والهجمة الشرسة على الإسلام الحق وأهله من قبل الكفار والمنافقين، تسلك هذين المسارين: نشر البدعة، والدعوة إلى التشبه، أما نشر البدعة فبالسماح للمبتدعة بإظهار شعائرها لتضاهي الشعائر المحمدية، والدعوة إليها تحت شعار الحرية الدينية، وأما الدعوة إلى التشبه فتأخذ أشكالاً عدة من موافقة الكافرين في طرائقهم السياسية والاقتصادية ولو كان فيها ما فيها من تقديم المصالح الدنيوية على الأحكام الشرعية ..
الحمد لله؛ رب كل شيء ومليكه، خلق الإنس والجن لعبادته، وكلفهم بحمل أمانته، أحمده فهو أهل الحمد، وأشكره فلا أحد أحق منه بالشكر، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شرع الشرائع، وفرض المناسك؛ سبيلا إلى مرضاته، وطريقا يبلغ العباد جناته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لا طريق إلى الله تعالى إلا طريقه، ولا سنة يجب لزومها إلا سنته؛ تحمل رسالة ربه فبلغها، ونصح لأمته فبشرها وأنذرها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروه فلا تعصوه؛ فإنه سبحانه مطلع على أعمالكم، لا تخفى عليه خافية منكم (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
أيها الناس: يفضل الزمان بما فيه من شعائر، ويفضل المكان بما يحويه من مشاعر، ويتفاضل البشر بتعظيم الحرمات، والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات، فكيف إذا اجتمعت فضيلة الزمان والمكان والأشخاص والأعمال؛كما وقع في أفضل حجة على الإطلاق، في أيام من أيام الله تعالى، وفي أقدس البقاع عنده، يؤم الناس فيها خاتم الرسل، وأفضل البشر، في جموع غفيرة من خيرة هذه الأمة، قد رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
لقد كانت حجة الوداع حدثاً مهما في تاريخ الإسلام، خطب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر أصول الإسلام، وأوصى الناس، وبلغهم وأنذرهم، وأشهدهم على بلاغه فشهدوا، فكان ذلك توديعا منه لأمته؛ إذ ما لبث بعد حجته إلا ثلاثة أشهر أو أقل فلحق بالرفيق الأعلى، فعلم الناس أنه في حجه كان يودعهم. ورغم أن حجته صلى الله عليه وسلم كانت أياما معدودة فإنها حوت من البلاغ والدعوة، والعلم والتربية فصولا كثيرة، ألفت فيها كتب، وأفردت لها أبواب.
ومن أبرز المظاهر والشعائر في حجته صلى الله عليه وسلم تعمد مخالفة المشركين في هديهم وعبادتهم وحجهم، ووقع ذلك منه عليه الصلاة والسلام فعلاً في مواطن عدة؛ وصدع به قولاً في خطبة عرفة فقال عليه الصلاة والسلام: "ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله" رواه مسلم. وفي رواية أحمد: "وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة".
كيف وهو -عليه الصلاة والسلام- من أبطل التلبية الشركية التي كانت شعار أهل الجاهلية؛ وأبدلها بالتوحيد الخالص لله تعالى؛ كما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلكم قدٍ، قدٍ -أي يكفيكم هذا عن باقي تلبيتكم- فيقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت".
فأبطل تلبيتهم تلك بالتلبية الشرعية المعروفة، وأعاد الحج على أصوله التي أذن بها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام؛ كما روى أبو داود من حديث عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان قال: "أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة في مكان يباعده عمرو عن الإمام فقال: أما إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، يقول لكم: قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم".
وذكر عليه الصلاة والسلام تتابع الأنبياء عليهم السلام لإحياء الشعائر العظيمة في المشاعر المقدسة فذكر موسى وعيسى ويونس؛ كما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بوادي الأزرق -ويبعد عن مكة بميلين- فقال: أي واد هذا؟ فقالوا: "هذا وادي الأزرق، قال: كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية، ثم أتى على ثنية هَرْشَى فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هرشى، قال: كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خَلْبَة وهو يلبي" رواه مسلم.
وفي حج عيسى عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما" رواه مسلم.
لقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم دين المشركين في الحج؛ وأعاد مناسكه على مقتضى أذان إبراهيم عليه السلام، وسنن الأنبياء بعده، وظهر ذلك في مواطن عدة؛ ففي العمرة كان المشركون يحرمون العمرة في أشهر الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات كلهن في ذي القعدة وهو من أشهر الحج، بل في حجته عليه الصلاة والسلام أمر الناس أن يحولوا نسكهم إلى عمرة، ثم يحرمون بالحج بعد ذلك؛ كما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون: إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل قال الحل كله".
ولما حاضت عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع فجعلت نسكها حجاً، وقالت: "يا رسول الله، كل أصحابك يرجع بحج وعمرة غيري" أمرها بالعمرة بعد حجها، وكان ذلك عظيما في دين المشركين، حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما: "والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون إذا عفا الوبر وبرأ الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فكانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم" رواه أبو داود.
وفي الطواف كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحُمْس، والحمس قريش وما ولدت، سموا بذلك لما شددوا على أنفسهم، وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لحماً، ولا يضربون وبراً ولا شعراً، وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم، وكان الناس غيرهم يطوفون بالبيت عراة إلا أن يعطيهم أحد من قريش ثياباً، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وفي الوقوف بعرفة كانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة وكان الناس كلهم يبلغون عرفات؛ فأنزل الله عز وجل فيهم: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) [البقرة: 199]. قالت عائشة رضي الله عنها: "كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون: لا نفيض إلا من الحرم فلما نزلت: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) [البقرة: 199]. رجعوا إلى عرفات.
وسبب فعلهم هذا: أن الشيطان قد استهواهم فقال لهم: "إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم، ويقولون: "نحن أهل الله لا نخرج من الحرم، وكان سائر الناس يقف بعرفة".
وخالفهم عليه الصلاة والسلام في النفرة من عرفة، وفي الدفع من مزدلفة؛ إذ كانوا ينفرون من عرفة قبل الغروب، ويدفعون من مزدلفة بعد الشروق؛ فنفر النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بعد الغروب، ودفع من مزدلفة قبيل الشروق؛ كما روى المسور ابن مخرمة رضي الله عنه فقال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس حين تكون الشمس على رؤوس الجبال مثلَ عمائم الرجال على رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها فهدينا مخالف لهديهم" رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وروى عمرو بن ميمون رضي الله عنه فقال: "شهدت عمر رضي الله عنه صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير، وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس" رواه البخاري.
وكان من مبالغته عليه الصلاة والسلام في مخالفة المشركين ومراغمتهم، وإبطال دينهم، أنه كان يقصد الأماكن التي تواصوا فيها على الشرك ومحاربة الدعوة، ويقيم فيها معالم التوحيد، ويشكر الله تعالى على ما من به عليه من ظهور دينه، وإعلاء كلمته، ودحر الكفر وأهله.
ومن ذلك أنه جمع قريشاً إبان صدعه بدعوته، وصعد الصفا، وقال: "إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال: أبو لهب:تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! وبعد سنوات من هذه الحادثة يصعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا في حجته حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" رواه مسلم.
ونزل في حجته في المكان الذي تقاسم فيه المشركون وتعاهدوا على مقطعة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يسلموه للمشركين؛ كما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى: "نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "قيل إنما أختار النبي صلى الله عليه وسلم النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم، وتمكنهم من دخول مكة ظاهراً على رغم أنف من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
وصدق الله العظيم إذ يقول: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:32-33].
أسأل الله تعالى أن يستعملنا فيما يرضيه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه سميع قريب، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها المسلمون: كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب، لما معهم من الكتاب، ويقصد مخالفة المشركين؛ لأنهم عباد أوثان؛ فأهل الكتاب أقرب إليهم منهم، ولذا كانوا يفرحون بانتصار الروم على فارس، وكان المشركون يفرحون بانتصار فارس على الروم؛ لأنهم أهل وثنية مثلهم.
فلما كملت أحكام الإسلام، واستقرت شرائعه؛ قصد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة عموم الكفار، وحذر من توليهم، ومن التشبه بهم، سواء كانوا أهل كتاب أم عباد أوثان.
إن من طبيعة الخرافة سرعة سريانها في الناس، ومن طبائع البشر تناقل العادات والأخلاق والشعائر بينهم، والدين لا يكون دينا صحيحا يقرب إلى الله تعالى إلا بحفظه من عبث العابثين، وتحريف المحرفين؛ ولذا جاءت الشريعة شديدة وحاسمة في أمرين عظيمين: الابتداع في الدين، والتشبه بالكافرين، فمنعتهما وأوصدت السبل إليهما؛ لأن من شأن البدعة أن تغير معالم الملة، ومن أثر التشبه متابعة المتشبه به في هديه وسمته، وأخلاقه وعاداته، إلى أن يصل إلى التشبه به في شعائر دينه، كالأعياد والانحناء عند التحية واتخاذ الصلبان وغير ذلك.
والهجمة الشرسة على الإسلام الحق وأهله من قبل الكفار والمنافقين، تسلك هذين المسارين: نشر البدعة، والدعوة إلى التشبه، أما نشر البدعة فبالسماح للمبتدعة بإظهار شعائرها لتضاهي الشعائر المحمدية، والدعوة إليها تحت شعار الحرية الدينية، وأما الدعوة إلى التشبه فتأخذ أشكالاً عدة من موافقة الكافرين في طرائقهم السياسية والاقتصادية ولو كان فيها ما فيها من تقديم المصالح الدنيوية على الأحكام الشرعية، إلى استنساخ موادهم الإعلامية الموبؤة بما لا يعرفه العرب لا في جاهلية ولا إسلام، حتى يبلغ أحقر الأشياء وأتفهها كتقليدهم في أزيائهم وتسريحات شعورهم وتربيتهم لكلابهم.
ولو أن من وقعوا في هذا الضلال الذي يلغي الشريعة الربانية ويخالف الهدي النبوي قصروه على أنفسهم لكان إثمه عليهم، ولكنهم يجاهرون به أمام الناس، ويدعونهم إليه، ويحابون من يحذر من اتباعهم في طريقهم الخاطئة، بل بلغوا مبلغاً شنيعاً حين طالبوا بتبديل شريعة الله تعالى، أو إجراء تعديلات عليها؛ لتوافق أهواءهم وأهواء الكافرين من ورائهم؛ حتى قال القائلون منهم: "إن باستطاعتهم جمع الشذوذات الفقهية ليشكل منها إسلام ليبرالي لا وجود فيه لمحرمات البتة سوى المحرمات الليبرالية، ولا واجبات مفروضة غير الحرية".
إنه ضلال عظيم، وإثم مبين، وحيدة عن شريعة الله تعالى التي ارتضاها لعباده المؤمنين، وليس السلام متضرراً من ذلك لأنه محفوظ بأمر رب العالمين، ولن تزال طائفة من المسلمين على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم إلى أن ينزل المسيح ابن مريم عليه السلام، ولكن الضرر العظيم على أغرار المسلمين وجهلتهم من رجال ونساء وأطفال، زين في نفوسهم هذا الانحلال من الشريعة، وسوغ بمسوغات الشذوذ الفقهي، على أيدي المفتونين في دينهم.
وإن الواجب على كل من آتاه الله تعالى أثرةً من علم، وحظاً من فقه ودعوة، حمايةً الناس من هذا الضلال الذي ينشر في أوساطهم بفضحه وبيان بطلانه، والتحذير من دعاته وأزلامه، كما يجب على كل مسلم ألا يسلم عقله لكل متكلم وكاتب؛ بحجة أنه يميز الحق من الباطل؛ فإن الشبهات ترد على القلوب شيئاً شيئاً حتى تفتك بها، والذين ألحدوا من أبناء المسلمين ما كان إلحاد الواحد منهم في يوم وليلة، وإنما بعد كم كبير من الشبهات والشهوات التي تشربوها، واستسلموا لها فآلت بهم إلى الخروج عن الإسلام إلى الإلحاد، نسأل الله تعالى العصمة والسلامة.
كما يجب على الآباء والأمهات تربية أولادهم على التسليم لأوامر الشريعة، والإذعان لها دون جدال ومناقشة؛ لأن الجدل في دين الله تعالى منهي عنه، وذلك خلاف ما يقرره أهل الشك والارتياب والإلحاد من تقريرهم الشك في كل شيء ومن ثم مناقشته، والتحاور فيه، حتى قالوا بلزوم الشك في وجود الله تبارك وتعالى، وفتح أبواب المناقشة والحوار في ذلك، على طريقة المتزندقين من قدماء الفلاسفة، نعوذ بالله تعالى منهم ومن مناهجهم المنحرفة، ونسأله العصمة من الزيغ والضلال، كما نسأله الثبات على الحق إلى الممات.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي