الزواج العائلي: ضرورة أم اختيار

محمد بن سليمان المهوس
عناصر الخطبة
  1. أهمية الأسرة .
  2. ثمرات الزواج السعيد .
  3. التحذير من الإسراف والمبالغات في المهور .
  4. حفلات الزواج العائلية في زمان كورونا. .

اقتباس

لَيْلَة الزِّفَافِ الَّتِي لَا تَتَجَاوَزُ بِضْعَ سُوَيْعَاتٍ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُ النَّاسُ، وَتَجْتَمِعُ عَلَى الزَّوْجِ هُمُومُ قَضَاءِ تَكَاليفِهَا الْمَالِيَّةِ مَعَ صُعُوبَةِ تَوْفِيرِ مَبَالِغَ الْمُتَطَلِّبَاتِ الْأُخْرَى؛ كَشَهْرِ الْعَسَلِ وَتَكَاليفِ السَّفَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَنَزْعُ الْبَرَكَةِ مِنْ زَوَاجٍ هَذِهِ حَالُهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ، وَسُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ..

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ؛ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]؛ فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُبَيِّنُ الْمَوْلَى -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ الدَّالَةِ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعِنَايَتِهِ بِعِبَادِهِ وَحِكْمَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَعِلْمِهِ الْمُحِيطِ، أَنْ خَلَقَ لَنَا مَنْ أَنْفُسِنَا وَمِنْ بَنِيِ جِنْسِنَا أَزَوَاجاً تَنَاسِبُنَا.

وَيَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ وَالْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: الْأُنْسُ وَالْمَحَبَّةُ وَالْاِسْتِقْرَارُ وَالْمَوَدَّةُ، وَعِمَارَةُ الْأرْضِ بِوُجُودِ الذَّرِّيَّةِ؛ وَلَنْ تَحْصُلَ فِي الزَّوَاجِ هَذِهِ الْمُتَعُ النَّفْسِيَّةُ، وَالسَّعَادَةُ الْحَيَاتِيَّةُ، وَالْمَوَدَّةُ الْقَلْبِيَّةُ، وَالسَّكَنُ، إِلَّا إِذَا كَانَ زَوَاجاً مُبَارَكاً.

وَلَنْ يَكُونَ الزَّوَاجُ مُبَارَكاً إِلَّا إِذَا كَانَ وِفْقَ شَرْعِ اللهِ -تعالى-، خَالِيًا مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي تُغْضِبُ اللهَ -تَعَالَى-، وَالَّتِي مِنْهَا الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ تَبِعَاتٍ سَيِّئَةٍ فِي هَذَا الْمَشْرُوعِ الْمُبَارَكِ؛ وَأَخُصُّ بِالذِّكْرِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ الَّتِي لَا تَتَجَاوَزُ بِضْعَ سُوَيْعَاتٍ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُ النَّاسُ، وَتَجْتَمِعُ عَلَى الزَّوْجِ هُمُومُ قَضَاءِ تَكَاليفِهَا الْمَالِيَّةِ مَعَ صُعُوبَةِ تَوْفِيرِ مَبَالِغَ الْمُتَطَلِّبَاتِ الْأُخْرَى؛ كَشَهْرِ الْعَسَلِ وَتَكَاليفِ السَّفَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَنَزْعُ الْبَرَكَةِ مِنْ زَوَاجٍ هَذِهِ حَالُهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ، وَسُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيِّ).

وَقَوْلُهُ: "مِنْ يُمْنِهَا"؛ أَيْ: مِنْ بَرَكَتِهَا: "تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا"، أَيْ: سُهُولَةَ طَلَبِ زَوَاجِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَسُهُولَةَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، "وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا"، أَيْ: عَدَمَ الْمُغَالَاةِ فِيهِ، وَتَكْلِيفَ الزَّوْجِ فَوْقَ طَاقَتِهِ فِي تَحْصِيلِهِ وَتَحْصِيلِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُتَطَلَّبَاتِ الْأُخْرَى، "وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا"، أَيْ: لِلْوِلَادَةِ، بِأَنْ تَكُونَ سَرِيعَةَ الْحَمْلِ كَثِيرَةَ النَّسْلِ.

قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُغَالِي بِمَهْرِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَبْقَى عَدَاوَةً فِي نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: لَقَدْ كُلِّفْتُ لَكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ"؛ أَيْ: تَحَمَّلْتُ لأَجْلِكِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَبْلَ الَّذِي تُعَلَّقُ بِهِ الْقِرْبَةُ.

وَقَدْ صَدَقَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَمَا أَكْثَرَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ زَوْجَاتِهِمْ، وَيَكْرَهُونَ أَهْلَهُنَّ وَمَنْ عَرَّفَهُمْ بِهِمْ؛ بِسَبَبِ مَا تَحَمَّلَتْ أَعْنَاقُهُمْ مِنَ الدُّيُونِ، وَالَّذِيِ تَسَبَّبَتْ فِي تَعَاسَتِهِمْ وَشَقَائِهِمْ؛ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا نَتِيجَةٌ مِنْ نَتَائِجِ نَزْعِ الْبَرَكَةِ.

فَاتَّقُوا اللهُ -تَعَالَى-، وَاحْذَرُوا الْأَسْبَابَ الَّتِي تَمْنَعُ بَرَكَةَ اللهِ -تَعَالَى- فِي حَيَاتِكُمْ، وَذُرِّيَّاتِكُمْ وَمَصَالَحِكُمْ وَشُؤُونِكُمْ كُلِّهَا.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:97].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرِ الرَّحِيمِ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَفِي ظَلِّ هَذَا الْوَبَاءِ يَبْرُزُ فِي مُجْتَمَعِنَا مَشْرُوعُ الزَّوَاجِ الْعَائِلِيِّ وَالَّذِي فَرْضَتْهُ الْاِحْترَازَاتُ الطِّبِّيَّةُ، وَاخْتَارَتْهُ أَصْحَابُ الْعُقُولِ النَّيِّرَةِ مِنَ الْأُسَرِ الْكَرِيمَةِ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ الْمُبَارَكِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَتَحْقِيقِ الْمُصَالِحِ لِلشَّابِّ وَالْفَتَاةِ وَالْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ؛ فَكَمْ سَيُوَفِّرُ الشَّابُّ مِنَ الْمَالِ وَالرَّاحَةِ النَّفْسِيَّةِ وَخِفَّةِ الْأَعْبَاءِ التَّنْظِيمِيَّةِ، بَلْ وَحَتَّى رِضَا النَّاسِ الْقَرِيبِ مِنْهُمْ وَالْبَعيدِ؛ فَلَا يَحْضُرُ إِلَّا أَفَرَادُ الْعَائِلَةِ الْقَرِيبِينَ، وَيُوَفِّرُ لِلْبَعيدِ مِنْهُمْ الْوَقْتَ وَمَشَقَّةَ السَّفَرِ وَتَكَاليفَهُ، وَجَلْبَ الْهَدَايَا وَالَّتِي قَدْ يَضْطَرُّ الْبَعْضُ إِلَى الْاِقْتِرَاضِ كَيْ يَظْهَرُ بِشَكْلِ يَلِيقُ بِمَكَانَتِهِ الْاِجْتِمَاعِيَّةِ أَمَامَ الْحُضُورِ.

فَاتَّقُوْا اللهَ -تَعَالَى-، وَكُونُوا مَفَاتِيحَ خَيْرٍ وَسَعَادَةٍ لأبْنَائِكُمْ بِتَيْسيرِ الزَّوَاجِ وَالْحَدِّ مِنَ الْمُغَالَاةِ فِيهِ عَلَيْهِمْ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة:2].

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي