وكثيرٌ من الناس يظن أنَّ الحياة الطيبة هي رَغَدُ العيش، وكثرةُ الأموال؛ وهذا مفهوم قاصر، فقد تَطِيب الحياةُ بالمال وقد لا تَطِيب، وفي الدنيا أشياء كثيرة تَطِيبُ بها الحياة، ومن أبرزها: طاعة الله -تعالى-، والثقة به -سبحانه-، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، وتَطِيبُ الحياة أيضاً بالصحة والعافية، والهدوء، والرضا، والبركة، وسكن البيوت، والفرح بالعمل الصالح، ونحو ذلك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:97]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا وعدٌ من الله -تعالى- لِمَنْ عَمِلَ صالحاً -وهو العمل المُتابِعُ لكتاب الله تعالى، وسُنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم- من ذكرٍ أو أنثى من بني آدم، وقلبُه مؤمنٌ بالله ورسوله، وأنَّ هذا العملَ المأمورَ به مشروعٌ من عند الله، بأنْ يُحْييه اللهُ حياةً طيِّبة في الدنيا، وأنْ يَجْزِيَه بأحسنَ ما عمله في الدار الآخرة. والحياةُ الطيبة: تَشْملُ وُجوهَ الراحةِ من أيِّ جهةٍ كانت"(تفسير ابن كثير، 4/610).
وأصلُ الطَّيِّب: ما تَستلِذُّه الحواس، وما تَستلِذُّه النفس. والحياة الطيبة تشمل: الرِّزقَ الحلال الطَّيِّب، والقناعةَ، والسعادةَ، والعملَ بالطاعة، وغير ذلك. (تفسير الطبري، 7/641).
وكثيرٌ من الناس يظن أنَّ الحياة الطيبة هي رَغَدُ العيش، وكثرةُ الأموال؛ وهذا مفهوم قاصر، فقد تَطِيب الحياةُ بالمال وقد لا تَطِيب، وفي الدنيا أشياء كثيرة تَطِيبُ بها الحياة، ومن أبرزها: طاعة الله -تعالى-، والثقة به -سبحانه-، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، وتَطِيبُ الحياة أيضاً بالصحة والعافية، والهدوء، والرضا، والبركة، وسكن البيوت، والفرح بالعمل الصالح، ونحو ذلك.
ومن أعظم الأسباب التي تَحْصُل بها الحياة الطيبة: الإيمانُ والعملُ الصالح، قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل:97]؛ فالإيمان الصحيح، يُثمر العمل الصالح، وعند ذلك تتحقق الحياة الطيبة في الدنيا، والفوز بالجنة في الحياة الآخرة.
ومن أسباب الحياة الطيبة: الرِّضا، فلا يمكن أن تحصل السعادة إلاَّ لِمَنْ يؤمن بالله -تعالى-، ومن الإيمان بالله: الإيمان بقضائه وقدره، والرضا بقسمه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ؛ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً"(رواه مسلم).
والإنسان في هذه الدنيا لا بد أنْ ينتابه شيء من الهموم والمصائب، فإنْ لم يَرْضَ بالقضاء والقدر هَلَك. واللهُ -تبارك وتعالى- لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا يقضي أمراً يريد به عُسْراً لعباده، والخيرُ مطوِيٌّ في جوف ما نظنه كارِثةً وشرًّا، قال -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة:216].
ومن أسباب الحياة الطيبة: التوكُّل على الله، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:3]. وحُسْنُ الظنِّ بالله -تعالى- يدعو العبدَ إلى التوكل عليه، فلا يُتصوَّر التوكلُ على مَنْ ساءَ ظنُّك به، ولا التوكلُ على مَنْ لا ترجوه، واللهُ -تعالى- تكفَّل لِمَنْ توكَّل عليه بالكفايةِ التامة، والهدايةِ والوقاية.(الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، لابن سعدي ص 27).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ -يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ-: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ. وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ"(رواه الترمذي).
ومن الأسباب: ذِكْرُ اللهِ -تعالى-، تَطِيبُ الحياةُ بذِكر الله -تعالى-، ويطمئِنُّ القلب، ويزول القلق والاضطراب، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
واللهُ -تعالى- لم يجعل للذِّكْر حدًّا ينتهي إليه، ولم يَعذرْ أحداً في تركه، وهناك تلازمٌ بين الذِّكر وبين الأوقات والأحوال التي يمر بها الإنسان؛ لأنها تُذَكِّره بالله -تعالى- وتَحُثُّه على ذِكْرِ الله، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)[الأحزاب:41-42]. وقال -سبحانه-: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ)[الروم: 17-18].
وإذا غَفَلَ المرءُ عن ذِكر الله -تعالى-؛ فلا طُمأنينةَ له، ولا انشراحَ لصدره؛ بل صدرُه ضَيِّق حَرَجٌ لِضَلالِه وقَسوَتِه، وإنْ تَنَعَّم ظاهِرُه، ولَبِسَ ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طه:124].
ومن أسباب الحياة الطيبة: انشراحُ الصَّدرِ، إنَّ حياةَ المؤمنِ مليئةٌ بالتكاليف والواجبات، وانشراحُ الصَّدرِ يُحَوِّل مشقَّةَ التكليف إلى مُتعة، ويُحِيل عناءَه لذَّةً، ويجعله دافعاً للحياة الطيبة؛ لذا طلب ذلك موسى -عليه السلام- من ربه، فقال: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[طه: 25]، واللهُ -تعالى- امتنَّ على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بانشراح صدره، فقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[الشرح:1]. أي: أما نَوَّرْناه، وجعلناه فَسيحًا رحيبًا واسعًا لشرائع الدِّين والدعوةِ إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضَيِّقًا حَرَجًا، لا يكاد ينقاد لخيرٍ، ولا تكاد تجده مُنبسطًا.(تفسير السعدي، ص 929).
الحمد لله...
عباد الله: ومن الأسباب التي تُحَقِّقُ الحياةَ الطيبة: الإحسانُ إلى الناس بالقول والفِعل، وأنواع المعروف، وقد أمَرَ اللهُ -تعالى- بالإحسان: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90]. قال قتادة -رحمه الله-: "ليس مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ كان أهل الجاهلية يعملون به ويَسْتَحْسِنونه إلاَّ أمَرَ اللهُ به، وليس مِنْ خُلُقٍ سيئٍ كانوا يَتَعايَرونه بينهم إلاَّ نَهَى اللهُ عنه"(تفسير ابن كثير، 4/596).
والمُحسنون لهم في الدنيا حياةٌ حسنة، ومُتعةٌ حسنة، ومَكانةٌ حسنة، ولهم في الآخرة خيرٌ من الدنيا وما فيها، قال -تعالى-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ)[النحل: 30-31].
ومن أسباب الحياة الطيبة: السَّلامةُ مِنَ الغِلِّ والحسد، فالمؤمن يُمسي ويُصبح سليمَ الصدر، نقيَّ الفؤاد، يدعو بما دعا به سلفُه الصالح: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
والمؤمن لا يحسد؛ بل يُوَجِّه همَّته إلى معالي الأمور، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا"(رواه البخاري ومسلم).
والحسد والبغضاء من بذور الشيطان، والمحبة والصفاء من غَرْسِ الرحمن، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ)[المائدة:91].
ومن الأسباب: النَّظرُ إلى مَنْ هو دونك في الدنيا: وقد أرشَدَ إلى ذلك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ"(رواه مسلم).
وفي رواية: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ"(رواه مسلم). "وفي هذا الحديثِ دواءُ الداء؛ لأنَّ الشخصَ إذا نَظَرَ إلى مَنْ هو فوقَه لم يأمنْ أنْ يؤثر ذلك فيه حسداً، ودواؤه: أنْ ينظر إلى مَنْ هو أسفل منه؛ ليكون ذلك داعياً إلى الشُّكر"(فتح الباري، 11/323).
ومن الأسباب: اليقينُ بأنَّ سعادةَ المؤمنِ الحقيقية في الآخِرة، حين يُدخِلُه الله -تعالى- جناتٍ له فيها نعيمٌ مُقيم، قال -تعالى-: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[التوبة: 21-22]. وقال -سبحانه-: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود:108]. اللهم اجعلنا من أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ"(رواه مسلم). والمعنى: "أنَّ كلَّ مُؤمنٍ مَسْجونٌ ممنوعٌ في الدنيا من الشَّهَوات المُحرَّمة والمَكْروهة، مُكَلَّفٌ بفعل الطاعات الشاقَّة، فإذا ماتَ استراحَ من هذا، وانْقَلَبَ إلى ما أعدَّ اللهُ -تعالى- له من النعيمِ الدائم، والراحةِ الخالصةِ من النُّقصان، وأمَّا الكافرُ فإنما له من ذلك ما حَصَّل في الدنيا مع قِلَّتِهِ وتكديرِه بالمُنَغِّصَات، فإذا ماتَ صار إلى العذابِ الدائم، وشقاءِ الأبد"(شرح النووي على مسلم: 18/93).
وصلوا وسلموا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي