عِبَادَةٌ عظيمةٌ أخبَرَ عنها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأنها تَعْدِلُ نِصْفَ الإيمان، نُزَاوِلُها في كل يومٍ، ألا وهي عِبَادَةُ الوُضوءِ والتَّطَهُّرِ... وهذا يدل على شَرَفِها وعِظَمِها، فلم يَرِد عِبَادَةٌ وَصَفَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بهذا الوصفِ، ولهذا عَظُم ثوابِ هذه العبادةِ،...
إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه ونستَعينُه ونستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرور أنفسِنا وسيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومَنْ سارَ على نهجِه، واقْتَفى أثَرَهُ إِلَى يومِ الدِّينِ، وسلَّم تسلِيمًا كثيرًا.
أَمَّا بعْدُ: فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق:4].
مَعْشَرَ المصلين: عِبَادَةٌ عظيمةٌ أخبَرَ عنها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بأنها تَعْدِلُ نِصْفَ الإيمان، نُزَاوِلُها في كل يومٍ، ألا وهي عِبَادَةُ الوُضوءِ والتَّطَهُّرِ، قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيحِ مُسلمٍ مِن حديثِ أبي مالك: "الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ"(أخرجه مسلم: 223) وفي رواية: "الوُضُوءُ شَطْرُ الإِيمَانِ"(أخرجه الترمذي: 3517).
وهذا يدل على شَرَفِها وعِظَمِها، فلم يَرِد عِبَادَةٌ وَصَفَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بهذا الوصفِ، ولهذا عَظُم ثوابِ هذه العبادةِ، كما في صحيحِ مُسلمٍ عن عثمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُتِمُّ الطُّهُورَ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، فَيُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهَا"(أخرجه مسلم:231).
وعن عُمرَ بن الخطابِ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ"(أخرجه مسلم:234).
فانظر إلى هذه العبادةِ التي اشتملت على كلمةِ التوحيدِ فتَحَت للعَبْدِ أبوابَ الجنةِ الثمانيةِ، يدخلُ مِن أَيِّها شاء، مع أن كثيرًا مِن العِباداتِ تَشتَمِلُ على كلمةِ التوحيدِ.
ولهذا قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "فَإِذَا كَانَ الْوُضُوءُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ مُوجِبًا لِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، صَارَ الْوُضُوءُ نِصْفَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ"(جامع العلوم والحكم:2/12).
ولهذا ذكرَ اللهُ الضوءَ وصِفَته في قوله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[المائدة:6].
وآيةُ المائدةِ هذه مِن أعظمِ آياتِ القرآنِ مَسَائِلَ، وأكثَرِها أحكامًا في العبادات، ويَحِقُّ ذلك، فإنها في الوُضوءِ، وهو شَطْرُ الإيمانِ. قال أبو بكرِ ابنُ العَرَبِيِّ -رحمه الله-: "لَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ فِيهَا أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، وَاجْتَمَعَ أَصْحَابُنَا بِمَدِينَةِ السَّلَامِ فَتَتَبَّعُوهَا فَبَلَّغُوهَا ثَمَانَمِائَةِ مَسْأَلَةٍ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُبَلِّغُوهَا الْأَلْفَ، وَهَذَا التَّتَبُّعُ إنَّمَا يَلِيقُ بِمَنْ يُرِيدُ تَعْرِيفَ طُرُقِ اسْتِخْرَاجِ الْعُلُومِ مِنْ خَبَايَا الزَّوَايَا"(أحكام القرآن، لابن العربي:2/47).
ولِعِظَمِ هذا الوضوءِ جَعَلَه اللهُ شَرْطًا للصلاةِ، كما جاء في الصحيحين: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ"(أخرجه البخاري:135)، وروى مسلمٌ في صحيحِه مِن حديثِ عبدِ الله بنِ عُمرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ"(أخرجه مسلم:224).
إذا جاء يومُ القيامةِ، واختَلَطَتِ الأُمَمُ، امْتَازَتْ أُمَّةُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بالوضوءِ؛ فعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ: يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا؟ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ، سَمِعْتُ خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ المؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ"(أخرجه مسلم:250).
وعن أبي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالسُّجُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَأَنْظُرَ إِلَى بَيْنِ يَدَيَّ، فَأَعْرِفَ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، وَمِنْ خَلْفِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَمِينِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ شِمَالِي مِثْلُ ذَلِكَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: "هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمْ، وَأَعْرِفُهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُمْ"(أخرجه أحمد:22080).
والوضوءُ سببٌ لتكفيرِ الذُّنوبِ والخطايا، كما روى مُسْلِمٌ عن عثمانَ بنِ عفانَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ"(أخرجه مسلم:228).
ومِن أعظمِ فضائلِ الوضوءِ أنه مُضْعِفٌ لِتَسَلُّطِ الشيطانِ على ابنِ آدمَ، ولهذا شُرِعَ الوضوءُ عند الغضبِ، وهو جَمْرةٌ مِن الشيطانِ يضعُها في قلبِ العبدِ. وكذلك شُرِعَ قَبْلَ النومِ، لأن النائمَ في غفلةٍ. وشُرِع بعدَ أكلِ لَحْمِ الإبلِ، لأنها خُلِقَتْ مِن جِنٍّ؛ ولأنَّ الشيطانَ مُصاحِبٌ لِمَبَارِكِها وظُهُورِها.
مَن حَافَظَ على هذا الوضوءِ في كل يومٍ وليلةٍ، فإنه جَدِيرٌ أن يتصفَ بالإيمانِ. ومِن هنا نعلمُ قولَ الرسولِ في الحديثِ الذي رواه ثَوْبَانُ -رضي الله عنه- أنه قال: "اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ"(أخرجه أحمد 22432).
فما بالُكُمْ عِبادَ اللهِ بِمَن لا يُحافِظ على الصلاة؟! أَتُرَوْنَه يحافظُ على الوضوءِ؟!!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)[الفرقان:48].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإياكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكرِ الحكيم. أقول ما سمعتم، وأَستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولَكُم ولِسائر المسلمين مِن كُلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاسْتغفِرُوه وتُوبوا إليْهِ؛ إنَّه هو الغفور الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهَدُ ألا إله إلا اللهُ؛ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه الدَّاعي إلى جنَّته ورِضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه.
أَمَّا بعْدُ: مَعْشَرَ المصلين، ولئن كان هذا الوضوءُ بهذه المثابة، فعَلَى العبدِ أن يُحْيِيَ وُضوءَهُ، وأن يُتِمَّه، ويعتنيَ به.
وبهذا يُعلَمُ خطأُ بعضِ الناسِ حينما يمسحُ أعضاءَ الوضوءِ مَسْحًا لا يسيلُ الماءُ على يَدِه إِمَّا خوفًا مِن البردِ، أو خَشْيَةً أن يتأثرَ الثوبُ والملابسُ، فهذا خطأٌ عظيمٌ، والوضوءُ لا يُجْزِئُ، فَمِنْ شَرْطِ الوضوءِ الغَسْلُ، وهو أن يسيلَ الماءُ على العُضوِ، كما جاء في الصحيحين عن عبدِالله بنِ عمرٍو -رضي الله عنهما- قال: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَّةَ إِلَى المدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ، تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الماءُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ"(أخرجه مسلم:241).
ومِن الأخطاءِ في الإسباغِ أنَّ بعضَ الناسِ حينما يَغسلُ يديه إلى المرْفَقَيْنِ، فإنه يبدأُ بِغَسْلِها مِن كُوعِه، أي أنه لا يُدخِلُ الكَفَّ والأصابعَ في الغُسلِ.
والواجبُ أن يبدأ بغَسْلِه مِن بدايةِ أصابِعِه، فإنْ قال: إني قد غَسَلْتُ الكفَّ والأصابعَ في أول الوضوء. نقولُ: إن هذا الغَسْلَ للكفِّ مِن سُنَنِ الوضوء، والله -سبحانه وتعالى- يقولُ: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرَافِقِ)[المائدة:6]، واليدُ تبدأ مِن الأصابعِ، فعَلَيْه أن يُعيدَ غَسْلَ كَفَّيْه مع يَدَيْه إلى مِرْفَقَيْه في الوضوءِ، ولا يكتفي بِغَسْلِها أولَ مَرَّةٍ.
وإذا كان على اليدِ أو غيرِها مِن أعضاءِ الوضوءِ جُرْحٌ يضُرُّه الغَسْلُ، فلا يَغْسِلْه، فإنْ وَضَعَ عليه دواءً، أو خِرْقَةً، فيجبُ أن يكون ذلك بقَدْرِ الحاجةِ.
وأما يفعلُه بعضُ الناسِ مِن أنه إذا كان جُرْحٌ في رأسِ إصبعِه، فإنه يَشُدُّ خِرْقَةً على إصبَعِه كُلِّه مِن غيرِ حاجةٍ، فهذا لا يجوز، بل عليه أن يكون بقَدْرِ حاجَتِه، ثم بعد ذلك يمسحُ عليه عند الوضوءِ، ولا يحتاجُ إلى التَّيَمُّمِ بعد ذلك.
عِبادَ اللهِ، وكما أنَّ الوضوءَ يُطْرَدُ به الشياطينُ، فإنّ الوضوءَ مَرْتَعٌ خَصْبٌ يجول الشيطانُ مِن خلالِه على قُلوبِ بني آدمَ. يقول إبراهيمُ التيميُّ -رحمه الله-: "كَانَ يُقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ الْوَسْوَاسُ مِنْ قِبَلِ الطَّهُورِ"(الطهور، للقاسم بن سلام:124).
ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: "شَيْطَانُ الْوُضُوءِ يُدْعَى الْوَلَهَانُ يَضْحَكُ بِالنَّاسِ فِي الْوُضُوءِ"(أخرجه البيهقي في السنن الكبرى:950).
فترى أحدَهم إذا جاء للوُضوءِ لَعِبَ به الشيطانُ، فجعلَ يَخْلِطُ عليه نِيَّتَه، يقول: أَرْفَعُ الحدَثَ؟ لا، بل أَسْتَعِدُّ للصلاةِ، لا بل أَتَطَهَّرُ، إلى غير ذلك مِن ألفاظٍ يُلَبِّس بها الشيطانُ على أهلِ الوضوءِ، بل ربما فاتَ الإنسانَ وَقْتُ الصلاةِ، وهو لا يزالُ في معركةِ وُضُوئِه، يَتَوَضَّأ أحدُهم بكمياتٍ كَبِيرَةٍ مِن الماءِ، ولا زال يسألُ في نَفْسِه: أَبَلَغَ الماءُ إلى جميعِ مَوَاضِعِ الوُضوءِ أَمْ لا؟!
وقد روى أحمدُ وغيرُه أنه جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ"(أخرجه أحمد:6684، وأبو داود:135).
وروى الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ وابنُ ماجَهْ عن عبدِ اللهِ بنِ المغَفَّلِ -رضي الله عنه- أنه سمع ابنه يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ".
ثمَّ صلُّوا وسلِّمُوا على رسولِ الْهُدَى، وإمام الورى، فقد أمركم ربُّكم فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبه أجمعين، وارْضَ اللهُمَّ عن الخلفاء الراشدين، وَالأئِمَّةِ المهْدِيِّين أَبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وعليٍّ، وعنِ الصَّحابةِ أجْمَعين، وعنَّا معهم بعفْوِك وكَرَمِك يا أكرمَ الأكْرَمِين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي