يا من وقع في الغيبة أو الكذب أو قال قولاً فيه إثم، يا من نظر إلى ما حرَّم الله من صور محرَّمة وغيرها، يا من سمع سماعاً محرَّماً، يا من قطع رحمه وعق والديه، يا من تكاسل عن الصلوات المكتوبة في المسجد؛ تب إلى الله وأقبل على طاعته، ولا تسوِّف التوبة ثم تموت على غير توبة..
الحمد لله (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[غافر:3]؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أمَّا بعد؛ فاتقوا الله حق التقوى وتوبوا إليه من كلِّ ذنب، فإنَّ الله يغفر لمن تاب، قال -تعالى-: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه: 82].
عباد الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"(أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني).
إنَّ النفس إذا ضعفت فاقترفت ذنباً، فعليها أن ترجع عن معصية الله إلى طاعته توبةً نصوحاً إلى الله، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
لمَّا سُئل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن التوبة النصوح قال: "أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود"(تفسير الطبري 23/ 493).
عباد الله: إنَّ الله يحب التائبين ويفرح بتوبتهم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222]؛ فإذا أحبَّ الله عبده، نال سعادة الدارين ولا خوف عليه ولا همَّ ولا حزن، قال ابن القيم -رحمه الله-: "التَّوْبَةُ هِيَ حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى التَّوْبَةِ، وَبِهَذَا اسْتَحَقَّ التَّائِبُ أَنْ يَكُونَ حَبِيبَ اللهِ"(مدارج السالكين 1/313).
وقال -رحمه الله-: "التوبة من أفضل مقامات السالكين؛ لأنَّها أَوَّلُ الْمَنَازِلِ وَأَوْسَطُهَا وَآخِرُهَا، فَلَا يُفَارِقُهُ الْعَبْدُ السَّالِكُ، وَلَا يَزَالُ فِيهِ إِلَى الْمَمَاتِ، وَإِنِ ارْتَحَلَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ ارْتَحَلَ بِهِ، وَاسْتَصْحَبَهُ مَعَهُ وَنَزَلَ بِهِ، فَالتَّوْبَةُ هِيَ بِدَايَةُ الْعَبْدِ وَنِهَايَتُهُ، وَحَاجَتُهُ إِلَيْهَا فِي النِّهَايَةِ ضَرُورِيَّةٌ، كَمَا أَنَّ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا فِي الْبِدَايَةِ كَذَلِكَ" (مدارج السالكين 1/196).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَلهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مُهْلكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ"(أخرجه الشيخان).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَهَذِهِ فَرْحَةُ إِحْسَانٍ وَبِرٍّ وَلُطْفٍ، لَا فَرْحَةَ مُحْتَاجٍ إِلَى تَوْبَةِ عَبْدِهِ، مُنْتَفِعٍ بِهَا"(مدارج السالكين 1/ 212).
عبد الله: كلَّما أذنبت ذنباً فتب إلى الله، ولا تَملَّ من كثرة التوبة؛ فإنَّ الله تواب رحيم، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحَدُنَا يُذْنِبُ، قَالَ: "يُكْتَبُ عَلَيْهِ"، قَالَ: ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ مِنْهُ وَيَتُوبُ؟ قَالَ: "يُغْفَرُ لَهُ وَيُتَابُ عَلَيْهِ"، قَالَ: فَيَعُودُ فَيُذْنِبُ؟ قَالَ: "يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا"(أخرجه الطبراني والحاكم وصحح إسناده).
قال النووي -رحمه الله، في رياض الصالحين-: "قَالَ العلماءُ: التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ -تعالى- لاَ تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط: أحَدُها: أَنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ. والثَّانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا. والثَّالثُ: أَنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَدًا. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ.
وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ: هذِهِ الثَّلاثَةُ، وأَنْ يَبْرَأَ مِنْ حَقّ صَاحِبِها، فَإِنْ كَانَتْ مالًا أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا. ويجِبُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ والسُّنَّةِ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ"(رياض الصالحين ص: 14).
عبد الله: إيَّاك أن يدخل في قلبك يأس من التوبة، لكثرة ما اقترفت من المعاصي، أتى رجل إلى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئَاً، وَهُوَ في ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً إِلاَّ أَتَاهَا، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قالَ: "فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟"، قالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قالَ: "تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ". قالَ: وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قالَ: "نَعَمْ" قالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى. (أخرجه الطبراني وصححه الألباني).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ، لَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ"(أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ"(أخرجه الشيخان).
يا من وقع في الغيبة أو الكذب أو قال قولاً فيه إثم، يا من نظر إلى ما حرَّم الله من صور محرَّمة وغيرها، يا من سمع سماعاً محرَّماً، يا من قطع رحمه وعق والديه، يا من تكاسل عن الصلوات المكتوبة في المسجد؛ تب إلى الله وأقبل على طاعته، ولا تسوِّف التوبة ثم تموت على غير توبة، قال الحسن -رحمه الله-: "إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ تَوْبَةٍ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: لِأَنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي، وَكَذَبَ، لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ" (الداء والدواء ص: 28).
عباد الله: أكثروا من التوبة وطلب المغفرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً"(أخرجه البخاري). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ" (أخرجه مسلم).
فانظر إلى نفسك عبد الله، كم مرة تتوب إلى الله في اليوم؟ كم مرة تستغفره سبحانه وتعالى؟
قال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "الذي حجب الناس عن التوبة: طول الأمل، وعلامة التائب: إسبال الدمعة، وحبُّ الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كلِّ هَمَّة"(صفة الصفوة (2/ 292).
قال الوراق -رحمه الله-:
قَدِّمْ لِنَفْسِكَ تَوْبَةً مَرْجُوَّةً *** قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَبْلَ حَبْسِ الْأَلْسُنِ
بَادِرْ بِهَا غَلْقَ النُّفُوسِ فَإِنَّهَا *** ذُخْرٌ وَغُنْمٌ لِلْمُنِيبِ الْمُحْسِنِ
عباد الله: من ثمرات التوبة: حصول رضا الله ومحبته ومغفرته لعبده التائب، وهذه من أعظم الثمرات وأجلِّها، وحصول طمأنينة النفس وانشراح الصدر، وأنَّ التوبة تجلو ظلمة المعصية، وتغسل عوالق أدران العاصي، ولو علم العاصي ما في التوبة من فوائد وثمرات وسعادة وانشراح صدر، لما تردَّد في التوبة، ولأكثر منها في يومه وليلته.
اللهم ارزقنا توبة نصوحاً تغفر بها ذنوبنا وأن تهدينا إلى طاعتك وتباعدنا عن معصيتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي له الحمد كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أمَّا بعد: فيا عباد الله: إنَّ التوبة الصادقة النصوح، قد يبلغ بها صاحبها مبلغاً عظيماً في الفضل والصلاح، ومن القصص في ذلك، قصة توبة الإمام الفضيل بن عياض -رحمه الله-، فقد كان قبل توبته شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وسبب توبته أنَّه سمع تالياً يتلو قوله -تعالى-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)[الحديد: 16]؛ فقال: بلى يا رب قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها أناس (سابلة) فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح فإنَّ فضيلاً على الطريق يقطع علينا، ففكر الفضيل في نفسه عندما سمعهم وقال: اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام حتى أصبح إماماً مُحدِّثاً عابداً، فأثنى عليه علماء عصره ثناء حسناً، قال الإمام عبدالله بن المبارك -رحمه الله-: "رأيت أورع الناس الفضيل بن عياض"، وقال أيضاً: "إنَّ الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه"، وقال عنه أيضاً: "ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض". وقال الخليفة هارون الرشيد -رحمه الله-: "ما رأيت في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل"(ينظر سير أعلام النبلاء 8/ 423).
ومن قصص التائبين: قصة توبة الإمام القعنبي -رحمه الله-، وقد كان قبل توبته مسرفاً على نفسه بالمعاصي، وعندما كان جالساً عند باب بيته مرَّ الإمام شعبة والناس يمشون خلفه، فقال: من هذا؟ فقالوا: شعبة محدِّثٌ، فقام إليه وقال له: حدثني، فقال شعبة: ما أنت من أصحاب الحديث فأحدِّثك، فأصرَّ عليه، فحدَّثه بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"(أخرجه البخاري)؛ فكان ذلك سبباً في توبته، ثم ذهب إلى المدينة، ولازم الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-، فأكثر عنه حتى أصبح أثبت رواة الموطأ؛ -رحمه الله-.(ينظر معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي ص: 144).
وقصص التائبين كثيرة، فيا من أسرفت على نفسك بالمعاصي تُبْ إلى الله، لعلك تبلغ في الصلاح والفضل مبلغ أولئك العلماء النبلاء.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ اللهم صَلّ وسلم على محمد وآله وصحبه وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً وأبعد عنهم بطانة السوء، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي