل خطبة يخطبها، حيث كان يقول: "أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهُدى هُدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، يقول ذلك في كل خطبة، تأكيدًا للأمر، وتنويهًا بهذا الشأن، وتحذيرًا للأمة، فيجب علينا -عباد الله- أن نحرص على ملازمة السنة، والبعد عن الأهواء والبدع كلها، صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ونستعين بالله الكريم على ذلك.

وأما المعاصي -عباد الله- فإنها أنواع وأجناس وأصناف كثيرة، فمنها ما هو كبير، ومنها ما هو صغير، والواجب على عبد الله المؤمن، أن يحرص على البعد عن المعاصي كلها صغيرها وكبيرها، فإن وقع منه شيء من الزلل أو الخطأ والتقصير، فليبادر إلى التوبة إلى الله -جلّ وعلا-، مهما كثرت ذنوبه ومهما تعددت، فإن الله -جلّ وعلا- يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، يقول -سبحانه وتعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: إن نعم الله -جلّ وعلا- علينا كثيرة، وإنه -تبارك وتعالى- أمرنا بشكره على نعمه، ووعدنا على ذلك بالزيادة لمن شكر، فإن النعمة إذا شُكرت زادت، وإذا كُفرت فرت من العبد ولم تبق معه، ولهذا أمر -جلّ وعلا- عباده بالشكر، وجعل الشكر مُؤْذِن بالزيادة ونهاهم عن كفران النعم، وأخبر سبحانه أن عقوبة كفرانها عند الله شديدة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]. بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ووفقنا وإياكم لاتباع سنة النبي الكريم، وهدانا وإياكم إلى صراطه المستقيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله العلي الكبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، واعلموا -عباد الله- أن الله -جلّ وعلا- معكم بعلمه واطلاعه، يراكم أينما تكونون، ويطلع على ما في قلوبكم، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، فهو سبحانه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولهذا -عباد الله- يجب على المسلم أن يراقب الله -عز وجلّ- أينما كان، وأن يتقي الله -جلّ وعلا- أينما حل، وأن يعلم أن ربه -سبحانه وتعالى- يسمعه ويراه.

ثم -عباد الله- عليكم بالمحافظة على طاعة الله وامتثال أوامر الله، والاستمساك بشعب الإيمان، والتمسك بآداب هذا الدين العظيم، والمحافظة على ذكر الله -جلّ وعلا- ودعائه وحسن عبادته، والاجتهاد في القيام بطاعته، والمحافظة على ذلك حتى الموت، والاستعانة على ذلك بالله وحده -تبارك وتعالى-، فالمعين هو الله، والموفق هو الله، والهادي إلى سواء السبيل هو الله -تبارك وتعالى-، ومن يضلل الله فلا هادي له، ومن يهده -تبارك وتعالى- فلا مضل له، فنسأل الله -جلّ وعلا- أن يهدينا وإياكم إليه صراطًا مستقيمًا، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: نفِّذوا وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن تعولون من النساء والبنات، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصاكم بهنّ خيرًا، وأرشدكم إلى أهمية رعايتهن والمحافظة عليهن وتأديبهن بآداب الإسلام، والمرأة ضعيفة، والقوامة للرجل، فالواجب على الرجال أن يتقوا الله -جل وعلا- في نسائهم وبناتهم، وأن يرعوا وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهن، وذلك بتأديبهن بآداب الإسلام، وتعويدهن على الحجاب والمحافظة عليه، والبعد عن الاختلاط، إلى غير ذلك من الآداب الكريمة والخصال العظيمة، التي دعا إليها الإسلام، والتي تحقق للمرأة عزَّها وسعادتها ورفعتها في الدنيا والآخرة.

والمرأة المسلمة إذا حافظت على آداب الإسلام واعتنت بالحجاب، وطبّقت ما أمرها الله -جلّ وعلا- وما أمرها به رسوله -عليه الصلاة والسلام-، سعدت في الدنيا والآخرة، وساعدت على بناء مجتمع عظيم متماسك، ملؤه الطهر والعفاف والستر والصيانة، لا يتوصل إليه الانحراف ولا يدخله الخلل، أما إذا تخلت المرأة عن آداب الإسلام وترحلت عن قيمه وآدابه، وتركت حجابها وابتعدت عن الستر الذي أمرها الله به، فإنها بذلك تساعد على تفشي الجريمة وانتشار الفساد، وحلول الأضرار وتوالي النكبات في المجتمع الذي تعيش فيه، ولهذا نبّه العلماء على خطورة اختلاط النساء بالرجال، واجتماعهن معهن في المجالس العامة والمنتديات الكبيرة والاختلاط بهن، وبينوا أن ذلك من أعظم أسباب الشر وأعظم أسباب انتشار الفساد.

وقد حذر النبي -عليه الصلاة والسلام- من الفتنة بالنساء، وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان"، أي جعلها غرضًا له؛ ليحرك الشهوة وحب الفساد من خلالها، ولهذا على المرأة أن تقّر في بيتها، وأن يكون خروجها من بيتها لحاجة، وإذا خرجت فإنها تخرج محتشمة متحجبة غير متطيبة ولا مظهرة لزينة، حتى لا تكون سببًا للفساد وانتشار الخلل في المجتمع الذي تعيش فيه.

وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث عديدة، في التحذير من الفتنة في النساء، ولهذا يجب على المرأة المسلمة أن تصون نفسها وأن تصون فرجها، وأن تحافظ على طاعة ربها لتدخل الجنة بسلام، يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إذا صامت المرأة فرضها، وصلت خمسها، وأطاعت بعلها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت"، فهنيئًا للمرأة المسلمة بذلك، ونسأل اله: -جلّ وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يحفظ نساء المسلمين وبناتهم من كل شر وأذى، وأن يوفقهن لكل خير، وأن يهديهن سواء السبيل، وأن يجنبهن الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، وأن يعين أولياء الأمور على رعاية النساء والإحسان إليهن وإكرامهن والقيام بحقوقهن، كما أمر بذلك الرب -تبارك وتعالى-، وكما أمر بذلك رسوله الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله: تذكّروا بجمعكم الكريم هذا، وقوفكم يوم القيامة بين يدي الله -جلّ وعلا-، وأن الله سبحانه سائلكم عما قدمتم في هذه الحياة، فمن وجد في ذلك اليوم خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه، والكيس من عباد الله، من عمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على النعمة المهداة، والرحمة المسداة، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبى بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبى السبطين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم انصر كتابك، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعبادك المؤمنين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم نصرًا مؤزرًا، اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وكن لهم ناصرًا وحافظًا ومعينًا، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم خالف بين قلوبهم، وشتت شملهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعل عليم دائرة السوء يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البرّ والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا حي يا قيوم، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلي الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأموالنا وأزواجنا وذرياتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم تقبَّل صيامنا وقيامنا وطاعتنا يا حي يا قيوم، ولا تردنا خائبين.

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقّه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

اللهم اغفر ذنوب المذنبين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اقضِ الدين عن المدينين من المسلمين، اللهم فرّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرباتهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم جُد علينا يا جواد، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا خلق من خلقك، وعبيد من عبيدك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا حي يا قيوم، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم أنزل رحمتك يا حي يا قيوم، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم -يا حي يا قيوم- ارحم عبادك وبلادك، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا.

اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، إلهنا إن منعتنا فمن ذا الذي يعطينا، وإن طردتنا فمن ذا الذي يدنينا، وإن باعدتنا فمن ذا الذي يقربنا، إلهنا: لاتكلنا إلا إليك، اللهم أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلا إليك يا حي يا قيوم، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي