والشاكرونَ من المسلمينَ أطيبُ الناسِ قلبًا، وأهنأهُم عيشًا، وأكثرُهم راحةً وطمأنينةَ، وهم دائمًا يقْنعونَ باليسيرِ، ويسْتجلبونَ بالشكرِ المزيدَ من ربِّهم، وهم أعرفُ الناسِ بحالِهم؛ لأنَّهم يعلمونَ أنَّهم إن حُرِموا أشياءَ فقدْ أعطاهُمْ اللهُ أشياءً كثيرةً،...
الحمدُ للهِ الشكور الغفور؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ المتفردُ بالنعمِ والعطاءِ المستحقُ للشكرِ والثناءِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه أكثرُ العبادِ شكرًا لربِّه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه وأتباعِه إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، والزموا طاعتَه واجتنبوا معصيتَه فبذلكَ تُفلحوا وتَنْجحوا.
أيُّها المؤمنونَ: منزلةُ الشكرِ عظيمةٌ يبلغُ صاحبُها مبلغَ الصائمِ الصابرِ، قالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم-: "الطاعمُ الشاكرُ بمنزلةِ الصائمِ الصابرِ"(رواه الترمذي 2486، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2486).
والشكرُ سببٌ للثباتِ على الإيمانِ، وهو وصيةُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم- لمعاذِ بنِ جبلٍ -رضي اللهُ عنه-: "والله إنِّي أُحبُّكَ؛ فلا تَنْسَ أَنْ تقولَ دُبرِ كلِّ صلاةٍ: الَّلهم أَعنِّي على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وَحُسْنِ عبادتِك"(رواه البخاري ومسلم).
فالشكرُ صمَّامُ الأمانِ لبقاءِ النعمِ ودوامِها، بلْ وزيادتِها، كما قال ربُّنا -جلَّ وعلا-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]، وهو أمانٌ من العذابِ إذا صَدَقَ الإيمانُ، كما قال ربُّنا -جلَّ وعلا-: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)[النساء:147].
والشكرُ نصفُ الإيمانِ، واليقينُ الإيمانُ كلُّه. وأركانُ الشكرِ ثلاثةٌ، ولا يُوصفُ العبدُ بأنَّه شكورٌ إلا إذَا اجتمعتْ فيهِ: اعْترافُه بنعمةِ اللهِ عليهِ- الثناءُ على اللهِ بها- الاستعانةُ بها على مرضاةِ اللهِ.
عبادَ اللهِ: والشاكرونَ من المسلمينَ أطيبُ الناسِ قلبًا، وأهنأهُم عيشًا، وأكثرُهم راحةً وطمأنينةَ، وهم دائمًا يقْنعونَ باليسيرِ، ويسْتجلبونَ بالشكرِ المزيدَ من ربِّهم، وهم أعرفُ الناسِ بحالِهم؛ لأنَّهم يعلمونَ أنَّهم إن حُرِموا أشياءَ فقدْ أعطاهُمْ اللهُ أشياءً كثيرةً، وإنْ أصابَهمْ مرضٌ في وقتٍ فقدْ تمتَّعوا بالصحةِ أوقاتًا، فهم ينْسونَ مصائبهَم في مقابلِ نعمِ اللهِ الكثيرةِ عليهم.
عبادَ اللهِ: لقدْ مرَّتْ علينا المرحلةُ الماضيةُ ونحنُ نصلِّي في بُيوتِنا، ونَتَعبدُ لربِّنا تقربًا إليه وطاعةً لوليِّ أمرِنا، وهذه نعمةٌ تستوجبُ الشكرَ؛ لأنَّ غيرَنا يعيشونَ في قلقٍ وهمٍّ ومعاناةٍ وخوفٍ وضائقةٍ من العيشِ، فأبشروا يا مَنْ قلوبُهم معلقةٌ بالمساجدِ، فما كانَ من عملٍ لكم قبلَ إغلاقِها فهو مكتوبٌ لكمْ ما دامَ ذلكَ بغيرِ اختيارِكم، وعدمِ قدرِتكم، فقد قالَ رسولُنا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم-: "إِذَا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ لهُ أجرُ عملِه صحيحًا مقيمًا"(رواه البخاري: 2996).
ولئن ألمت بنا نازلة فقدْ متَّعنَا اللهُ بحياةٍ سعيدةٍ، وتوالتْ علينا نِعمَهُ صباحَ مساءَ، ألسنا ننعمُ بالأمنِ والأمانِ ووفرةِ الأرزاقِ في بلادِنا؟ فأينَ شكرُنا لنعمةِ الجوارِحِ وسلامتِها، وصدَقَ حبيبُنا ونبيُّنا محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم- وهو يقرِّرُ هذه النعمَ فيقولُ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(رواه الترمذي 2346، وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2346).
فليحْمدِ اللهَ مَنْ أنعمَ اللهُ عليهم بالصحةِ والعافيةِ وهم يستطيعونَ الوصولَ إلى المساجدِ على أقدامِهِم، وليتَذكَّروا أقواماً لا يستطيعونَ الوصولَ إليهَا، يتمنَّى الواحدُ منهمْ أَنْ يَركَعَ ويسجدَ في بيتٍ من بيوتِ اللهِ لكنْ حَبَسهَم المرضُ فهم على الأسرِّةِ البيضاءِ في المشافي أو البيوت.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم:7]. باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما سمعتمْ فاسْتَغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعْلَمُوا أنَّ تَقْوَاهُ هيَ طريقُ النجاةِ.
أيُّها المؤمنونَ: إنَّ الصبرَ على المصائبِ أجرُه عظيمٌ، وصَدَقَ اللهُ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون)[البقرة:155ـ 157].
وقالَ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ"(رواه الترمذي، وقال الألباني في الصحيحة: إسناده جيد)، وهذا الوباءُ الذي نَزَلَ بالناسِ يحتاجُ إلى بذلِ الأسبابِ في السلامةِ منهُ، ويحتاجُ إلى الصبرِ وكلاهُمَا مأمورٌ بهِ شرعًا.
عبادَ اللهِ: وأخذُ الاحتياطاتِ والعملُ بالاحترازاتِ لا ينافي التوكَّلَ على اللهِ، ومَنْ يقولُ: إنَّها تُنافي التوكَّلَ فهوَ واهمٌ ولا يعرفُ معنى التوكَّلِ، وفعلُ الأسبابِ مِنْ صميمِ التوكُّلِ على اللهِ، كيفَ وقدْ قالَ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "اعْقلْهَا وتَوَكَّل"(رواه الترمذي وحسنه الألباني).
وعدمُ الالتزامِ تَتَرتَبُ عليهِ آثارٌ خطيرةٌ على الشخصِ وعلى المجتمعِ، وقد صَدَرتْ الفتوى بهذهِ الإجراءاتِ الاحترازيةِ المطلوبةِ من التباعدِ في الصلاةِ ولبسِ الكمامِ، وصلاةِ المريضِ والكبيرِ الذي يخافُ على نفسِه في بيتِه.
واحرصوا -باركَ اللهُ فيكمْ- على المحافظةِ على الأذكارِ والأورادِ اليوميةِ، فهيَ حرزٌ لكمْ في يومِكم وليلتِكم، وعوِّذُوا أطفالَكُم، وأكثروا من الدعاءِ بأنْ يحفظَكُم اللهُ ويكفيَكم شرَّ هذا الوباءِ وغيرِه.
ولا يفوتُنَا في هذا المقامِ أنْ نشكرَ اللهَ -جلَّ وعلا- على لطفِه بعبادِه وفضلِه عليهِم، فبلادُنَا ولله الحمدُ من أقَلِّ البلادِ تَضَررًا من هذا الوباءِ بفضلِ اللهِ وتوفيقِه، ثمَّ بفضلِ الجهودِ المبذولةِ من الجهاتِ المتابعةِ لهذا الوباءِ، والقراراتِ الصائبةِ الحازمةِ التي اتخذتْها الجهاتُ المختصةُ، فولاةُ أمرِ بلادِنَا جعلُوا صحةَ الإنسانِ فوقَ كلِّ اعتبارٍ، وبذلوا الغاليَ والنفيسَ في هذا الجانبِ ليسلَمَ الناسُ وتقلَّ الأضرارُ إلى أقصى حدٍّ يستطيعونَه.
ثمَّ نُثنِّي بالشكرِ للجهاتِ الأمنيةِ والصحيةِ ووزارةِ الشؤونِ الإسلاميةِ على حسنِ المتابعةِ والرعايةِ وتوالي التوجيهاتِ، وتَبقى مسؤوليةُ المواطنينَ والمقيمينَ في تنفيذِ هذهِ الاحترازاتِ لسلامتِهم وسلامةِ غيرِهم من أفرادٍ المجتمعِ.
جزى اللهُ كلَّ عاملٍ مخلصٍ في بلادِنا خيرَ الجزاءِ، وضاعفَ لهم المثوبةَ وأتمَّ علينَا النعمةَ وحفظَ اللهُ البلادَ والعبادَ ورفعَ الوباءَ وكفانَا شرَّ أنفسِنا والشيطانِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي