عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ إِصْلَاحَ الْبَالِ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ كُبْرَى، وَمِنَّةٌ مِنْ اللَّهِ عُظْمَى؛ إِنَّهَا الطُّمَأْنِينَةُ وَرَاحَةُ النَّفْسِ، وَالرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهُ، وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ، وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ، وَالْفِرَارِ إِلَيْهِ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ. إِنَّ عَلَيْنَا التَّأَمُّلَ فِي صَلَاحِ الْبَالِ فَنَجِدُ...
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى إِلَيْهَا الْمُؤْمِنُ: صَلَاحُ الْبَال، قَالَ تَعَالَى: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ)[محمد: 5] أَيْ يُصْلِحُ أَمْرَهُمْ وَحَالَهُمْ، فَصَلَاحُ الْبَالِ وَانْشِرَاحُهُ مَطْلَبٌ يَسْعَى إِلَيْهِ كُلُّ مَخْلُوقٍ وَيَتَمَنَّاهُ، فَإِذَا أَصْلَحَ اللَّهُ بَالَ عَبْدٍ فَلَا يُحْزِنُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَشْعُرُ بِنَقْصِ شَيْءٍ، وَمَنْ أَصْلَحَ اللَّهُ بَالَهُ فَلَنْ يُضِلَّ فِي فِتْنَةٍ، وَسَيَحْمِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَهْدِيهِ إِلَى قَوْلِ الصَّوَابِ فِي الْقَبْرِ، وَالرَّاحَةِ فِي الْحَشْرِ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ إِصْلَاحَ الْبَالِ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ كُبْرَى، وَمِنَّةٌ مِنْ اللَّهِ عُظْمَى؛ إِنَّهَا الطُّمَأْنِينَةُ وَرَاحَةُ النَّفْسِ، وَالرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهُ، وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ، وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ، وَالْفِرَارِ إِلَيْهِ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ عَلَيْنَا التَّأَمُّلَ فِي صَلَاحِ الْبَالِ فَنَجِدُ الْآيَةَ جَمَعَتْ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَصَلَاحِ الْبَالِ، فَمِنْ ثِمَارِ الْهِدَايَةِ: صَلَاحُ الْبَال.
وَانْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْمُوَافَقَةِ الْعَجِيبَةِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ مَعَ دُعَاءِ الْعَاطِسِ لَك الَّذِي قَدْ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ، أَوْ لَا يَتَدَبَّرُهُ، أَوْ لَا يَفْقَهُ مَعْنَاهُ، أَوْ يَقُولُهُ بِدُونِ تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقُولُهُ فِي الْيَوْمِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، لَكِن مِنْ خِلَالِ لِسَانِهِ لَا إِمْرَارِهِ عَلَى قَلْبِهِ، فَحِينَمَا تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ يَدْعُو لَك دُعَاءً عَظِيمًا مُوَافِقًا لِلْآيَةِ، فَيَقُولُ: "يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ"، فَكَمْ فَرَّطَ مِنْ مُفْرِّطٍ فِي حُصُولِهِ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ بِعَدَمِ تَشْمِيتِهِ لِلْعَاطِسِ، فَفِي تَشْمِيتِهِ أداءٌ لِلْوَاجِبِ، وَاتِّبَاعٌ لِلسُّنَّةِ.
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْعَاطِسُ مِمَّنْ تُسْتَجَابُ دَعْوَتُهُ فَيَدْعُو لَك، وَيَقُولُ: "يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ"، وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ يَحْرِصُونَ عَلَى تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللَّهِ، وَرَجَاءَ دَعْوَةٍ تُسْتَجَابُ مِنْ الْعَاطِسِ بِأَنْ يَهْدِيَهُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحَ بَالَهُمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ صَلَاحَ الْبَالِ يَكُونُ فِي أُمُورٍ عِدَّةٍ؛ مِنْهَا: الْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوْتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لَا يَقِلُّ عَنْ الْحُسْنِ)، وَإِنَّ مِنْ صَلَاح الْبَالِ: أَدَاءَ الْعِبَادَةِ فِي خُشُوعٍ وَاطْمِئْنَانٍ.
فَعَلَيْنَا -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ نَتَأَمَّلَ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى نَقُولَهُ بِحُضُورِ قَلْبٍ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطب الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ رَاحَةِ الْبَالِ: أَنْ يَطْمَئِنَّ الْمُؤْمِنُ مَعَ انْتِشَارِ وَبَاء الْكُورُونَا بِأَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا مَعَ عَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ، وَيَلْجَأُ إِلَى اللَّهِ.
وَمِنْ أَهَمِّ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَعْتَصِمُ بِهَا الْعَبْدُ: الصَّلَاةُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ".
وكذلك الاستعاذة بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ: "بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ؛ فَلَا تُصِيبُهُ فُجَاءَةُ بَلَاءٍ، وَاللَّهُ (خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يوسف: 64].
وَالدُّعَاءُ بِالْعَافِيَةِ بِالْبَدَنِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَكَذَلِكَ عَدَمُ التَّهْوِيلِ مِنْ الْمَرَضِ أو التَّهْوِينِ مِنْهُ؛ بِالتَّوَسُّطِ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.
الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.
الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ)[آل عمران: 193].
(رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[آل عمران: 194].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي