ونودوا أن تلكم الجنة

محمد بن مبارك الشرافي
عناصر الخطبة
  1. وصف الجنة ونعيمها .
  2. رؤية الله أعلى وأفضل نعيم الجنة .

اقتباس

إِنَّ الْجَنَّةَ حَيَاةٌ لا مَوْتَ فِيهَا، وَشَبَابٌ لا هَرَمَ بَعْدَهُ، وَصِحَّةٌ وَسَعَادَةٌ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ مُبَلِّغِ الرَّاجِي فَوْقَ مَأْمُولِه، الْمَنَّانِ عَلَى التَّائِبِ بِصَفْحِهِ وَقَبُولِه، خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَأَنْشَأَ دَارًا لِحُلُولِه، وَجَعَلَ الدُّنْيَا مَرْحَلَةً لِنُزُولِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ عَارِفٍ بِالدَّلِيلِ وَأُصُولِه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، مَا امْتَدَّ الدَّهْرُ بِطُولِه، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ تَكَاثَرَتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ، وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ فِيهَا لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، تَرْغِيبًا وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَحَمُّلِ مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَمَّا مَكَانُها: فَإِنَّهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)[النَّجْمِ: 13-15]، قال ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَيَجْعَلُهَا اللهُ حَيْثَ شَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَهَنَّمُ فِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ".

وَأَمَّا عَرْضُ الْجَنَّةِ: فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133]، فَهَذَا الْعَرْضُ فَكَيْفَ بِالطُّولِ؟ وَأَمَّا الْوَصْفُ الْعَامُّ لِنَعِيمِهَا، فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِيهِ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السَّجْدَةِ: 17]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَأَمَّا مُلْكِ الْمُؤْمِنِ فِيهَا: فَلا يَعْلَمُ عِظَمَهُ إِلَّا اللهُ، وَقَدْ جَاءَ وَصْفُ مُلْكِ آخِرِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَعَنِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَأَمَّا صِفَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ: فَهُمْ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْهَيْئَةِ وَالطُّولِ وَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ؛ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَأَمَّا وَصْفُ زَوْجَاتِهِمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ الْوَصْفُ، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ هَهُنَا أَنَّ جَمِيعَ الْأَوْصَافِ التِي وَرَدَتْ فِي الْحُورِيَّاتِ هِيَ نَفْسُهَا أَوْصَافٌ لِلْمُؤْمِنَةِ إِذَا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ، فَلْتبْشِرِ الْمُؤْمِنَةُ التَّقِيَّةُ بِأَعْظَمِ الْجَزَاءِ وَالنَّعِيمِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)[الْوَاقِعَةِ: 22-23]، وَقَالَ تَعَالَى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)[الرَّحْمَنِ: 56-58]، وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَأَمَّا طَعَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَرَابُهُمْ: فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الطُّورِ: 17-19]، وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ، قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْجَنَّةَ حَيَاةٌ لا مَوْتَ فِيهَا، وَشَبَابٌ لا هَرَمَ بَعْدَهُ، وَصِحَّةٌ وَسَعَادَةٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 43]"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَأَمَّا أَنْهَارُهَا: فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ)[مُحَمَّدٍ: 15].

وَأَمَّا بِنَاؤُهَا: فَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: "لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، الْأَلْبَانِيُّ).

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَمَّا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ: فَإِنَّهَا ثَمَانِيَةٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وعن عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ خَطَبَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَوَاللهِ لَتُمْلَأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ؟، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ". (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَمَّا أَعْلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ: فَهُوَ رُؤْيَةُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَمُحَادَثَتُهُ وَحُلُولُ رِضْوَانِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[الْقِيَامَةِ: 22-23]، وَعَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

فَاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْخُلْدَ فِي جِنَانِكَ، وَأَحِلَّ عَلَيْنَا فِيهَا رِضْوَانَكَ، وَارْزُقْنَا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى ِلَقائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا، وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَا رَبَّ العَالـَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أحوال المسلمين في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي