العائدون من رحلة الموت - من شفاهم الله من كورونا

السيد مراد سلامة
عناصر الخطبة
  1. البلاء سنة كونية لا مفر منها .
  2. رسالة إلى العائدين من رحلة الموت .
  3. رسائل للمتعافين من فيروس كورونا. .

اقتباس

أيها العائد من رحلة الموت -من كورونا-: قد عاينت الموت وأيقنت بالفراق؛ كنت تتنفس من ثقب إبرة، ضاقت عليك الأرض بما رحبت، فماذا عساك أن تفعل بعد عودتك وقد شفاك الله وكفاك ومنحك وأعطاك؟!

الخطبة الأولى:

الحَمدُ للهِ الذي خَلَقَ الموتَ والحَياةَ لِيَبْلُوَ عِبَادَهُ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى خَيْرِ خَلْقِ اللهِ وَأَشَدِّهِمْ تَعَرُّضاً لِلابْتِلاءِ؛ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ نُجُومِ الدُّجَى، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَانٍ إلى يَومِ الجزَاءِ.

أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: البَلاءُ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِي خَلْقِهِ، يُرْسِلُهُ عَلى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَيكُونُ عِنْدَ أقوامٍ سَبَباً لِرِضَا اللهِ، كَمَا يَكُونُ عِنْدَ آخَرِيْنَ سَبَباً لِسَخَطِهِ وَعُقُوْبَتِهِ، وَفِي هَذا يَقُولُ نَبِيُّنَا -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَا، ومَن سخِط فله السَّخطُ"(رواه الترمذي وحسنه الألباني).

هذه رسالة إلى العائدين من رحلة الموت إلى الذين ابتلاهم الله -تعالى- بفيروس كورونا ثم شفاهم الله -تعالى- من ذلك الوباء الخطير.

إلى هؤلاء أقول لهم: لقد عاينتم الموت، وأيقنتم بالفراق، وهجركم القريب والبعيد والصديق فرُّوا خوفًا مما أنتم فيه من بلاء.. تأملوا كم من إنسان ابتلاه الله بذلك الوباء فما نجى منهم بل وافته المنية ورجع إلى رب البرية؛ فما الواجب عليكم؟

أيها العائد من رحلة الموت -من كورونا-: لا تَعُدْ إلى سيرتك الأولى من المعاصي والذنوب حتى لا يصدق عليك قول الله -تعالى-: (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)[الأنعام:28-29].

أيها العائد من الموت -من كورونا-: أظْهِرْ فقرك وتضرَّع إلى الله واحذر من الغفلة فإنها مهلكة؛ قال الله -تعالى- (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)[المؤمنون: 75-78].

أيها العائد من الموت -من كورونا-: جدِّد التوبة والأوبة إلى الله -تعالى-؛ ففي الآخرة يعاين المؤمن كل الحقائق الغيبية ويتذوق كل ما كان يتمنى من أصناف النعيم، ويعاين الكافر كل ما كان ينكره ويكذّبه من حقائق تبين لهم عياناً كل ما كانوا يخفونه من أمور الغيب وبالرغم من هذه المعاينة لكل الحقائق في الآخرة إلا أن الله -تعالى- يعلم من حالهم أنهم لو عادوا إلى الدنيا لرجعوا إلى حال الكفران والتكذيب والضلال والإضلال والغواية للخلق.

قال الله -تعالى-: (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)[الأنعام:28-29]؛ قال السعدي: "(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا) منكرين للبعث (إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا)؛ أي: ما حقيقة الحال والأمر وما المقصود من إيجادنا إلا الحياة الدنيا وحدها (وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)".

أيها العائد من الموت -من كورونا-: قد منحك الله -تعالى- فرصة ثانية؛ فلا تضيع الفرصة وانتهزها، وإياك أن تنسى ما أصابك من بلاء وتفرح بنعمة العافية ويزين لك الشيطان معصية الرحيم الرحمن (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 43-45].

أيها العائد من رحلة الموت -من كورونا-: قد عاينت الموت وأيقنت بالفراق؛ كنت تتنفس من ثقب إبرة، ضاقت عليك الأرض بما رحبت، فماذا عساك أن تفعل بعد عودتك وقد شفاك الله وكفاك ومنحك وأعطاك؟!

أيها العائد من الموت -من كورونا-: كيف وجدت الله عندما شعرت بضيق في تنفسك؟ كيف وجدت الله عندما ارتفعت حرارتك؟ كيف وجدت الله عندما كنت وحيدًا فريدًا؟  لو صدقت لقلت: وجدته أرحم بي من أبي وأمي، بل أرحم بي من أبنائي وبناتي. لو صدقت لقلت: وجدت الله أقرب إليَّ من حبل الوريد. لو صدقت لقلت: لم أجد بابًا غير بابه. فاحفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك.

عِبَادَ اللهِ: قد قلتُ ما سمعتم.. وأستَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فاستغفِرُوهُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على رَسُولِهِ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ.

أيها العائد من رحمة الموت -من كورونا-: احذر أن تخلف وعدك مع الله. قال مالك بن دينار: دخلت على جارٍ لي وهو في الغمرات يعاني عظيم السكرات، يُغمَى عليه مرة، ويفيق أخرى، وفي قلبه لهيب الزفرات، وكان منهمكًا في دنياه، متخلفًا عن طاعة مولاه، فقلت له: "يا أخي، تُبْ إلى الله، وارجع عن غيّك، عسى المولى أن يشفيك من ألمك، ويعافيك من مرضك وسقمك، ويتجاوز بكرمه عن ذنبك".

فقال: "هيهات هيهات! قد دنا ما هو آتٍ، وأنا ميّت لا محالة، فيا أسفي على عمر أفنيته في البطالة. أردت أن أتوب مما جنيت، فسمعت هاتفًا يهتف من زاوية البيت: عاهدناك مرارًا فوجدناك غدارًا". نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونستغفره من الذنوب المتقادمة.

فيا أخي: ارجع إلى مولاك، وأعرض عن مواصلة غيّك وهواك، وواصل بقية العمر بوظائف الطاعات، واصبر على ترك عاجل الشهوات، فالفرار -أيها المكلف- كل الفرار من مواصلة الجرائم والأوزار، فالصبر على الطاعة في الدنيا أيسر من الصبر على النار.

أيها العائد من رحلة الموت -من كورونا-: في بعض الكتب المنزلة ينادي -تبارك وتعالى-: "عبدي، إلى كم تستمر على عصياني، وأنا غذيتك برزقي وإحساني، أما خلقتك بيدي؟ أما نفخت فيك من روحي؟ أما علمت فعلي بمن أطاعني، وأخذي لمن عصاني؟ أما تستحي تذكرني في الشدائد وفي الرخاء تنساني؟ عين بصيرتك أعماها الهوى. قل لي بماذا تراني؟ هذا حال من لم تؤثر فيه الموعظة، فإلى كم هذا التواني؟ إنْ تُبتَ من ذنبك، آتيتك أماني. اترك دارًا صفوها كدر، وآمالها أمانٍ. بعت وَصْلِي بالدُّونِ، وليس لي في الوجود ثانٍ".

فما جوابك إذا شهدت عليك الجوارح بما تسمع وترى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران:30].

ولله در القائل:

تعصي الإله وأنت تزعم حبَّه *** هذا مُحال في القياس بديع

لو كان حبُّك صادقًا لأطعته *** إن المُحِبّ لمن يحب مطيع

وصلوا وسلموا....


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي