التطبيع مع اليهود

خالد بن عبدالله الشايع
عناصر الخطبة
  1. دين الله واحد .
  2. كفر أهل الكتاب .
  3. ضوابط الصلح مع اليهود .
  4. موقف الإسلام من التطبيع مع اليهود. .

اقتباس

مهما بلغ المسلمون من الضعف، فلا يجوز لهم أن يعقدوا الصلح الأبدي معهم، وَوَضْع الحرب معهم؛ فقد كان اليهود جيران النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وعلّمنا كيف نتعامل معهم، فقد عقَد معهم صلحًا مؤقتًا، لما كان ضعيفًا مُعادًى من أكثر من جهة، فصالحهم ليخفِّف عنه العداء من جهتهم، ومع ذلك نكثوا....

الخطبة الأولى:

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أما بعد فيا أيها الناس: فإن دين الله واحد، وإن اختلفت الشرائع، فكل أمة أرسل الله لهم رسولاً، وأنزل معه شريعةً يسير عليها بمن اتبعه، وكلّ نبيّ يدعو قومه للإسلام، وهو توحيد الله بالعبادة والكفر بكلّ ما سواه، كما قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل:36].

والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والخلوص من الشرك والبراءة من الشرك وأهله، والكفر بما يعبد من دون الله، فلا يوجد ديانات سماوية مختلفة، بل كلها دين واحد جاء به الرسل، غير أن كلّ نبي كان يُبْعَث إلى قومه خاصة، ثم إذا توفاه الله دَبَّ التحريف بعد مدة من الزمن على ما جاء به، حتى جاء الإسلام ناسخًا لكلِّ شريعة جاءت قبله، كما قال –سبحانه-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[المائدة:48]، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)[آل عمران:85].

وتكفَّل الله بحفظ هذا الدين، وجعله صالحًا لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، فكان ناسخًا لكلِّ شريعة قبله، كما أخرج أحمد في مسنده من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم- "لو كان موسى حيًّا لما وسعه إلا أن يتبعني".

وإذا نزل عيسى ابن مريم آخر الزمان، فإنه يحكم بشريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لا بالنصرانية، ويصلي خلف إمامنا ولا يؤُمّنا، كما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة، فنحن من خير الأمم، ونبينا خير الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.

وقد أعلنها النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحةً، أنه لا دَيْن يُقْبَل من أحدٍ من الناس بعد بعثته غير الدِّين الذي جاء به هو -عليه الصلاة والسلام-، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".

معاشر المسلمين: لقد كفَّر الله اليهود والنصارى في كتابه، فقال في النصارى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة:17]، وقال في اليهود وأشباههم: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا)[النساء:150].

ومن نواقض الإسلام: عدم تكفير المشركين أو الشك في كفرهم، أو تصحيح مذهبهم.

فلا يجوز لمسلم أن يقول: إن اليهود والنصارى مؤمنون، أو أنهم إخوان لنا، فضلاً عن أن يترحم عليهم أو يقول بدخولهم الجنة.

واليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، كما قال -سبحانه-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة:82]، وهم أهل نقض للعهود، كما فعلوا مع موسى -عليه السلام- مرارًا، وكما فعلوا مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل حاولوا قتله مرارًا، حتى أجلاهم من المدينة، ثم أجلاهم عمر في خلافته خارج جزيرة العرب، والقاعدة العامة في تعاملهم مع المسلمين كما قال الله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة:120].

وهم أهل الحيل والمكر، كما تحايلوا على شرائع الله، وكل خبث فَهُم أساسه، وكل مكر فَهُم من ورائه، فلا يستأمنهم إلا جاهلٌ، وهم في زمننا هذا على طريقة أسلافهم، وزادوا عليهم باغتصابهم أراضي المسلمين، كما فعلوا في فلسطين، من عشرات السنين، وهم يطالبون المسلمين بالاعتراف بهم، وهم محتلُّون خونة، غصبوا الديار وسفكوا الدماء، ولا يزالون على ذلك.

فمهما بلغ المسلمون من الضعف، فلا يجوز لهم أن يعقدوا الصلح الأبدي معهم، ووضع الحرب معهم؛ فقد كان اليهود جيران النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وعلمنا كيف نتعامل معهم، فقد عقد معهم صلحًا مؤقتًا، لما كان ضعيفًا مُعادًى من أكثر من جهة، فصالحهم ليخفِّف عنه العداء من جهتهم، ومع ذلك نكثوا.

ولما صالحهم على أرض خيبر، قال: "تقيمون فيها ما نشاء"، ثم أخرجهم عمر في خلافته، فلا صلح أبدي معهم، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتبايع معهم، ويستخدم سلعهم، وأباح الله لنا أكلهم وذبائحهم التي يذكرون اسم الله عليها عند الذبح، كما أحل لنا نكاح المحصنات من نسائهم.

معاشر المسلمين: إن ما يدعو الغرب اليوم إليه من التطبيع مع اليهود، أمر لا يرضاه مسلم؛ لأن التطبيع أمر لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم، بل هو يخالف شرع الله، ومعنى التطبيع أن نصطلح مع اليهود صلحًا مؤبدًا، وننسى الماضي، ونعترف بأن الأرض التي يقيمون عليها الآن هي أرضهم، وأن السلام يحل بيننا وبينهم إلى يوم القيامة، فلا حرب بيننا أبدا، كما يقولون "الأرض مقابل السلام".

وفي هذا رفض لشرع الله الذي أمر بقتال المشركين حتى يؤمنوا، سواء اليهود وغيرهم من الكفار، كما قال -سبحانه-: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة:29]؛ فإن عجزنا عن القتال صالحناهم حتى نتمكن ونقدر على قتالهم، ولا نعترف لهم بما اغتصبوه من أراضي المسلمين، هذا هو موقف المسلم ولا بد أن يكون هو فهمه للقضية، فالسياسة لا تُغيِّر حكم الله، وهذه هي فتاوى مشايخنا وعلى رأسهم شيخنا ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله-، وكل ما نقل عنهما خلاف ذلك فهو غلط عليهما.

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه...

الخطبة الثانية:

أما بعد فيا أيها الناس: تدور نقاشات بين الناس في برامج التواصل والمجالس عن قضية التطبيع مع اليهود، مع غفلة الكثير عما أوجب الله عليه معرفته من أمور دينه، فالكثير يجهل مسائل في الصلاة والوضوء، ويناقش في مسائل لا ناقة له فيها ولا جمل، ولن يؤخذ برأيه، ولن يقدم ولن يؤخر فيها، وربما وصل الأمر إلى تقاطع البعض وتهاجرهم، وأقول: إن هذه الأمور من أمور السياسة قد قلَّدها الله في أعناق أهلها الذين يعنون بها، ولهم فيها الحل والعقد، وأنت أيها المسلم عليك معرفة الحكم الشرعي، ثم دع الأمور لأهلها.

اعرف ما سبق بيانه من موقف الإسلام من التطبيع مع اليهود، وعلِّمه أولادك، حتى يعلموه أولادهم، بغض النظر عن موقف الدول منه، حتى لا يلتبس الحق بالباطل.

عباد الله: لقد وعدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعدا لن يخلف، وهو أننا سنقتل اليهود ونُخرجهم من مقدساتنا قبل قيام الساعة، ولكنَّ منا قومًا يستعجلون؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون؛ حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود".

اللهم طهِّر بلاد المسلمين من اليهود وأذنابهم....


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي