تُرى هل أذنك هي التي قال الله عنها: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)[الحاقة: 12]؟؛ الأذن الواعية التي تفهم وتعي وتدرك ما تسمع، الأذن الواعية التي ألقت السمع للأحداث والأخبار؛ فزادها ذلك عبرة وعظة, وتذكرا واستكانةً وتضرعا, وزادها تعظيما لله وقربا منه وحبا له, ورجاء له وخوفا منه, أذن واعية تنتفع بما تسمع...
الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والعظمة, وأشهد أن لا إله إلا الله إلا هو الواحد القهار, وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله, أزكى البشرية, صلوات الله وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه وعلى من سار على نهجهم.
أما بعد: فاتقوا الله وعظموه, وتأهبوا للعرض الأكبر, فكلٌ آتي الرحمن فردا, ومجزيٌ بما سعى, (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج: 1، 2].
أيها الناس: المؤمن وهو يرى ويسمع أثر قضاء الله وقدره على العالم أجمع؛ بما أنزل من مرض كورونا, ليعلم علم يقين أن الأمر بيد الله وحده, قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 18]؛ فسبحان من "خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَذَلَّتْ لَهُ الْجَبَابِرَةُ، وَعَنَتْ لَهُ الْوُجُوهُ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَدَانَتْ لَهُ الْخَلَائِقُ، وَتَوَاضَعَتْ لِعَظَمَةِ جَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَعُلُوِّهِ وَقُدْرَتِهِ الْأَشْيَاءُ، وَاسْتَكَانَتْ وَتَضَاءَلَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَقَهْرِهِ"(تفسير ابن كثير 2/44).
يا عبدالله -رعاك الله-: كم مرة طرق أذنك خبر فيروس كورونا وما يتعلق به؟ مرات عديدة, أليس كذلك؟! تُرى هل أذنك هي التي قال الله عنها: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)[الحاقة: 12]؟.
الأذن الواعية التي تفهم وتعي وتدرك ما تسمع، الأذن الواعية التي ألقت السمع للأحداث والأخبار؛ فزادها ذلك عبرة وعظة, وتذكرا واستكانةً وتضرعا, وزادها تعظيما لله وقربا منه وحبا له, ورجاء له وخوفا منه, أذن واعية تنتفع بما تسمع وفق قوله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[يونس: 67].
عباد الله: المصيبة حينما تكون الأذن غير واعية, تتكرر عليها أخبار المصائب والابتلاءات, ولا يزيدها ذلك إلا إعراضا وإصرارا على المعصية, قال الله -جل ثناؤه-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)[يوسف: 105], قال النعمان بن بشير -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إِنَّ الْهَلَكَةَ كُلَّ الهلكة أن تُعمل السيئات فِي زَمَانِ الْبَلَاءِ".
إن من يستمع ولا يعتبر فقد شبهه الله بالبهيمة, قال الله -جل وعز-: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[الفرقان: 44].
ومن لم يتعظ ويعتبر شُبه بالبعير؛ فقد أخرج أبوداود عن عامر مرفوعا: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ، ثُمَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ؛ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ، عَقَلَهُ أَهْلُهُ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ، وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ".
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من شرِّ الأوبئة والأمراض.
قلت ما سمعتموه, وأستغفر الله؛ فاستغفروه.
الحمد لله حق حمده, والصلاة والسلام على محمد نبيه وعبده, أما بعد:
فإن المحافظة -يا عباد الله- على النفوس, من أعظم مقاصد شريعة الإسلام, ومما يحقق ذلك ما نراه من إجراءات احترازية تقوم بها الجهات والوزارات المختصة, كل ذلك من أجل المحافظة على الأرواح بمنع أسباب الإصابة أو انتشار فيروس كورونا.
وما فعل تلك الاحترازات إلا من عمل الأسباب التي هي من كمال التوكل على الله -تعالى-؛ ولذا فالمؤمن لا يجزع ولا يخاف, بل يوقن أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله.
ما قضى الله كائن لا محالة ** والشقي الجهول من لام حاله
عباد الله: لتكن مثل هذه الأحداث بابا لنا للإقبال على الله, وإصلاح أحوالنا، وتدارك ما بقي من أعمارنا, يقول الله -جل وعلا-: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)[التوبة: 126].
يقيننا أن هذا المرض كورونا ابتلاء واختبار, ألم يقل ربنا -جل ثناؤه-: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف: 168].
اللهم يا حي يا قيوم ادفع عنا الغلاء والوباء, اللهم رب الناس اذهب البأس عن مرضانا, واشفهم شفاء لا يغادر سقما.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي