عباد الله: إنَّ البيت الناجح هو البيت الذي يؤدي كل فرد من أفراده الحق الذي عليه، فالأب والأم والبنون، كل له دوره المهم في نجاح البيت وسعادته، في حلقة متكاملة، هدفها الوصول إلى ألفة ومحبَّة دائمة، ومن مقوِّمات البيت الناجح ما ألخِّصه في أمور: أولاً: كل بيت...
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون- فإنَّ التقوى جماع كل خير.
عباد الله: إنَّ البيت الناجح هو البيت الذي يؤدي كل فرد من أفراده الحق الذي عليه، فالأب والأم والبنون، كل له دوره المهم في نجاح البيت وسعادته، في حلقة متكاملة، هدفها الوصول إلى ألفة ومحبَّة دائمة، ومن مقوِّمات البيت الناجح ما ألخِّصه في أمور: أولاً: كل بيت يقوم على أركان، وأركان البيت وأعمدته هما الأب والأم، إذ بهما تعمر البيوت، فالأمُّ منبع للحنان والعطف، والحب والرحمة، ودورها هو الدور الأكبر في نجاح البيت.
عباد الله: إنَّ الأم في البيت هي المربية لأبنائها، فإذا كانت كثيرة الخروج منه لغير حاجة، فمن الذي يربي؟ من الذي يملأ البيت عطفاً وحناناً وحبَّاً ووئاماً؟
إنَّ الأمَّ مثل الشمعة المضيئة في بيتها، وبقدر خروجها تنطفئُ تلك الإضاءة، ويحصل فيه ظلمة حتى تعود إليه، وإنَّ الأم التي تقوم بوظيفتها على أكمل وجه في بيتها، لها من الأجور العظيمة ما لا يعلمه إلا الله.
والمرأة إن احتاجت إلى الخروج من بيتها، سواء لوظيفتها أو لغير ذلك، فإنَّها تخرج بكامل حجابها، ثم إذا عادت إليه تقوم بالواجب نحوه ولا تهمل بيتها، فالله الله أيتها الأمهات قُمنَ بواجبكنَّ في البيوت تربية وتأديباً وخدمةً وقدوةً حسنة، جزاكنَّ الله خيراً.
ثانياً: من مقومات البيت الناجح: قيام الأب بحقِّ بيته عليه، فهو الساعي على أهل بيته، يكدح نهاره طلباً للرزق، لينفق على زوجته وأبنائه وبناته، ويُكرم ضيفه، ومن حقِّ أهل بيته عليه، حسن التوجيه والتأديب والتربية، فلا بد أن يكون قريباً منهم، لا لاهياً عنهم، لا غافلاً عن تربيتهم، لا معرضاً عنهم إلى سهر خارج البيت، فأنت أيها الأب خصيم نفسك إن أخللت بدورك في البيت، وإن أردت بِرَّ أبنائك بك فبُرَّ بهم تربية وتوجيهاً وتقويماً وإصلاحاً ونصحاً، تأمرهم بمعروف وتنهاهم عن منكر، تأمر أبناءك بالصلاة لسبع سنين وتضربهم عليها وهم أبناء عشر سنين، لا تقل هؤلاء ما زالوا صغاراً وقد أمرك النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فاحرص أن تصحبهم معك إلى المسجد ليكونوا بجانبك ولتأدبهم بآداب المسجد حتى لا يشوشوا على المصلين.
ثالثاً من مقومات البيت الناجح: أن يكون مبنياً على التقوى، فإذا كان أهل البيت متقين لله، فلا تسل عن سعادة أهله وهناءتهم، وقوة ترابطهم ومحبَّتهم فيما بينهم، وفرق كبير بينه وبين بيت لا يُذكر الله فيه، وتكثر فيه الآثام من غيبة وسلاطة لسان، وتلاعن وشتام، وصوت معازف وآلات لهو، وصور محرَّمة وغيرها من الآثام، فهذا بيت لا يعيش أهله السعادة ولا ينعمون بقوة التماسك ولا تتعمق فيه روابط الألفة والمحبة، ولا يجدون ما يجده أهل البيت المتقين من فوائد وثمرات قطوفها يانعات.
رابعاً من مقومات البيت الناجح: تعاون أهله على الخير كلٌّ منهم يعين الآخر على ما يحتاجه، وبعضهم يكمِّل بعضاً، فالأمُّ تُعين زوجها وأبناءها، والأب يعين زوجته وأبناءه، والأبناء يعينون الأب والأم ويعينون بعضهم، وكذلك إذا احتاجت الأخت إلى أخيها خدمها، وإذا احتاج إليها أخوها خدمته، وفي ذلك أجر عظيم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمَا مَا صَحِبَتَاهُ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ" يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى (أخرجه ابن أبي شيبه وصححه الألباني)، وإذا احتاج الأب أو الأم شيئاً تسابق الأبناء والبنات تلبيةً وخدمةً وبِرَّاً أيُّهم يسبق فيظفرُ بالأجر، ولا يأتي في بال أحدهم أنَّه أفضل من غيره في خدمة والديه، فإنَّ الفضل فضل الله أن منَّ عليه بخدمتهما، ولكم أن تتصوروا بيتاً لا تعاون فيه، ما هو حاله.
خامساً من مقومات البيت الناجح: كثرة ذكر الله فيه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ"(أخرجه مسلم)، فإذا رأيت أهل البيت هذا يصلي النافلة ويقوم الليل، وهذا يتلو القرآن الكريم، وآخر يدعو ويستغفر ويُسبِّح، وآخر يقرأ في علم نافع يرفع عنه الجهل، وإذا دخل أحدهم البيت ذكر الله وسلَّم على أهله، فإنَّ هذا من أعظم مقومات البيت الناجح السعيد، فأحيوا بيوتكم بذكر الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ"(أخرجه مسلم).
سادساً من مقومات البيت الناجح: الحرص على نظافته الحسية والمعنوية وتعاون أفراده على ذلك.
سابعاً من مقومات البيت الناجح: عدم التكلف في تأثيثه، ذلك أنَّ بعض الناس قد يضطر إلى الاقتراض لأجل تكلُّفه في الأثاث، فيصاب بالهمِّ والغم، كيف يُسدده ومتى يقضيه؟ ولو أنَّه اكتفى بما يقدر عليه من أثاث وتبسَّط في ذلك لما تكدَّر همَّاً وغمَّاً، وأنتم ترون كيف الناس يحنُّون إلى البساطة في حياتهم، ولا يحبُّون التكلف فيها، وكما قيل: الكلفة ترفع الألفة.
ثامناً من مقومات البيت الناجح: تخلُّق أهله بالرفق، كلٌّ منهم يرفق بالآخر، فإنَّ ذلك مفتاح عظيم من مفاتيح سعادة أهل البيت، والرفق إذا حلَّ في البيت حلَّ فيه خير عظيم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني) فرفق أهل البيت بعضهم لبعض، رفق في التعامل، رفق في التخاطب، رفق في التفاهم رفق في المناقشة، رفق في حل المشاكل، من أهم الأمور التي تجعل أهل البيت في سعادة، فلا غلظة ولا قسوة ولا صراخ ولا تراشق للعبارات الغليظة، ولا غضب يغلِب هذا أو ذاك، هذا من أهمِّ مقومات البيت الناجح.
تاسعاً من مقومات البيت الناجح: قلَّ بيت إلا وفيه خلاف في بعض وجهات النظر بين الأب والأمِّ، وعليهما حل ذلك فيما بينهما، ولا يصلح أن يظهر ذلك عند الأبناء، وعلى الزوج أن يصبر على زوجته وأن تصبر هي عليه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"(أخرجه مسلم)، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه- لزوجته: "إذا رأيتني غ ضبت فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب"، وقال الله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
عباد الله: ومن مقومات البيت الناجح: التسامح بين أفراده، وحسن اعتذار المخطئ إن أخطأ في حق أحدهم، وقبول الاعتذار، وأهمية تخلقهم بخلق العفو والصفح.
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن
اللهم اغفر ذنوبنا، ووسع لنا في دورنا، وبارك في أرزاقنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي