كيف ندفع البلاء؟!

حمزة بن فايع آل فتحي
عناصر الخطبة
  1. كثرة الأقوال وتضاربها حول علاج فيروس كورونا .
  2. وجوب التداوي والأخذ بالاحترازات المطلوبة .
  3. عبادات مشروعة تسهم في دفع البلاء ورفعه عن العباد. .

اقتباس

ومع العناية بالدواء، يجب أن نلجأَ إلى الله.. فالوهمُ نصفُ الداء، والطمأنينةُ نصفُ الدواء، والثقة بالله أولُ خطوات الشفاء. تضرعوا إلى الله -يا مسلمون-، وأَحدثوا له توبة، ولا حرجَ من التوقي، وعمل الاحترازات الصحية، ولكن لا نضيع علاجنا الشرعي، وننغمس في الماديات والمخاوف والأوهام...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله ربِ العالمين، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، نحمده ونشكره ومن كل ذنب نستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].

معاشر المسلمين :جلسَ ستةُ أطباء في مطعم على قارعة طريق، يستمتعون بشرب الشاي والقهوة،
فمرّ من أمامهم رجلٌ أعرج؛ فقال أحد الأطباء: هذا مصاب بالتهاب مِفصلِ ركبتهِ اليسرى.

وقال الثاني: هو مجرد التواء .وقال الثالث: هذا يعاني التهاب أخمصي في وجه القدم .وقال الرابع: انظروا لا يستطيعُ رفعَ ركبته، يبدو ذلك بسبب خلل في خلايا عصب الحركة السفلي. قال الخامس: أعتقد أنّ لديه شللاً نصفيًّا.

وقبل أن يتكلم الطبيب السادس والإدلاء بتشخيصه للمرض، وصل الرجلُ إلى المجموعة .وسألهم: أين أجد أقربَ إسكافي لإصلاح حذائي؟ كان شغله الحذاء، واختلفت الأنظار فيه.

للأسف! بما يشبه حوار الأطباء الستة عن حالة الأعرج، نسمع الخبراء والنَاس يتحدثون في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية عن قضية "فيروس كورونا" هذه الأيام؛ حديثٌ لا ينتهي، ودراسات متعارضة، وتصريحات مهوِّنة، أو مرجفة. والأدهى أن الكل يتكلم عن الفيروس بما يحلو له، حتى صُمّت الآذان، واختلفت الأفئدة.

ومع العناية بالدواء، يجب أن نلجأَ إلى الله، فنحن مسلمون نعرف الداء والدواء، ونؤمن بالسبب والمسبِّب، وتعلمنا في المعهد النبوي "اعقلها وتوكل"؛ فالوهمُ نصفُ الداء، والطمأنينةُ نصفُ الدواء، والثقة بالله أولُ خطوات الشفاء.

تضرعوا إلى الله -يا مسلمون-، وأَحدثوا له توبة، ولا حرجَ من التوقي، وعمل الاحترازات الصحية، ولكن لا نضيع علاجنا الشرعي، وننغمس في الماديات والمخاوف والأوهام؛ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء:80].

رُحماكَ يا رب لا رُحمى فتنقذُنا *** سواكَ من حالنِا يا راحمَ الداني

ابسُط فيوضَك فالأحباسُ تقتلنا *** وشوقنا ثائرٌ للراغب العاني

حتى المنابرُ قد جفّت ولا شجنٌ *** يُغيثنا اليوم من نبعٍ وإيمانِ
متى المواعظُ في قلبٍ لها أثرٌ *** تدقُّ دقَّ مساميرٍ وطعّانِ؟!

ومن تلكم الوسائل الشرعية يا مسلمون:

أولاً: الصلاةُ وما فيها من يقينٍ وثبات وانشراح: كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا حزبه شيء- أهمَّه- صلَّى"(رواه أبو داود). وفِي الكسوف قال: "فإذا رأيتموهما فافزعوا للصلاة"؛ فبادر مصليًّا ذاكرًا وخاشعًا .

ثانيًا: الدعاء وما فيه من فتوحاتٍ وانفراجات: للحديث الصحيح "لا يرد القضاءَ إلا الدعاء"(رواه الترمذي). وعلَّم أمته دعوةَ يونس -عليه السلام- عند الكروب: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنبياء:87]. وحديث ابن عباس في الصحيحين: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ ورب العرش الكريم".

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوُّ البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنعُ نزولَه".

ثالثًا: كثرةُ الاستغفار: ففيه الدفع والرفع والمعافاة من الأخطار، (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال:33]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إنه ليُغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائةَ مرة"(رواه مسلم) .

رابعاً: صنائعُ المعروفِ ومكارم الأخلاق: فلا تهمل صدقة تبذلها، أو حسنة تهديها، أو معروفًا تسديه؛ لحديث نزول الوحي، قال -عليه الصلاة والسلام- لزوجه: "لقد خشيتُ على نفسي"، فقالت خديجة -رضي الله عنها-: "كلَّا والله ما يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحمِلُ الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق"(متفق عليه) .وصح حديث "صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ".

خامسًا: الصدقة التي تدفع البلاء، وتشافي المرضى؛ لحديث "داووا مرضاكم بالصدقات"، وحديث مروره على النساء يوم العيد، فقال: "يا معشر النساء، تصدَّقن؛ فإني أُرِيتُكنَّ أكثرَ أهل النار"(متفق عليه).

سادسًا: الذكر: وهو عنوان وجِلاء كل بلية ومحنة، قال في الكسوف -عليه الصلاة والسلام-: "فإذا رأيتموهما فاذكروا الله"؛ وأعظمه قراءة القرآن، وما والاه من ذِكْر وتسبيح وتكبير. قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "ما ذُكِر اللهُ على صَعبٍ إلا هَانَ، ولا على عسيرٍ إلا تيسَّرَ، ولا على مشقةٍ إلا خفَّتْ، ولا على شِدَّةٍ إلا زالتْ، ولا على كربةٍ إلا انفرجتْ".

سابعًا: كثرةُ التسبيح: قال -تعالى-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصافات:143-144] .

ثامنًا: خلقُ الصبر والتصبر، الحامل على الإيمان والرضا وتحمُّل الأعباء: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر:10]، وصحّ قوله -عليه الصلاة والسلام-: "ومن يتصبر يصبّره الله".

تاسعًا: الاستعاذة بالله من الأسقام والسخط: صح حديث أبي داود -رحمه الله-: "اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون، والجذام وسيئ الأسقام"، وحديث: "اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وفُجاءة نقمتك، وتحوّل عافيتك، وجميعِ سخطك"(رواه مسلم) .

عاشرًا: تقوى الله في السر والعلن؛ لقوله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3]؛ فما خاب متقٍ، ولا خسر مستعصم بها، بل عاقبته الفتح والفرجُ والتوفيق.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وعلى خيرهم نبينا محمدٍ خير رسولٍ مقتفى، وعلى آلهِ وصحبهِ أرباب المجد والوفا.

أيها الإخوة الكرام: من نعمةِ الله علينا أن جعل لبلايانا حلولا، ولكُرُباتنا أدويةً، ولأسقامنا شفاءً، يأخذها أهلُ الإيمانِ بقوة، فتشدُّ من أزرهم، وتثبّت أقدامهم، وتخفف رزاياهم، ومن أسباب دفع البلاء أيضًا: الاستمساك الشرعي بالمواظبة على الشرائع، ومراقبة الله على كل حال: لحديث ابن عباس المشهور: "احفظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهَك"؛ فإياك والتفريط والتساهل، أو التلاعب بشعائر الله، قال -تعالى- (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر:19].

ومنها: قوةُ اليقين والثبات: كان من دعائه المشهور-عليه الصلاة والسلام-: "ومن اليقين ما تهوّنُ به علينا مصائبَ الدنيا"؛ أي: اقسِم لنا إيمانًا لا شك فيه، وإذا تحصّل، تحقق به الرضا والتسليم لحكم الله، فهانت الأرزاء والبلايا، والله المستعان .

وأيضًا: قُربات الرخاء، وطاعاته التي تحفظك أيّام الشدائد، وتصرف عنك البليات، قال الله -تعالى- عن نبيه يونس -عليه السلام-: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصافات:143-144]، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الوصية الذهبية: "تعرفْ إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة"؛ أي: من صلوات وأدعية وأوراد وتلاوات .

فخذوا -عبادَ الله- من هذه الأسباب بقدر كافٍ، وتزودوا بالزاد النافع، واستجمِعوا أموركم، وتوكلوا على الله ربِّكم، فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة.

وصلوا وسلموا -يا خيارُ- على معلم الخير، وناشر البر والفضل نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي