خطبة عيد الأضحى 1441هـ

خالد بن عبدالله الشايع
عناصر الخطبة
  1. فضائل يوم النحر .
  2. خطورة المعاصي في الأيام الفاضلات والأماكن المفضلة .
  3. حكم الأضحية وسننها وآدابها .
  4. حكم ذبح الأضحية في غير بلد المضحي .

اقتباس

واليوم قد جمع الله لكم بين العيدين في يوم واحد، فاعرفوا قدر يومكم هذا، وتعرّضوا لنفحات ربكم، بالتوبة الصادقة، وعمل الصالحات، وتطهير القلوب من الغلّ والحسد، وأن يرحم بعضنا بعضًا، وأن نتعايش إخوانًا كما أمرنا الله بذلك .

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد: فيا أيها الناس اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أيها المؤمنون: هذا يوم النحر، وما أدراكم ما يوم النحر؟!، إنه يوم العيد، يوم الحج الأكبر، وهو أفضل أيام السنة على الإطلاق، أخرج أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن قرط قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ من أعظم الأيام عند الله -تعالى- يوم النحر، ثم يوم القر".

وقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية عن أيهما أفضل: يوم الجمعة أو يوم النحر؟

فقال: "يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام".

وكذا قال ابن القيم -رحمهما الله تعالى-.

واليوم قد جمع الله لكم بين العيدين في يوم واحد، فاعرفوا قدر يومكم هذا، وتعرّضوا لنفحات ربكم، بالتوبة الصادقة، وعمل الصالحات، وتطهير القلوب من الغلّ والحسد، وأن يرحم بعضنا بعضًا، وأن نتعايش إخوانًا كما أمرنا الله بذلك .

معاشر المؤمنين: كما أن الطاعاتِ سببٌ للقرب والودّ، فالمعاصي سبب للطرد والبعد، فالحذر الحذر من المعاصي كبيرها وصغيرها، خصوصًا في هذه الأيام المباركات، فكما أن الحسناتِ تعظم فيها فالسيئاتُ كذلك، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إثم المعصية وحد الزنا هل يزداد في الأيام المباركات؟ فقال: "نعم، المعاصي في الأيام الفاضلات والأماكن المفضلة تغلظ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان".

والله -جل وعلا- يقول: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة:36].

أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، واعملوا بسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لعلكم تفلحون .

وإنَّ ممَّا سنَّه لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في صبيحة يوم العيد أنه كان لا يأكل شيئًا صباح ذلك اليوم حتى يعود فيأكل من أضحيته .

كما سنَّ لنا -صلى الله عليه وسلم- في أيام العيد التقرب إلى الله بالأضحية، وهي سنة مؤكدة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقد قال بعض العلماء بوجوبها على المستطيع، فلا ينبغي للمسلم أن يفرط فيها، مع قدرته على ذلك، فلو زار الإنسانَ ضيفٌ لأكرمه بوليمة تربو على قيمة الأضحية، فَلِمَ التقاعسُ عن هذه النسيكة العظيمة، ويكفي فيها أنك تشبَّهت بأهل الحج الذي ينحرون في حجهم أيام العيد، فحري بك أن تشركهم ولو في الأجر، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرجل يستدين ليضحي، فقال: "إن كان يرجو سدادًا فليستدن".

وكان بعض السلف يستدين ليضحي، ويقول قال الله -تعالى-: (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)[الحج:36].

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

اللهم وفِّقنا للخيرات، وجنِّبنا المعاصي والمنكرات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، فضل الشهور والأيام، وأسبغ على الخلق من آلائه ما يشهد به أولو البصائر والأفهام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام وحج بيت الله الحرام.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أما بعد: فيا عباد الله: إن للأضحية أحكامًا يجب الالتزام بها فمنها: أن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم قال –تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)[الحج:34]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر الله -تعالى- أنه لم يزل ذبحُ المناسك وإراقةُ الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع الملل". اهـ

ومنها: تخيُّر الأضاحي السليمة من العيوب المانعة من إجزائها؛ وهي: كون الأضحية قد بلغت السن المعتبرة شرعا؛ فمن الإبل ما له خمس سنين، ومن البقر سنتان، ومن المعز سنة، ومن الضأن ستة أشهر، كما يجب على المضحي أن يجتنب من الأضاحي ما كان فيه أحد هذه العيوب الأربعة أو ما كان مثلها أو أعظم منها، فيجتنب العوراءَ البينَ عورُها، والمريضةَ البين مرضُها، والعرجاء البين ضِلعُها، والعجفاء التي لا تنقي، وهي التي لا مخ في عظامها من الضعف والهزال .

قال النووي: "أجمعوا على أن العيوبَ الأربعةَ المذكورة لا تجزئ في التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح كالعمى وقطع الرجل وشبهه" اهـ.

وأما العيوب التي دونها فلا تمنع، وإنما تجزئ مع الكراهة، وذلك كمكسورة القرن أو مقطوعة الأذن، ونحوهما .

عباد الله: إن الأضحية في الأصل للأحياء دون الأموات إلا أن تكون وصية؛ فيجب تنفيذها على وجهها، قال -تعالى-: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:181].

ولكن من الخطأ أن يضحي المسلم عن والديه استقلالاً من غير وصية، فإن هذا ليس من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد مات له أولادٌ من بنينَ وبناتٍ وزوجاتٍ وأعمام، ولم ينقل أنه ضحى عن أحد منهم استقلالاً، ولكنه كان يُشركهم في أضحيته، فقد ضحى بكبشين أحدهما عنه وعن آل محمد والآخر عمن لم يضحِّ من أمته .

أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ضحى بكبشين أملحين أقرنين فسمَّى وكبَّر"؛ وفي رواية "ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووضع رِجْله على صفاحهما".

وأخرج مسلم في صحيحه أنه لما ذبح قال: "باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد" ثم ضحى به .

ومن السنة تخيُّر الأضحية فتكون سمينة لتنفع الفقراء، وكلما كانت أنفع للفقراء فهي ؛أفضل نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وروى البخاري في صحيحه معلقًا: قال يحيى بن سعيد: سمعت أبا أمامة بن سهل قال: "كنا نُسمِّن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمّنون".

كما أن للأضحية وقتًا لا تجوز قبله ولا بعده، فيبدأ وقتها بنهاية الإمام من صلاة العيد؛ أخرج البخاري من حديث البراء -رضي الله عنه- قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال: "إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سُنتنا، ومن نحر (يعني قبل صلاة العيد)؛ فإنما هو لحم يقدّمه لأهله، ليس من النسك في شيء".

وينتهي وقتهُا بغروب شمسِ اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة .

فمن ذبح قبل الصلاة من يوم العيد أو بعد غروب الشمس من اليوم الرابع من أيام العيد فإنما هي شاة لحم وليست بأضحية .

وإن مما يخطئ فيه البعض كذلك أن يذبح في البيت الواحد عدة أضاحي، فالزوجة تضحي والزوج يضحي والولد يضحي، وهكذا، وهذا وإن كان جائزًا، إلا أنه خلاف السُّنة كما روى الترمذي وغيره عن أيوب كان الرجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى .

ومما يكثر السؤال عنه السؤال عن حكم ذبح الأضحية في غير بلد المضحي، والجواب أن ذلك جائز شرعًا، غير أنه خلاف السنة؛ حيث إن السنة لمن أراد أن يضحّي أن يتولى ذلك بنفسه، ويأكل منها ويهدي ويتصدق، كما فعل النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومن أرسلها خارج بلده فإنه يترك كل هذه السنن، ولكن لا بأس أن يرسلها خارج البلاد خصوصًا هذه الأيام؛ فالحاجة في بعض البلدان ملحة، والله المستعان

معاشر المسلمين: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض، وتعرضوا لنفحات المولى -جل وعلا- في هذه الأيام الفاضلات، فإن المقام قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوفة والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، ولا يظلم ربك أحدًا .

اللهم اسلك بنا سبيل المتقين الأبرار، وأعذنا من خزي الدنيا وعذاب النار، وتقبل منا يا عزيز يا غفار.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي